رئيس التحرير: طلعت علوي

الدور الاقتصادي المحوري للتجارة الإلكترونية

الخميس | 05/07/2018 - 09:56 صباحاً
الدور الاقتصادي المحوري للتجارة الإلكترونية

كلمة الاقتصادية

لقد أصبح من فضول القول إننا نمر في هذا العصر بمرحلة اقتصادية وتجارية لم يعهدها العالم من قبل، بل يمكن القول بحذر إن النظريات الاقتصادية القائمة حاليا قد تفشل في تفسير بعض ظواهر هذه الحقبة، أو حتى تمكننا من التنبؤ بها، فلم يكن أحد يتصور أن مفاهيم، مثل العولمة واتفاقية التجارة العالمية ومناقشاتها عن المنافسة وفتح الأسواق، ستصل بنا إلى كل هذه الشبكة العالمية المعقدة جدا، سواء في تدفق النقد أو السلع، فعندما كان العالم متحمسا للعولمة وفتح الأسواق، لم تكن أجهزة الهاتف المحمول قد وصلت حينذاك إلى أبعد من رسالة نصية يُفقد بعضها، لكن الحال اليوم مختلف جذريا، فقد مكنت التطبيقات المتقدمة جدا، مع التطوير المستمر والمذهل للأجهزة الذكية، من تسريع كل المفاهيم التي ناقشها السياسيون، ودارت حولها جولات حوار انتهى بعضها بلا اتفاق ملزم. هذه المفاهيم عن العولمة والمنافسة، مع التطورات في الأجهزة الذكية، وجدت الحقبة الاقتصادية التي نعيشها اليوم، حتى أصبح نقاش فتح الأسواق ومنع العوائق يعني تطوير البنية الإلكترونية وبيئتها، وأي دولة تتأخر في هذا المسار، فإنها من الصعب عليها مشاركة العالم في المستقبل، وقد يتراجع اقتصادها بشكل خطير، ولا مجال للمراهنة هنا، والأخطر من هذا وذاك، أنها ستكون مجرد دولة تابعة، وعلى شعبها تحمل كل شظايا المعارك الاقتصادية التي ستخوضها كبريات الشركات العالمية للسيطرة على أجواء التجارة الإلكترونية.

والمملكة، حكومة وشعبا، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، لا ترضى أن تعيش بهذه الصورة، بل لا ترضى بأقل من أن تكون صانعة للقرار العالمي، ومؤثرة فيه بشكل جوهري، كما أن المملكة تعيش اليوم فترة مهمة جدا من تاريخها الاقتصادي، فهي تسعى إلى تحول كبير نحو اقتصاد السوق الحرة، وتقليل التدخل الحكومي، وتحول الحكومة إلى مستثمر، مع منح القطاع الخاص دفة قيادة الاقتصاد، وإنتاج ثروة الأمة. لكن في حقبة اقتصادية متسارعة التغيير، كالتي نعيشها اليوم، فإننا في حاجة إلى تطوير البيئة التنظيمية، التي تتناسب مع هذه المرحلة، فتم بالأمس صدور قرار مجلس الوزراء بتأسيس مجلس للتجارة الإلكترونية، وستكون له آثار كبيرة جدا في توحيد جهود جميع الجهات الحكومية نحو إيجاد بيئة محفزة ومنظمة ومراقبة للتجارة الإلكترونية في المملكة، خصوصا أن وزارة التجارة بالتعاون مع لجنة التحول الرقمي، قد أنهت وضع استراتيجية التجارة الإلكترونية التي ستكون إحدى أبرز مهام المجلس. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن مجلس الشورى قد أقر في هذا الأسبوع نفسه نظام التجارة الإلكترونية في المملكة، الذي من المتوقع أن يصدر قريبا، ما يضع الأسس النظامية للعلاقات التجارية، التي تنشأ نتيجة التسويق والتسوق الإلكتروني وتوسعه في المملكة. وقد أشارت تقارير صحافية إلى أن حجم مبيعات التسوق الإلكتروني تجاوز 30 مليار ريـال، وهي في نمو متسارع، وأن متوسط إنفاق المتسوق السعودي التقليدي عبر الإنترنت بلغ أربعة آلاف ريـال، وأن 42 في المائة من المتسوقين عبر الإنترنت خلال العام الماضي اشتروا عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي. وهذه الأرقام تضعنا أمام أسئلة مهمة حول الضرائب والغش التجاري، والمنازعات، بل تضع أسئلة هائلة عن واقع التجارة العادية في المملكة، وقدرتها على البقاء أمام عمالقة التجارة الإلكترونية في العالم، التي تسعى جاهدة إلى إطلاق منصاتها من المملكة، واستخدام أراضي المملكة نقطة اتصال بين أقطار العالم. كل هذه القضايا مجتمعة ستكون محل نقاشات طويلة في مجلس التجارة الإلكترونية، الذي سينقلنا إلى حقبة الاقتصاد الرقمي العالمية، التي يصعب حتى الآن التنبؤ بما ستحدثه من تحولات فكرية واجتماعية وتأثيراتها في البطالة ونمو الإنتاج عموما.

©جريدة العرب الاقتصادية

التعليـــقات