رئيس التحرير: طلعت علوي

القدس .. أوروبا واليابان والصين وروسيا أولوية العرب

الإثنين | 25/12/2017 - 08:38 صباحاً
القدس .. أوروبا واليابان والصين وروسيا أولوية العرب


د. أمين ساعاتي|

يبدو أن قدر الدول العربية أن تخوض معركة جديدة من المعارك التي يدبرها الغرب ضد الدول العربية، التي شهدت في مطلع هذا العقد سلسلة من الحروب الأهلية التآمرية التي أطلق عليها اسم الربيع العربي التي انتهت بالقضاء على الجيوش النظامية لمجموعة من الدول العربية الكبرى منها العراق وسورية وليبيا واليمن.
والآن يخوض العرب معركة جديدة بدأت بإعلان الولايات المتحدة اعترافها بأن مدينة القدس العربية هي عاصمة الدولة العبرية إسرائيل.


ورغم أن هذا القرار يتعارض جملة وتفصيلا مع القانون الدولي ومع الشرعية الدولية ومع مواقف الولايات المتحدة السابقة، إلا أن الدولة العظمى ضربت عرض الحائط بكل الشرائع الدولية، وقررت أن مدينة القدس العربية هي عاصمة للدولة العبرية التي احتلت الأراضي العربية في عام 1967 بما في ذلك القدس بالقوة العسكرية الغاشمة.
وكان واجب الولايات المتحدة كدولة عظمى أن تضبط سلوكها الدولي بما لا يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، وأن تكون المثل الأعلى لجميع دول العالم في احترام قرارات المجتمع الدولي والشرعية الدولية.
وما نخشاه أن ينجح هذا التوجه في إقناع دول أخرى، خاصة بعض دول الاتحاد الأوروبي واليابان للحاق بالولايات المتحدة في الاعتراف بالقدس العربية عاصمة للدولة العبرية!


الخريطة الحديثة التي عرضها الصهاينة للقدس الشريف تشير إلى أن الصهاينة أوشكوا على الانتهاء من الحفريات تحت المسجد الأقصى، وأنهم اقتربوا من أساسات قبة الصخرة، والمسجد سيصبح جاهزا للسقوط بمجرد الاقتراب من الأساسات، وأنهم من ناحية أخرى يحضرون لإزالة المسجد الأقصى، ووضع مجسم الهيكل الجديد الذي أصبح هو الآخر جاهزا.
هذا التغيير الملعون في التاريخ والجغرافيا يجعل الإسرائيليين يراهنون على أنهم سيضعون العالم أمام هيكل سليمان "مزعوم"، وأمام ركام مسجد "سابق" قد تهدم تماما، وفي يدهم الآن صك اعتراف الدولة العظمى الولايات المتحدة بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل!


طبعا هذا السيناريو لم يعد سرا، بل إن إسرائيل تجاهر به صباح مساء كي تختبر ردود الأفعال العربية والإسلامية، ومع الأسف فإن ردود الأفعال السلبية هي التي شجعت الإسرائيليين على المضي قدما في تنفيذ مخططهم المريب!
وبافتراض أن الدول العربية والإسلامية سوف تتحرك لمواجهة القرار الأمريكي، وفي كل الأحوال فإننا لا نتوقع جديدا في التحرك العربي والإسلامي، ولن يكون التحرك العربي والإسلامي بعيدا عن بيانات شجب واستنكار وتنديد، بينما تكون إسرائيل على الأرض قد استكملت وضع كامل نفوذها على كل أنحاء مدينة القدس، وتكون قد أزالت ــ لا سمح الله ــ أكبر الآثار الإسلامية فى القدس الشريف وهو المسجد الأقصى، وتكون ــ كذلك ــ قد رتبت مع بعض الدول، ودول الاتحاد الأوروبي واليابان قضية نقل سفاراتهم إلى القدس العربية المهودة، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة.


وإذا افترضنا ــ فى أحسن الأحوال ــ أن الحمية العربية تجاسرت مع الحمية الإسلامية وهددت بالانسحاب من عملية السلام، فإن الغرب ــ الذي صنع إسرائيل ودعمها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من الطغيان ــ لن يسمح لأي نوع من أنواع المواجهات المسلحة ويدعو كل الأطراف إلى ضبط النفس والهدوء والجلوس من جديد إلى مائدة المفاوضات لبحث القضية!
وبذلك يعود العرب مع الإسرائيليين إلى المربع الأول للتفاوض، وتطرح عليهم خريطة طريق جديدة تقل كثيرا عن خريطة الطريق التي وضعت أمامهم في عام 1947، ثم في عام 1967، ثم في أوسلو 1993. أو لنقل إن الولايات المتحدة مدعومة من الاتحاد الأوروبي سوف تضع مرة أخرى أمام العرب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو مشروع يراد منه تقطيع الدول العربية إلى دويلات.


ترى هل كنا على حق حينما اخترنا خيار السلام مع إسرائيل، أم أن خيار السلام كان وما زال في مصلحة إسرائيل، وهو خيار حجم القوات العربية المسلحة وأضعفها، وفي الوقت نفسه قوى جيش الدفاع الإسرائيلي عشرات المرات، وهل منطق خروج العرب من عملية السلام مقبول لدى المجتمع الدولي؟ وهل لدى العرب المقدرة على المواجهة.
وكما أشرنا فإن من سوء حظ العرب أنهم لا يملكون خيارات كثيرة أو قوية، والموقف الإسرائيلي الغاشم لا يحل إلا بالقوة المسلحة، والعرب أضعف من أن ينسحبوا من عملية السلام ويستردوا أراضيهم بالقوة المسلحة.


ولذلك ليس أمام العرب إلا خيار التوجه نحو المحاكم الدولية ورفع قضايا ضد المغتصب الإسرائيلي المنتهك لكل الشرائع والقوانين الدولية، وكذلك أمام الدول العربية مطالبة المنظمات الدولية، خاصة مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة بالدفاع عن القرارات الدولية التي صدرت عن هذه المنظمات التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967.
أما بالنسبة لخيار المقاومة فإنه لن يكون فعالا في هذه المرة لأن المقاومة فقدت محركاتها الموضوعية عند الفلسطينيين أنفسهم، ولم يعد لها زخم قوي عند الشباب الفلسطيني كما كان في الماضي.


ومثل المقاومة فإن المقاطعة لم تعد لها نفاثات تنطلق بها للضغط على إسرائيل، ولم يعد لها على الأرض أي جدوى.
ما نتمناه أن تتحرك الدبلوماسية العربية نحو دول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وروسيا كي يستمر موقف هذه الدول مع الشرعية الدولية والحقوق العربية في القدس وفي كل الأراضي العربية المحتلة، وإذا نجحت الدبلوماسية العربية في إقناع هذه الدول الأوروبية واليابان والصين وروسيا بالثبات على موقفهم المندد بالقرار الأمريكي الظالم، فإن هذا كاف لإحباط وتشويه الموقف الأمريكي من القدس الشريف!

التعليـــقات