منيب رشيد المصري
العديد من المخاوف التي كانت تراود الشارع الفلسطيني حول جدية الاطراف بإنهاء الانقسام أخذت تتبدد بعد وصول حكومة الوفاق الوطني إلى قطاع غزة واستلامها الفعلي للوزارات والمؤسسات الحكومية، والتي سبقها ورافقها تصريحات ايجابية وخطوات عملية باتجاه طي صفحة الانقسام الذي طال أمده.ودون الدخول في تفاصيل ما نتج عن الانقسام السياسي والجغرافي الذي بدأ في منتصف حزيران من العام 2007، وكيف تم استغلاله من طرف حكومة الاحتلال، فإن المطلوب الآن وبشكل عاجل هو العمل على إزالة كل ما ترتب عبى هذا الانقسام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذا يتطلب تكاتف الجميع والعمل المتواصل المبني على أساس دراسة الاحتياجات وتحديد الاولويات.
لا شك بأن قطاع غزة وبعد سنوات الحصار والحروب المتتالية عليه، وما نتج عنها من دمار طال كل مرافق الحياة، هي بحاجة إلى ورشة كبيرة لإعادة إعمارها بدأ بالإنسان من صحة وتعليم وتوفير فرص عمل للحد من البطالة والفقر، وتوظيف كل الطاقات والامكانيات وليس انتهاء بالنهوض بالاقتصاد بكافة قطاعاته، وهذا الأمر غاية في الأهمية وهنا يأتي دور القطاع الخاص بالتنسيق والشراكة مع الحكومة من أجل الوصول إلى أفضل وضع يحقق أو يضع أساس لمفردات التنمية التي غزة هي بحاجة كبيرة إليها وهناك الكثير مما يمكن عمله سواء في إعادة بناء وتأهيل البنية التحتية وإضافة مشاريع خلاقة على ما هو موجود أو من حيث المباشرة في التأسيس لمشاريع انتاجية تساعد على توظيف الطاقات الموجودة والتخفيف من حدة البطالة وأيضا تطوير المهارات الفردية والجماعية.
إن مساهمة القطاع الخاص في البناء والاعمار هو حاجة وضرورة، وهو أيضا يشكل واحدا من مسؤوليات رأس المال الوطني تجاه القضية والشعب لذلك فإن المبادرات في هذا الجانب تحمل أهمية كبيرة في دعم وتطوير مفردات ليست اقتصادية فحسب وإنما أيضا وحدوية من حيث إشراك المجموع في التعمير والبناء بعيدا عن المحاصصة والفردية والتفرد التي نأمل أن تنتهي بشكل سريع في سبيل الوصول إلى شراكة وطنية كاملة تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على التحضير للانتخابات العامة، ولإعادة انتاج الحياة الديمقراطية المبنية على أساس القانون والعدل، والبدء الفعلي في إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والحاضنة الوطنية لنضاله، والهوية المعنوية لكيانه.
إننا نؤمن بأن الجانب السياسي في موضوع إنهاء الانقسام له الاولوية الأولى، كما نؤمن أيضا بأن الاتفاق على برنامج سياسي، يقود إلى دولة مستقلة وكاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما يخص عودة اللاجئين الفلسطينيين هو ثابت لا يمكن لأحد أن يتنازل عنه أو يسام عليه، وعليه فإن بناء الدولة يبدأ من ها الثابت، ويدعمه في ذلك الكل الفلسطيني، بما فيه القطاع الخاص كمكون أساسي له أن يساهم بشكل فاعل في بناء الاقتصاد الوطني القادر على الثبات في وجه ممارسات الاحتلال والتخفيف قدر المستطاع من أثر هذه السياسات على المواطن الفلسطيني الذي هو الأساس في حماية المشروع الوطني.
إن عدلة إنهاء الانقسام بدأت بالدوران بإشراف من الشقيقة مصر، وبدعم دولي كبير، وهذا يبشر بأن الوصول إلى توحيد المؤسسات بان قاب قوسين أو أدنى، وهذا أعطانا في القطاع الخاص أمل كبير في المساهمة في بناء قطاع غزة كجزء أساسي من المشروع الوطني، وكان أنه وقبل وصول حكومة التوافق الوطني إلى قطاع غزة، أن تم الاعلان من مدينة غزة وبحضور ومشاركة عدد كبير من رجال الاعمال عن تأسيس شركة غزة للتنمية والاستثمار برأس مال مدفوع يبلغ مئة مليون دولار، وذلك كخطوة أولى في سبيل المساهمة في إعادة الاعمار، وبخاصة في البنية التحتية الأساسية من محطات كهرباء، وتحلية مياه، وليس انتهاء ببناء الطرق والمطار والميناء، وغيرها من مشاريع التنمية، والمشاريع الانتاجية.
إن وجود جسم بهذا الحجم في قطاع غزة له أن يساهم وبشكل كبير في البناء والتعمير والتنمية، وأن يشبك ويتعاون ويتشارك مع شركات عالمية كبيرة من أوروبا وآسيا وأمريكا وغيرها، مع التركيز وبشكل كبير على الشراكة مع جمهورية الصين الشعبية التي تسعى إلى بناء طريق الحرير والذي تعتبر فلسطين جزء أساسي له ومنه،- وتحظى القضية الفلسطينية بحيز خاص لدى الرئيس الصيني الذي قدم مبادرة سياسية حازت على ترحيب فلسطيني-، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل ذلك يجب أن يترافق بالعمل على إنهاء الاحتلال دون الدخول بأي شراكات اقتصادية أو غيرها معه، بل العمل على دعم حركة المقاطعة (BDS)، كرافد مهم في النضال الوطني الفلسطيني.
إننا نعتبر تأسيس هذه الشركة، والتي ستكون وطنية بامتياز وسيشعر المواطن بأهمية عملها ومساهماتها في إعادة الحياة بكافة مفرداتها إلى قطاع غزة، نعبرها تأتي في سياق استكمال الجهود التي بذلها القطاع الخاص منذ أن أصدر مبادرته حتى قبل الانقسام في العام 2006، حيث استشعر الخطر الآتي ودعا من خلالها إلى إعادة بناء الشراكة الوطنية، والحد من الخلافات، وعلى أساسها لاحقا تم اصدار وثيقة الأسرة والوفاق الوطني، وتتالت بعدها الجهود والمبادرات وصولا إلى اتفاق القاهرة في أيار 2011، وما تبعها من تفاهمات وبيانات في الدوحة 2012، وفي الشاطئ 2014، وكان للتجمع الوطني للشخصيات المستقلة مساهمات في جميع مراحل وسنوات العمل في سبيل إنهاء الانقسام.
الكل يعلم بأن إنهاء الانقسام هو بداية الطريق لإنهاء الاحتلال، وأن هذه الطريق طويلة وتحتاج إلى اتفاق داخلي على شكل وطبيعة وأدوات النضال، وأيضا إلى تحالفات خارجية تساعد وتدعم نضال الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى تمكين المواطن وتحسين مستوى معيشته ودخله عدا عن تحسين مستوى الخدمات المقدمة من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وفرض سيادة القانون، وتقوية الاقتصاد الوطني كلها مفردات ستقود حتما إلى تحقيق ما يصبوا إليه الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والاستقلال وبناء الدولة التي تتسع لجميع مواطنيها، وهذا ما ضحى من أجله الشعب الفلسطيني وقدم ولا يزال يقدم الغالي والنفيس على درب الحرية، فإنهاء الانقسام جزء بسيط مما يمكن تقديمه وفاء لأرواح الشهداء، ودماء الجرحى ومعاناة أسرانا الأبطال.