رئيس التحرير: طلعت علوي

6 % خسائر الاقتصاد العالمي من الاحتيال المالي

الأربعاء | 29/11/2017 - 07:57 صباحاً
6 % خسائر الاقتصاد العالمي من الاحتيال المالي

يصعب إن لم يستحيل إنكار الآثار السلبية للاحتيال المالي، سواء امتد تأثيره إلى الشركات الخاصة وقطاع الأعمال أو إلى المنظومة الاقتصادية للدولة ككل، فعلى مستوى الشركات وقطاع الأعمال يجعل الاحتيال مناخ العمل الاقتصادي والتجاري والاستثماري غير صحي وغير مستقر، ويؤدي إلى انخفاض نوعية الخدمات المقدمة للمستهلكين، ويقلص حجم الموارد المتاحة لهم، لما لذلك من انعكاسات خطيرة على مناح أخرى من الحياة، مثل قدرة المواطن على المشاركة المالية التطوعية في عديد من الأنشطة المجتمعية مثل الأعمال الخيرية على سبيل المثال.


وعلى مستوى الاقتصاد الكلي يؤدي إلى انخفاض القدرة التمويلية للدولة عبر حرمانها من مستحقات ضريبية تستخدم في دعم الرفاهية العامة للمجتمع، كما يؤدي إلى نفور الشركات الدولية من الاستثمار في تلك الاقتصادات، ويعرض بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسة كشركات التأمين والمصارف إلى خسائر مالية، تفقد المستثمرين المحللين أو الدوليين الرغبة في الاستثمار في تلك القطاعات الاستراتيجية للنمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من العقدين الماضيين شاهد جهودا مضنية في المجال التشريعي الدولي لمواجهة عمليات الاحتيال الاقتصادي، فإن المتورطين في هذا النوع من النشاط، طوروا أيضا الآليات العمل لديهم، مستغلين الثغرات القانونية المتاحة كافة.


وتبدو المشكلة الأولى في بحث هذا الموضوع، صعوبة التوصل إلى رقم دولي للتكلفة الإجمالية للاحتيال الاقتصادي، وأغلب الأرقام الدولية في هذا الشأن، لا تزال تدخل حتى الآن في إطار التقديرات. ونظرا لعدم اتفاق الخبراء والمختصين على رقم نهائي بشأن الاحتيال الاقتصادي على المستوى الدولي، فإنه من الصعب الحكم بشكل قاطع على التكلفة المالية الحقيقية له، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد الجزئي أي الشركات الخاصة وقطاع الأعمال أو الاقتصاد الكلي أي أنشطة الدولة والقطاع العام.


لكن عدم التوصل إلى رقم متفق عليه بين الخبراء والباحثين لا ينفي اتساع نطاق الظاهرة وتداعياتها الاقتصادية.
وفي هذا السياق قال لـ"الاقتصادية" أرون أندي، الخبير الاقتصادي في مجال مكافحة الاحتيال، "قد يصعب وأحيانا يستحيل وضع رقم لتكلفة الاحتيال الاقتصادي محليا أو دوليا، ولكن من المؤكد أن الظاهرة في إطار التنامي، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة نمت على المستوى الدولي بنحو 14 في المائة، كما أن الشركات الدولية التي تعرضت لخسائر نتيجة الاحتيال ارتفعت نسبتها من 64 في المائة إلى 69 في المائة، ولهذا يمكنا القول أن تكلفة الاحتيال الاقتصادي تراوح حاليا بين 3 إلى 6 في المائة من إجمالي الاقتصاد العالمي".


وتتفق الدكتورة إليزابيث دنت، أستاذة التجارة الدولية، مع تلك التقديرات، وتؤكد أن السنوات المقبلة ستشهد مزيدا من اتساع نطاق عمليات الاحتيال الاقتصادي، وتعلق قائلة: "نمو معدلات التجارة العابرة للحدود، يحمل في طياته بذور اتساع نطاق الاحتيال الاقتصادي، إضافة إلى أن سلسلة إمداد الشركات الدولية بالمنتج النهائي، تتضمن مساهمة أو مشاركة عديد من الشركات الصغيرة، وبذلك يصعب أو يستحيل أن تكون جميعا تحت السيطرة".
وأضافت: "تشير بعض الدراسات الحديثة، إلى أن 20 في المائة من الشركات التي يزيد حجم نشاطها التجاري عن 500 مليون دولار سنويا، تشعر بأنها عرضة للاحتيال بشكل أكبر من الشركات التي يقل حجم نشاطها التجاري عن 500 مليون دولار سنويا، حيث أظهرت الدراسات أن 14 في المائة فقط من تلك الشركات تعتقد أنها عرضة للاحتيال، والسبب في ذلك يعود إلى ما يعرف بسلسلة الإمداد، التي كلما طالت وزاد عدد المشاركين فيها باتت إمكانية الاحتيال أكبر".


وتضيف الدكتورة إليزابيث سببا آخر لاتساع نطاق الاحتيال الاقتصادي عالميا قائلة: "توسيع الشركات لنشاطها التجاري والسعي لفتح أسواق جديدة في مناطق جغرافية ليس لديها معرفة تامة بها أو بثقافتها أو القوانين السائدة لديها، يجعل تلك الشركات عرضة للاحتيال الاقتصادي".
ويعتقد بعض الخبراء، أن ازدياد نطاق الاحتيال الاقتصادي، يعود في جزء كبير منه إلى أن وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية ينصب تركيزها في المرحلة الراهنة على القرصنة الإلكترونية، التي باتت تمثل تهديدا للنشاط الاقتصادي، وإذ لا يستطيع أحد إنكار التهديد الذي تمثله عمليات القرصنة الإلكترونية، إلا أنها تمثل دائما هجوما من قوى خارجية على الشركة المستهدفة.
من جانبه قال لـ"الاقتصادية" هارسون هاولي، الخبير السابق في مجال مكافحة الاحتيال الاقتصادي في الشرطة البريطانية، إن أغلب عمليات الاحتيال التي تتعرض لها المؤسسات أو الشركات العملاقة تكون جراء تنسيق مع بعض العاملين بداخل تلك الشركات.
وأضاف: "يزداد حجم الاحتيال الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة عنه في الاقتصادات الناشئة، لكن تداعياته الاقتصادية أكثر حدة في الاقتصادات الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة".


وزاد: "في بريطانيا كشفت دراسة لشركة إكسبرين للتقييم المالي أن إجمالي الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الوطني نتيجة الاحتيال الاقتصادي بلغت 193 مليار جنيه استرليني العام الماضي، مقابل 50 مليار استرليني وفقا لتقديرات الحكومة البريطانية عام 2013. وهذا يعني أن الاقتصاد البريطاني يخسر نحو 6000 استرليني نتيجة الاحتيال كل ثانية".


ويعد القطاع الخاص الخاسر الأكبر من الاحتيال الاقتصادي سواء في بريطانيا أو على المستوى العالمي، وقدرت خسائره في بريطانيا بمفردها بنحو 144 مليار استرليني، بينما قدرت خسائر القطاع العام بنحو 5.5 في المائة من إجمالي إنفاقه السنوي البالغ 694 مليار دولار.
وبدوره قال لـ"الاقتصادية" هنري دين، الباحث الاقتصادي: "قد تبدو القيمة الإجمالية للاحتيال الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة أعلى منها بكثير من الاقتصادات الناشئة أو النامية، مع هذا فإن التأثير الاقتصادي يكون أكثر خطرا في الاقتصادات النامية والناشئة، إذ إن عمليات الاحتيال الاقتصادي تؤدي في معظم الأحيان إلى تراجع الشركات الدولية عن الاستثمار في تلك الاقتصادات بما لذلك من انعكاسات سلبية على معدلات التنمية، كما أن الشركات المحلية تتعرض لخسائر تدفعها إلى الإفلاس، خاصة في ظل ضعف نظام التأمين المالي، ومن ثم لا تجد الشركات التي تعرضت للاحتيال من يعوضها عن خسائرها، وحتى في حالة تعويضها ماليا فإن ذلك يترك ضغوطا مالية على النظام الاقتصادي ككل ويعيق عملية التنمية".

 

aleqt.com

التعليـــقات