رئيس التحرير: طلعت علوي

تقرير لمركز معا...الذهب الأبيض نعمة لصاحبه.. نقمة للمواطن

الأحد | 27/05/2018 - 06:29 مساءاً
تقرير لمركز معا...الذهب الأبيض نعمة لصاحبه.. نقمة للمواطن

 

سلط تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا الضوء على تحول الوادي بين بلدتي سعير والشيوخ شمال شرق الخليل إلى تجمع للكسارات والمحاجر، الأمر الذي أدى إلى اضطرار 70 عائلة تسكن التجمع إلى تغيير نمط حياتها والابتعاد عن الزراعة وتربية المواشي، والعيش في ظل ظروف صحية وبيئية مقلقة بفعل أكوام الغبار والأتربة المنبعثة ليل نهار من تلك المنشآت عدا الضوضاء المخيفة. مع العلم أن أراضي المنطقة تتآكل بالأساس بفعل الاستيطان وإنشاء الطرق الالتفافية ومنع التوسع العمراني نظراً لوقوع جزء من الأراضي في مناطق (ج).


وجاء في التقرير المعد من قبل الصحفي ساري جرادات: "منذ أكثر من عقدين ونصف وأهالي الوادي والمناطق المحاذية له يعيشون رهينة معاناة حقيقية، مع تزايد أعداد المحاجر، ما أدى إلى اختفاء معالم المكان، وزاد من وعورة الطرق، وفق تأكيدات العديد من سكانها".
تشير المواطنة فاطمة ياسين (42 عاماً) إلى تعرض أطفالها لالتهابات في المجاري التنفسية والعيون، جراء الغبار المتطاير من مقالع الحجارة التي تلاصق منزلها في منطقة العديسة، فيما يؤكد أخصائي جراحة العيون أكرم مناصرة معاينته لمئات الحالات المصابة بالتلوث الناتج عن غبار مقالع الحجارة في مناطق شمال الخليل.
وينصُّ قانون البيئة الفلسطيني رقم 7 لسنة 1999، على أن يبعد مقلع الحجر مسافة لا تقل عن 200 متر عن أي شارع رئيسي أو فرعي، و 20 متراً عن الطرق الزراعية، وعن منبع المياه 500 متراً، فيما يلاحظ أن نسبة كبيرة منها لا تمتثل لنصوص القانون، وقواعد التنمية المستدامة.


تراجع القدرة الإنتاجية للأفراد
وأدى خطر انتشار مقالع الحجر بشكل عشوائي إلى تلويث المياه الجوفية، والإضرار بخصوبة التربة وعناصرها الغنية بالمواد العضوية في تلك المناطق، وهو ما دفع المزارعين إلى ترك أراضيهم، وتراجع أعداد الثروة الحيوانية، وفق دراسة أجراها الباحث جهاد مصطفى على المخاطر المحتملة من التوزيع العشوائي للمحاجر في العام(2014).
وتوصل الباحث مصطفى إلى أن الضجيج يؤثر على العاملين والسكان القريبين من مقالع الحجر من الناحية الفسيولوجية والنفسية، كما تترك أثرا في سلوكهم الاجتماعي، وهو ما يؤدي إلى تراجع القدرة الإنتاجية للأفراد، كما ساهمت المحاجر في هجرة أنواع مختلفة من الطيور والحيوانات البرية من المناطق التي تقام عليها تلك المحاجر.


أرقام وإحصائيات
يسهم قطاع صناعة الحجر والرخام في فلسطين بحسب بيانات اتحاد صناعة الحجر والرخام، بما نسبته 4.5% من إجمالي الناتج القومي، و25% من إجمالي عائدات القطاع الصناعي، وتعتبر الخليل مخزونا استراتيجيا للمادة الخام في هذه الصناعة، وتتركز في مناطق: سعير، الشيوخ، بني نعيم، يطا، والسموع وتفوح.
ويقدر عدد المحاجر العاملة في الخليل بـ 130 محجرا، تشغل حوالي 27 ألف عامل، و 250 مصنعاً (منشاراً) للحجر والرخام، تشغل حوالي 12 ألف عامل، بالإضافة لوجود المخارط الصغيرة المنتشرة في كافة أرجاء المحافظة، والتي تتسبب بمضاعفة تلويث الهواء وإلحاق أضرار صحية بالمواطنين، وفق أرقام اتحاد الحجر والرخام، ولا تتعدى نسبة المحاجر المرخصة منها الـ15%، بحسب سلطة جودة البيئة.


محاولات سلطة جودة البيئة
وبحسب سلطة البيئة وعلى لسان مدير مكتبها في الخليل بهجت جبارين، فإن من شروط ترخيص مقلاع الحجر أن يتم تقييم الأثر البيئي له، وتقديم خطة توضح مصيره عقب الانتهاء من العمل فيه، ففي بلدة بني نعيم تم إعادة تأهيل محجر واحد لأغراض زراعية، وإغلاق مقلعين للحجارة وسط المناطق المأهولة بالمواطنين.
وأشار جبارين إلى تشكيل لجنة مشتركة من وزارات عدة منها البيئة، والصحة، والحكم المحلي، والاقتصاد الوطني، بالتعاون مع النيابة العامة، لبحث تداعيات تعديات أصحاب مقالع الحجر على الحق البيئي، والتسبب بخلق أزمات صحية على المواطنين، وهو ما دفع إلى تحويل 8 مقالع للحجر في سعير إلى النيابة العامة للبت في تعدياتهم.
وطالب جبارين بتكاتف جهود أصحاب مقالع الحجر مع المجتمع المحلي، من أجل إنجاح المساعي الرامية إلى إعادة ردم المقالع التي انتهى العمل فيها، وخلق ثقافة بيئية لدى المواطن تقتضي ضرورة تبليغ جهات الاختصاص بمقالع الحجر الحديثة التي لا تلتزم بالمعايير البيئية التي أقرتها سلطة جودة البيئة الفلسطينية.
وتهدف عملية التقييم البيئي لتحقيق تنمية مستدامة إلى تحسين جودة البيئة، والمحافظة على نوعيتها من خلال توفير وسائل فعالة، تعمل على دمج العوامل البيئية، عبر تطبيق إجراءات تضمن تنمية اقتصادية واجتماعية، من خلال تسهيل استشارة الجهات التي ينبغي لها المشاركة في عملية التقييم البيئي، وتمكين الجمهور من الوصول للمعلومات البيئية.


غياب التخطيط
وتغيب مشاريع تأهيل واستصلاح ما أفسدته مقالع الحجارة عن مخططات وزارة الحكم المحلي، وهو ما يؤكده وكيل الوزارة محمد جبارين، الأمر الذي يوسع من دائرة توسيع الإهمال وتردي الأوضاع البيئية وما ينجم عنها من انعكاسات صحية ونفسية على حياة المواطنين، ويفاقم من تردي أوضاعهم الاقتصادية بسبب انحسار الأراضي الصالحة للزراعة.
أثار هذا الموضوع حفيظة رئيس بلدية سعير فهمي شلالدة، ولدى سؤالنا له عن مخططات مجلسه البلدي حول مقالع الحجر التي انتهى العمل فيها، أجاب أنه: "على الرغم من أهمية استصلاح وردم مقالع الحجر، إلا أننا لم نفكر في ذلك، ولكن من المهم أخد هذا الموضوع على محمل الجد والمسؤولية"."
ولا يخفي شلالدة حالة الخوف وشد الأعصاب الذي يرافقه أثناء زيارته للمناطق تلك، كونه يمر من فوق طرق معلّقة، ترتفع عن مستوى الطريق الرئيسي مسافة لا تقل عن 40 متراً في بعض الأحيان، مؤكداً: "سنقوم بعقد اجتماع مع أصحاب مقالع الحجر لبحث وسائل ردمها واستصلاحها".
وتشكل مقالع الحجر التي انتهى العمل فيها خطراً بيئياً على الإنسان والحيوان والنبات، بالإضافة إلى تشويهها الشكل الطبيعي للأرض، وهو ما يستدعي الإسراع في إيجاد الحلول السريعة لهذه المشكلة، عبر إجراء الدراسات العلمية من أجل استغلال واستثمار هذا المورد بشكل سليم ومستدام.


من للمواطن؟
يقوم أهالي المناطق المحاذية لمقالع الحجر بشكل دوري بتنظيم احتجاجات وإغلاقٍ للطرق المؤدية إليها، وتحت تأثير وعودات أصحاب المقالع والجهات المسؤولة، يشرع المواطنون في فتح الطرق من جديد، لتواصل الأيدي البشرية من انتهاكاتها بحق البيئة وحق المواطن في العيش فيها بأمن وسلام.
يقول الناشط الشبابي بهاء الفروخ من بلدة سعير: قمنا بتنظيم عشراتٍ من حملات الضغط والمناصرة، وجمعنا العرائض ورفعنا الاحتجاجات بالتعاون مع أهالي المنطقة للمجلس البلدي بهدف الحث على اتخاذ إجراءات تكفل وقف كل أشكال التعديات على البيئة، ولكن لا حول ولا قوة لنا أمام زحف رأس المال على بيئتنا وحياتنا.
يشير الفروخ إلى أنه في حال تم تنظيم عمل المقالع، وردم المنتهي منها، وبناء طرق آمنة، سيؤدي إلى إعادة إحياء آلاف الدونمات من أراضي بلدتي سعير والشيوخ، الممتدة حتى مدينة أريحا، مطالباً بإنشاء مشاريع اقتصادية في منطقة برية سعير، لإرغام أصحاب المقالع على التقيّد بالقانون الذي يجبرهم على وقف تغولهم بحق البيئة.
حاول مركز معا الحديث مع العديد من أصحاب مقالع الحجر، لكنهم رفضوا التعقيب على الموضوع، والإدلاء بأية تصريحات... تكررت المحاولة مرات عديدة دون جدوى!

التعليـــقات