رئيس التحرير: طلعت علوي

«شيطنة» الغرب للذهب تفشل والسيطرة الآسيوية عليه في تزايد

الأحد | 15/10/2017 - 10:06 صباحاً
«شيطنة» الغرب للذهب تفشل والسيطرة الآسيوية عليه في تزايد

بغض النظر عن التقلبات التي تنتاب معدلات شراء البنوك المركزية للذهب، فإنها بكل المعايير أحد اللاعبين الرئيسين في سوق الذهب العالمي، إذ تشير آخر الأرقام المتاحة عن مجلس الذهب العالمي، إلى أن مشتريات البنوك المركزية من المعدن النفيس بلغت 94.5 طن خلال الربع الثاني من العام الحالي، وبنسبة زيادة تصل إلى 20 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ومع هذا لا تزال تلك المعدلات أقل كثيرا من متوسط السنوات الخمس الماضية، البالغ 135.2 طن من الذهب، كما تكشف الإحصاءات أيضا أن إجمالي مشتريات البنوك المركزية من المعدن النفيس بلغ خلال النصف الأول من هذا العام 176.7 طن، وهو أقل من النصف الأول من العام الماضي بنحو 3 في المائة.


وبالمجمل، فقد بلغ إجمالي الطلب على الذهب حول العالم خلال النصف الأول من العام الجاري، نحو 2003 أطنان، نزولًا من 2328 طنا في الفترة المناظرة من 2016.
ولكن هل يمكن الربط بين سلوك البنوك المركزية وتنامي حيازاتها من الذهب في الربع الثاني من العام الحالي والتطورات الجيوستراتيجية الجارية في شرق آسيا، حيث تتزايد العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية تعقيدا وعدائية، أم أن سلوك البنوك المركزية تجاه شراء مزيد من المعدن الأصفر سلوك اقتصادي مستقل يرتبط بالتطورات الاقتصادية لكل دولة، مع تأثر هامشي وطفيف بالمتغيرات الدولية؟
يعتقد ستيفن نيلي الباحث السابق في مجلس الذهب العالمي، أن زيادة حيازة البنوك المركزية من المعدن النفيس خلال الربع الثاني من هذا العام لا تعود إلى أسباب جيوسياسية، وأنه لا يمكن القول إن هناك اتجاها عاما من قبل تلك البنوك للقيام بعمليات شراء واسعة النطاق للمعدن الأصفر، وإنما مرجع الزيادة التي شهدها الربع الثاني من هذا العام، هو عمليات شراء كبيرة من قبل عدد صغير من البنوك المركزية.


ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن البنك المركزي الروسي على سبيل المثال قام بشراء نحو 36 طنا من الذهب في الربع الثاني، وبهذا وصل إجمالي مشتريات الروس خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي نحو 100 طن، وبذلك يمتلك المركزي الروسي نحو 17 في المائة من الاحتياطي العالمي من الذهب، أي ما يعادل نحو 1716 طنا، محتلا المرتبة السادسة عالميا.
وتعبتر "بوليوس"، و"بوليمتال"، و"كينروس"، و"بتروبافلوفسك"، و"نوردجولد"، أكبر خمس شركات تعدين للذهب في روسيا وتنتج أكثر من 120 طناً من الذهب سنوياً بما يعادل نحو 50 في المائة من إجمالي الإنتاج الروسي.
ويستدرك نيلي قائلا: "يمكن فهم موقف المركزي الروسي بزيادة الاحتياطي الذهبي لديه، باعتباره حائط صد للعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم، إذ أدت تلك العقوبات إلى تراجع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى روسيا، وهبوط مبيعات الذهب الروسي إلى الخارج".
ويشير الباحث السابق في مجلس الذهب العالمي، إلى أن موسكو تتحايل على هذا الوضع الآن باتباع ذات الفلسفة الاقتصادية التي اتبعها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عندما حوصر اقتصاديا، فجنوب إفريقيا منتج رئيس للذهب، وروسيا أحد أكبر ثلاثة منتجين للذهب في العالم حاليا، ومن ثم يشتري المركزي الروسي الذهب مباشرة من المناجم الروسية التي أنتجت 2000 طن من الذهب في السنوات العشر الماضية، وتتم عملية الشراء بالعملة الروسية، وبذلك تضمن موسكو زيادة احتياطي الذهب لديها في وقت تتراجع فيه الاستثمارات الأجنبية، وفي الوقت ذاته تساند صناعة الذهب المحلية، والأهم بالنسبة للروس أنهم يضمنون بذلك تنويع الاحتياطي المركزي لديهم بعيدا عن سندات الخزانة الأمريكية.


ويواصل نيلي: "يبدو أن البنك المركزي الكازاخستاني يسير في الاتجاه ذاته أيضا، فمنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2012 لم يتوقف عن شراء الذهب، وقفز رصيده من 167.5 طن إلى 279 طنا حاليا، وخلال الربع الثاني قام بشراء ما يزيد قليلا على 11 طنا من المعدن الأصفر.
ويتسق هذا التحليل مع سلوك بنوك مركزية أخرى من أبرزها البنك المركزي التركي، حيث يشير توماس ميلر المحلل المالي في بورصة لندن، وأحد خبراء تجارة الذهب، إلى أن زيادة شراء المركزي التركي، لا علاقة لها بالتطورات السياسة في شرق آسيا، وإنما هناك قرار استراتيجي بزيادة حيازة البنك المركزي التركي من الذهب.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن الأتراك اشتروا 21 طنا خلال الربع الثاني من هذا العام، ليصل بذلك إجمالي الاحتياطي الذهبي لديهم إلى 137 طنا، وهذا يعود إلى أن البنك المركزي التركي قرر أن يكون الذهب أحد الأصول الاحتياطية الأساسية لديه، فمنذ 2011 والاحتياطي الذهبي التركي يتضمن أيضا احتياطات البنوك التجارية المخزنة في البنك المركزي، بهدف زيادة استخدام الذهب في النظام المالي.
لكن أحد أبرز التغيرات التي شهدتها البنوك المركزية فيما يتعلق بحيازة مزيد من الذهب، تظهر في سلوك البنك المركزي الصيني، فخلال السنوات العشر الماضية كان المركزي الصيني يحتل المرتبة رقم واحد بين البنوك المركزية في شراء الذهب، لكن منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2016 لم تضف الصين أي جديد إلى رصيدها من المعدن النفيس.


وتفسر الدكتورة تينا كامبل أستاذة الاقتصاد الدولي هذا السلوك، بأن البنك المركزي الصيني يحتل حاليا المرتبة الخامسة عالميا في احتياطات الذهب، وهو ليس بحاجة إلى مراكمة مزيد، بعد أن ساعد الذهب المتراكم لديه في تأمين مكان لليوان (العملة الصينية) في سلة عملات صندوق النقد الدولي، كما أن الحكومة الصينية ربما تدرك أيضا أن إنتاج الصين من الذهب، لم يعد في حاجة إلى الدعم الذي كانت تقدمه لعمال المناجم نتيجة انخفاض الطلب الخاص في عامي 2014 و2015، وهو ما دفع بالبنك المركزي الصيني في حينها لزيادة مشترياته من الذهب لدعم الإنتاج المحلي.
الدكتور روبرت دفلين أستاذ الاقتصاد الدولي، يضع موقف بعض البنوك المركزية غير الأوروبية من مراكمة احتياطات الذهب لديها، في إطار تطور واسع النطاق في النظام الاقتصادي الدولي.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه من المحتمل أن نشهد في المستقبل المنظور تغيرات في موقف البنوك المركزية من زيادة حيازاتها من الذهب، ويعود هذا في جزء منه، إلى أن السياسة النقدية لمجموعة العشرين في التعامل مع الأزمة العالمية لم تحقق المستهدف منها بشكل كلي، وقد يتطلب ذلك توجهات اقتصادية جديدة ستؤثر بشدة في الذهب، إذ يبدو أن هناك قناعة دولية متزايدة بأن الأفكار السابقة بأن الذهب كعملة يجب أن تلغى تدريجيا لم يكن قرارا صائبا.


وأشار دفلين إلى أن البنوك المركزية الغربية كانت تستهدف منذ خروج النظام العالمي من قاعدة الذهب، أن تلغي الذهب من المشهد النقدي الدولي، إلا أن تلك السياسة لم تنجح كثيرا بسبب الطلب الآسيوي والروسي على الذهب، وهذا الطلب يدعم بتقدم اقتصادي ملحوظ في تلك البلدان، ومع الأسف فإن الأسواق الغربية، بدأت أخيرا فقط في فهم الآثار الكبيرة المترتبة على تحول القوة الاقتصادية من الغرب إلى الصين والهند وآسيا وروسيا، وتأثير هذا التحول في أسواق الذهب.
ويوضح دفلين أن الدول الغربية سعت للتغلب على اتساع نطاق الإنفاق الحكومي بتوسيع القدرات الائتمانية لمواطنيها، وجزء من زيادة القدرة الائتمانية للمواطنين يتضمن إعلاء قيمة العملة على الذهب، ومن هذا المنطلق اتجهت البنوك المركزية الغربية إلى خفض احتياطاتها من الذهب أو عدم مراكمتها، لكن الآسيويين على العكس يقدرون الذهب لاحتفاظه بقوته الشرائية، ومحافظ البنك المركزي في كازاخستان أعلن أن "حلمه" هو تمكين كل مواطن من امتلاك 100 جرام من الذهب.
ويستدرك دفلين قائلا: "إن المحاولات الغربية بشيطنة الذهب فشلت، والدور الآسيوي في السيطرة على أسواق الذهب العالمية في تزايد، ونحن الآن في مرحلة تحول تتقلص فيها سيطرة أسواق رأس المال الغربية لمصلحة الأسواق الآسيوية التي يتوافر فيها الذهب، ويتراجع تدريجيا دور البورصات الغربية في تحديد قيمة الذهب لمصلحة بورصة شنجهاي وغيرها من البورصات الآسيوية، ولهذا أرجح أن تشهد الفترة المقبلة اتجاه عديد من البنوك المركزية إلى زيادة الاحتياطي الذهبي لديها بوتيرة أسرع مما كان عليه الوضع في الماضي".

 

aleqt.com

التعليـــقات