عامر ذياب التميمي
تطرح أسئلة كثيرة عن أسباب تهاوي مؤشرات البورصات العالمية الأسبوع الماضي، بعدما تراجع مؤشر «داو جونز» في نيويورك من مستواه القياسي الذي تجاوز 26.600 نقطة إلى ما دون 24.000 نقطة. فكيف حدث ذلك على رغم أن مؤشرات الإلاقتصاد الأميركي كانت مشجعة ومنها زيادة أعداد الوظائف بأكثر من 200 ألف وظيفة جديدة شهرياً. وتؤكد معلومات أخرى أن المؤشرات الأخرى للاقتصاد تبدو وردية وهناك إمكانات لتجاوز معدل النمو الاقتصادي 2.5 في المئة خلال هذا العام. هناك احتمالات عدة قد تنتج من هذا الأداء الجيد والمتميز ومنها احتمالات ارتفاع معدل التضخم بما يدفع مجلس الاحتياط الفيديرالي إلى رفع سعر الخصم عن مستواه الحالي، ما يرفع تكاليف الاقتراض. ويبدو أن ارتفاع العائد من سندات الخزينة إلى 2.8 في المئة، وهذا أعلى معدل بلغه عائد سندات السنوات العشر، خلال السنوات الأربع الماضية يثير تساؤلات، وكذلك المخاوف من ارتفاع معدل التضخم حيث زاد قلق المستثمرين في شأن أداء الأسهم وإمكان الشركات تحقيق عائدات مجزية.
وكما سبق ذكره فإن الاقتصاد الأميركي مازال يتفوق على أداء معظم الاقتصادات الرئيسة، وهو يمثل 20 في المئة من إجمالي الناتج العالمي.
ويتميز الاقتصاد الأميركي، أيضاً، بقطاع خدمات متطور تقنياً في شكل يرفع الكفاءة التشغيلية. يساهم قطاع الخدمات بما يقارب 80 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، ويخلق هذا القطاع معظم الوظائف الجديدة التي تضاف في سوق العمل. ومعلوم أن قطاع الخدمات يتشكل من البنوك والمؤسسات المالية والخدمات الصحية ومؤسسات التعليم والتوزيع السلعي. أما قطاع الصناعات التحويلية فيظل مهماً ويساهم بـ15 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. هذا القطاع بدأ يستعيد حيويته خلال السنوات الأخيرة بعدما تراجعت ميزاته النسبية بفعل المنافسة من صناعات أجنبية تمتعت بالكفاءة وتكاليف معقولة، وتمكنت من غزو سوق الولايات المتحدة في شكل كبير ما أدى إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري.
بطبيعة الحال، لابد أن يواجه الكثير من الصناعات مثل تلك المنافسة، خصوصاً من المنتجات الصينية أو الكورية وإلى حد ما من اليابانية، ولذلك فإن المتغيرات الهيكلية قد تؤدي إلى تحسن أداء الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة على رغم تكاليفها السياسية المتوقعة. ويذكر أن الصناعات الأميركية تتركز في السيارات والطائرات والمعدات الثقيلة والمنتجات الكيماوية والمعدات العسكرية والأسلحة.
هناك الآن مشاريع كبيرة مثل مشاريع البنية التحتية التي يمكن أن توفر وظائف جديدة وتحسن قدرات الاقتصاد الأميركي بكل قطاعاته. لكن هل صحيح أن هذه المشاريع وارتفاع معدل النمو وزيادة أعداد العاملين يمكن أن ترفع من معدل التضخم؟ لم يزد معدل التضخم عام 2017 عن 2.1 في المئة، وهو مستوى مقبول من السلطات النقدية، وربما كان هذا المعدل أعلى من مستواه في 2016 إذ لم يتعـدَّ 1.6 في المئة، ولكنه يظل غير مثير للقلق. وقد قرر مجلس الاحتياط الفيديرالي في اجتماعه الأخير في 4 كانون الأول (ديسمبر) 2017 الإبقاء على سعر الخصم بحدود 1.75 في المئة، على رغـــم مطالبات من عدد من الأعضاء برفعه إلى 2.0 في المئة. وقـــد يُرفـــع هذا المعدل فعلاً في اجتماع قريب. لكن هناك مخاوف أخــــرى قد تكون مسؤولة عما حدث في أسواق المال، منها الجدل حول الموازنة والتخوف من تعطل الأعمال في الأجهزة الحكومية، وإن تـــم التغلب على ذلك بتوافق أعضاء الكونغرس من الحزبين. ولابد أيضاً أن نأخذ في الاعتبار المشاكل التي يواجهها الرئيس ترامب مع السلطات القضائية والمتعلقة بالانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ومهما يكن من أمر فإن تداعيات التراجع في مؤشرات «وول ستريت» في الولايات المتحدة وانعكاساتها على أسواق المال الأخرى، قد يتم تجاوزها إذ هناك إمكانات للتعافي وتعويض الخسائر الناتجة من هبوط المؤشرات.