رئيس التحرير: طلعت علوي

تقرير لمركز معا: "سهل البقيعة" ...حين يصنع المزارعون ما عجزت عنه السياسة

الأحد | 13/05/2018 - 03:21 مساءاً
تقرير لمركز معا: "سهل البقيعة" ...حين يصنع المزارعون ما عجزت عنه السياسة

 

ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا توجه المزارعين في سهل البقيعة شرق بلدة طمون شمال الضفة الغربية، إلى تغيير نمط الزراعة فيه من البعلية إلى المروية، وإدخال زراعات لم تكن معروفة من قبل في المنطقة، وذلك من أجل حماية أراضي السهل من مصادرة الاحتلال أو استخدامها من قبل الجنود كمناطق تدريب عسكرية، حيث تحول السهل إلى واحة خضراء يانعة على مدار العام.
وجاء في التقرير المعد من قبل الصحفية "ميساء بشارات" يمتد سهل البقيعة وهو ثالث السهول في فلسطين من حيث مساحته، من طمون غربا إلى نهر الأردن شرقا، وتبلغ مساحته الممتدة على اراضي بلدتي طمون وطوباس 275 ألف دونم، وقسمه الاحتلال كما باقي مناطق الضفة الغربية (أ، ب، ج)، وأقام الجيش الإسرائيلي على المناطق الأخيرة عدة مستوطنات إضافة إلى معسكرات لتدريب جنوده، ولم يتبقَ سوى 30 ألف دونم لأهالي البلدتين للسكن والزراعة.

أهمية السهل
ويعتبر سهل البقيعة واسعا ومناسبا لمناخ القطاع الزراعي، حيث يقع على شفا غوري يصلح للزراعة خلال الأربعة فصول، وهو خصب جدا، إذ يستطيع المزارعون زراعة جميع المحاصيل الزراعية فيه من الخضار والفواكه والأشجار، وهذا ما جعله عرضة لعمليات المصادرة من قبل الاحتلال والضم الاستيطاني.
يقول رئيس جمعية طمون للزراعات المحمية وهو من كبار المزارعين في السهل محمد الزبن: "استطاع المزارعون بصمودهم وتشبثهم بأرضهم أن يصمدوا بحقولهم ويستغلوا فيها ما لا يقل عن 10 آلاف دونم في الزراعة، تزرع أغلبية الأراضي بالبصل والجزر والشمام والبطاطا والفول والملوخية والخيار والأعشاب الطبية مثل الخس والجرجير والبقدونس والنعنع".

مستقبل الزراعة في فلسطين
ويشير الزبن إلى أن سهل البقيعة بمساحته وخصوبة تربته ومحاصيله وانتاجه أصبح هو مستقبل الزراعة في فلسطين، حيث بدأ التحول الزراعي فيه من عام 2011 من البعلي إلى المروي، وبدأت المنطقة تشتهر بالأعشاب الطبية وزراعة البطيخ والشمام والبطاطا والبصل، كما أدخل حديثا إليه زراعة الأشجار مثل الجوافة والعنب، وجزء كبير من النخيل البلحي، وهناك تجارب ومشاهدات لتجربة التفاح "العانا"، إضافة إلى التوجه لزراعة الزيتون المروي في السهل.

فرص عمل بأعداد كبيرة
ويبين الزبن أنه بعد تغير نمط الزراعة في السهل، وإدخال زراعات جديدة تعتمد على المياه؛ تمكّن السهل من استقطاب عدد كبير من العمال الفلسطينيين -بعد أن كانوا يعملون في المستوطنات- وتحديداً من بلدتي طمون وطوباس، كما فتح السهل فرص عملٍ أمام كثير من الشباب وعائلاتهم.
وتكللت الزراعة بالنجاح في السهل حيث أنتج منتجاتٍ ومحاصيل بديلة عن منتجات المستوطنات الإسرائيلية، والتي تغرق الأسواق الفلسطينية واستطاعت أن تنافس السوق المحلي والخارجي.

الانتقال من الزراعة البعلية إلى المروية
عام 2011 توجه المزارعون لهذه المناطق لخصوبة تربتها ومناخها الجيد للزراعة، بعد أن تركوا مناطق الأغوار كالجفتلك التي أُنهكت تربتها لخصوبة سهل البقيعة ومساحته الشاسعة المترامية.
واجه المزارعون عند انتقالهم للزراعة في البقيعة مشكلة توصيل المياه للسهل وتكلفتها العالية، حيث كانوا يوصلونها عبر خطوط ناقلة من منطقة الفارعة إلى السهل بطول لا يقل عن 22 كيلو متراً، وبين عاميّ 2013 -2014 بدأ المزراعون في مغامرة جريئة بحفر الآبار الارتوازية في هذه المناطق حتى يقللوا من تكلفة المياه ومصاريف الانتاج الزراعي.

صعوبات وتحديات
وبسبب سيطرة الاحتلال على موارد المياه الفلسطينية، واجه المزارعون صعوبة في حفر الآبار الجوفية وفي توصيل المياه لهذا السهل، فمن الصعب أخذ تصاريح لاستخراج المياه الجوفية والاستفادة منها في الزراعة.
وبالرغم من معارضة الاحتلال والمعيقات الجمة التي واجهت المزراعين في السهل، إلاّ أنهم أصروا على حفر الآبار الجوفية للاستفادة منها في الزراعة ليقام اليوم 4 آبار جوفية في المنطقة.
يقول الزبن وهو مالك لأحد هذه الآبار الجوفية إن الاحتلال صادر عدة جرارات ومعدات زراعية كثيرة خلال عملهم في السهل، كما فرض عليهم عدم دخول بعض المناطق بحجة أنها مناطق تدريب عسكرية، ولكن بتحديهم وصمودهم تمكنوا من الزراعة في تلك المناطق.
ويضيف أن الاحتلال يهاجم المزارعين ويعتدي على محاصيلهم وأدواتهم ويصادرها، ويفرض عليهم الغرامات الباهظة.
وفي السياق ذاته، يشير أبو زبن إلى أن هناك ما لا يقل عن 200 إلى 250 مزارعاً من أصحاب الحيازات الصغيرة والمزارعين الكبار، يزرع الواحد منهم مساحة 400 – 500 دونم، وتستوعب أراضيهم عمّالاً من محافظات جنين وطوباس ممكن كانوا يعملون في المستوطنات.

المشاكل التي تواجه المزارعين
ولم يترك الاحتلال المزارعين وحدهم، وحاول مراراً وتكرارا تهجيرهم من السهل ووضع العراقيل والصعوبات أمامهم، وإعطائهم إخطارات بالترحيل وتدمير الخطوط الناقلة ومصادرة المعدات الزراعية.
ويعتب بعض مزارعي السهل على وزارة الزراعة التي لم يجدوا منها الدعم الكافي لهم من أجل تثبيت صمودهم وتطوير زراعتهم في السهل والاستمرار في زراعته.
ويؤكد الزبن "عتبنا على وزراة الزراعة التي لم تدعم صمودنا بشكل كافٍ في هذه المنطقة التي تعتبر الرافعة الزراعية الاقتصادية لدولة فلسطين".
وطالب الزبن الوزراة بتعزيز صمود المزارعين واستمرارهم في السهل وحمايته من الاستيطان، وحماية المنتج الفلسطيني والسوق المحلية من منتجات الاحتلال التي تغرق السوق وتؤثر سلبا على المنتج الفلسطيني، وتؤدي إلى هبوط وتدني أسعار المنتج الفلسطيني وزيادة المردود السلبي على المزارع.

مطالب المزراعين
وطالب مزارعون في المنطقة بتفعيل صندوق درء الكوارث الطبيعية الذي أقرته وزارة الزراعة وصادق عليه الرئيس قبل ثلاث سنوات، وتعويض المزراعين عن موجات الصقيع والحر والخسائر التي كانت تلحق بالمزراع من الطبيعة، واسترداد المزارعين للضريبة التي سيدفعونها على مدخلات الانتاج الزراعي أسوة بالدول الأخرى، إضافة إلى توفير صندوق إقراض زراعي تابع للسلطة والحكومة حتى يستطيع المزارع الاقتراض بفوائد بسيطة جدا، ما يجعله يتحرر من جشع وطمع المحلات التجارية الموردة لأدوات الانتاج الزراعي.

وصول المياه.. والانتقال في نمط الزراعة
يشير رئيس جمعية طمون للزراعات المحمية إلى أنه وبعد ايصال خطوط مياه إلى المنطقة بدأ السهل يخضر على مدار العام وليس فقط في فصل الشتاء، حيث كان المزارعون يحصلون على المياه في عام 2011 عبر الخطوط الناقلة، وكانت التكلفة عالية جدا تصل إلى ستة شواقل لكل كوب، وبعد المغامرة بحفر الآبار في منطقة البقيعة قلّت تكلفة مدخلات الانتاج من المياه إلى شيقل ونصف للكوب الواحد، ما أدى إلى توسعة المساحات الزراعية المزروعة بسبب انخفاض تكلفة المياه وتوفرها.
ويؤكد الزبن أن عملية حفر الآبار كانت تتم على عاتقهم الشخصي وبمجازفة منهم في سبيل تطور القطاع الزراعي، وهو ما كان مكلفاً جدا حيث تصل تكلفة حفر البئر إلى أكثر من مليون ونصف شيقل، وهم ليسوا من ذوي رؤوس الأموال، وإنما تعاملوا مع الشيكات المؤجلة على أمل النجاح.
ويشكو الزبن انه عندما تكللت مشاريع المزارعين بالنجاح تفاجأوا من عدم قدرة وزراة الزراعة على تسويق هذا المنتج الزراعي الذي يتباهى ويتفاخر به المزارعون من حيث الجودة والكمية، ما أدى إلى إرجاع الشيكات ورفع قضايا ضدهم لتسديد ديونهم، وهذا سيؤدي إلى بيع كل ما عمل به المزراعون في ربع التكلفة، والخروج من هذه الأرض وإفراغها وعودة العمال إلى المستوطنات، وسهولة وضع اليد عليها من قبل الاحتلال.

التسويق
بالرغم من المناشدات التي اطلقها المزارعون في المنطقة لحماية منتجاتهم من المنتج الاسرائيلي والمستوطنات وقرار وزارة الزراعة بعدم دخول البضائع الإسرائيلية، إلا أن هذه المناشدات والقرارات لم تجدِ نفعا، وبقي السوق الفلسطيني مغرقاً بالبضائع الاسرائيلية وهذا ما اثر بشكل سلبي على المنتج المحلي ما دفع المزراعين للتخلص من محاصيلهم ومنتجاتهم ورميها في النفايات.

"الزراعة": قدمنا كل الدعم للمزارعين ومنتجاتهم
يقول مدير الزراعة في محافظة طوباس مجدي عودة إن وزارة الزراعة مؤخرا أدخلت أنماطاً زراعية جديدة في سهل البقيعة لم تكن معروفة بالمنطقة من قبل، وهذه الزراعات مناسبة للمناخ والتربة والمساحة الزراعية.
ويضيف عودة إن الزراعة ساعدت المزارعين في السهل على توفير المياه عبر الخطوط الناقلة والآبار الجوفية، كما زرعت السهل بالمحميات وساعدت المزارعين في تسويق وتصدير محاصيلهم الزراعية وتوفير الثلاجات؛ للحفاظ على المحاصيل وفائض الانتاج، ووفرت لهم بيوت التعبئة التي تستخدم لتخزين معدات ومواد الزراعة وتغليف الإنتاج، وأيضاً خزانات مياه ضخمة.
ويسرد عودة أن الزراعة دعمت صمود المزارعين في السهل بتوفير بعض المحاصيل المجانية والبذور والأشجار لتشجيع الناس على الزراعة فيه، وعلى التنوع الزراعي وعدم التركيز على محصول معين حتى لا يحصل فائضٌ في محصول واحد، ونقصٌ في باقي المحاصيل، بل تم توزيع وتقسيم الأنواع حسب احتياجات السوق.
كما أدخلت الزراعات التصديرية في السهل كزراعة البطاطا والجزر وتوسعت في زراعة أشجار الفاكهة مثل العنب والجوافة والمانجا والأفوكادو ومحاصيل التين والبرقوق والمشمش، والتي من الممكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي.
ويقول مدير التسويق في وزارة الزراعة طارق أبو لبن: "من سياسة الوزارة حماية المنتج الزراعي في كل مكان، وعندما يكون لدينا وفرة في الانتاج لأي منتج معين نسابق لمنع إدخال المنتجات المنافسة لحماية المنتج المحلي، ونحاول أن نوجة المشاريع الشريكة للوزارة للتدخل لتقليل تكاليف الانتاج على المزارعين.

التعليـــقات