رئيس التحرير: طلعت علوي

الأزمة الاقتصادية تدفع الفنزويليين «اليائسين» إلى الهجرة

الإثنين | 16/04/2018 - 07:55 صباحاً
الأزمة الاقتصادية تدفع الفنزويليين «اليائسين» إلى الهجرة


   

تعتبر سوق مارفيلاس أفضل مكان في مدريد لشراء منتجات أمريكا اللاتينية.. يبيع كشك خوسيه أنطونيو كعكات الذرة الفنزويلية وعصائر الفاكهة الطبيعية.. علم بلاده معلق بوضع مقلوب على الجدار.
ويقول أنطونيو "37 عاما" وهو مهندس من كاراكاس، "إنه أمر متعمد، حيث إن هذا الوضع للعلم هو إشارة إلى قلق الرجل الفنزويلي إزاء الأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة التي أثارت تدفقا كبيرا من الفنزويليين إلى العاصمة الإسبانية".
ويضيف "لقد كان العام الماضي مثيرا للإعجاب بشكل خاص. يمكن في كل مكان سماع اللغة الإسبانية باستخدام اللهجة الفنزويلية"، وعندما وصل إلى مدريد في عام 2004، كان دقيق الذرة اللازم لعمل كعكاته التقليدية المعروفة باسم "أريبا" لا يمكن شراؤه إلا من عدد قليل من المتاجر المتخصصة في منتجات أمريكا اللاتينية.


ويشير أنطونيو إلى أنه "الآن يمكنك الحصول عليه حتى من متجر كارفور.. يشهد كل يوم وصول أشخاص جدد"، ويوضح أن المهاجرين يأتون من جميع الأعمار والتوجهات السياسية، ومن بينهم أنصار للحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا الذي أنشأه الرئيس الراحل هوجو شافيز وينتمي إليه أيضا الرئيس الحالي نيكولاس مادورو.
ويقول أنطونيو "إنه حتى هؤلاء الأشخاص وضعهم سيئ في فنزويلا، لأن البلاد لا تزال تعاني عاصفة كاملة من انخفاض أسعار النفط، وارتفاع التضخم ونقص الغذاء".
وبحسب "الفرنسية"، تعاني فنزويلا الآن تضخما تجاوز حاجز 1000 في المائة، إضافة إلى نقص الغذاء والأدوية والسلع الأساسية الأخرى، كما قتل أكثر من مائة شخص في احتجاجات مناهضة للحكومة العام الماضي.
ويرى أنطونيو "الأشخاص يأتون إلي يطلبون العمل، وعندما أنظر إلى سيرتهم الذاتية، أرى أنهم مختصو نفط أو ما شابه. كيف يأتون إلى هنا لغسل السيارات أو القيام بأعمال منزلية؟ الناس يائسون".


وتظهر الإحصاءات الرسمية أن عدد الفنزويليين في إسبانيا ارتفع بأكثر من عشرة آلاف شخص في النصف الأول من عام 2017 خلال ذلك الوقت، شكل الفنزويليون نحو الربع من إجمالي الأجانب المستقرين في إسبانيا.
وارتفع العدد الإجمالي للفنزويليين في إسبانيا من عشرة آلاف عام 1999، عندما تولى شافيز السلطة، إلى 74 ألف فنزويلي في تموز (يوليو) 2017.
لكن حتى ذلك لا يعرض القصة الكاملة، لأنه لا يشمل الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية الإسبانية، وزاد عدد المقيمين في إسبانيا من المولودين في فنزويلا من 49 ألف شخص في عام 1999 إلى 208 آلاف شخص في تموز (يوليو) 2017.
ولا ينتقل الفنزويليون فقط إلى إسبانيا، لكن أيضا إلى الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية المجاورة لبلادهم، فيما يصفه توماس بايث عالم الاجتماع بأنه أكبر موجة هجرة من فنزويلا منذ القرن التاسع عشر. ويذكر بايث أن إسبانيا هي الوجهة الثانية الأكثر شعبية بعد الولايات المتحدة، لأن اللغة المشتركة والثقافات المتشابهة تجعل من السهل على الفنزويليين الاستقرار هناك.


وهاجر أكثر من مليوني فنزويلي من بلادهم منذ عام 1999، ويشير بايث إلى أن هذا العدد يقارب 8 في المائة من سكان البلاد.
وبحث عالم الاجتماع بايث، الذي أجرى مقابلات مع آلاف المهاجرين، ليس فقط في الأرقام، لكن أيضا في الأسباب التي تجعل الفنزويليين يغادرون، ويعتقد أن "السببين الأساسيين هما انعدام الأمن.. والتدهور الاقتصادي التدريجي" في البلاد. وكان المهاجرون في البداية في المقام الأول من المهنيين الذين يهاجرون بحثا عن وظائف أفضل، لكن أشخاصا من جميع الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية انتقلوا إلى أوروبا أو الولايات المتحدة في العامين الماضيين.
من ناحية أخرى، حاول بعض من النخبة الفنزويلية الثرية تأمين مستقبلهم من خلال الاستثمار في العقارات في الأحياء الفاخرة مثل سالامانكا في مدريد.


ووفقا لوسائل الإعلام الإسبانية، فإن هؤلاء المستثمرين كان من بينهم ميجيل أنخيل كابريليس، قطب الإعلام السابق، وهو ابن عم زعيم المعارضة الفنزويلي هنريك كابريليس؛ ومن بينهم أيضا عائلة "درويك" مالكة شركة الطاقة الفنزويلية التي تحمل الاسم نفسه، وقد استثمر بعض هؤلاء الأثرياء في أحياء يمكن أن تصل قيمة العقار فيها إلى ملايين الدولارات.
في حين إن أنطونيو معتاد على التعامل بمبالغ أكثر تواضعا، فهو سعيد بنمو مشروع كعكات الذرة الخاص به، وبعد أشهر فقط من فتحه الكشك، اضطر إلى توسيع مساحته، ويقول "إنه لا يشعر أبدا بالتمييز ضده من ناحية مواطني إسبانيا، الذين تعتبر العلاقات معهم "مثالية" لأن إسبانيا معتادة للغاية على استقبال المهاجرين".


وفي الوقت نفسه يوضح أنه "مع ذلك فإن أي شخص يعيش هنا يكون 70 في المائة من أفكاره هناك.. نحن نتحدث كثيرا عن كل شيء يجري، خاصة حول الوقت الذي سنتخلص فيه من هذه اللعنة".
وعند سؤاله حول ما إذا كان يرغب في العودة إلى وطنه؟ لا يفكر أنطونيو مرتين، وكان جوابه هو الجواب نفسه الذي قاله عديد من الفنزويليين الذين قابلهم بايث.
والإجابة هي "بالطبع سأفعل. سأكون سعيدا.. هنا لديّ وظيفتي، وحياتي الأسرية، وكثير للغاية من الأصدقاء.. لكنني أعتقد أن المرء يفتقد دائما جذوره".

 

«الاقتصادية» من الرياض

التعليـــقات