رئيس التحرير: طلعت علوي

إسرائيل” وعذاب الجسور

الإثنين | 06/02/2012 - 11:15 صباحاً

أحمد جميل عزم


خمسون شخصا منهم العجائز والرجال والنساء والأطفال الرّضّع الباكون والمرضى وطلبة الجامعة وأنواع أخرى يجمعهم باص في درجة حرارة تقارب الأربعين في الخارج، يُمنَع التحرك أو ترك الباص، ولا تعرف لماذا؟. ويبقى الباص في مكانه بعد اجتياز نهر الأردن بأمتار قليلة باتجاه الضفة الغربية لنحو أربع ساعات إلى أن قام الجندي الإسرائيلي المُسّلح الذي كان ينظر إلينا من بعيد بالإشارة بإصبعه للسائق بالتحرك. كان هذا أحد المشاهد التي عشتها قبل سنوات. ولعل استهانة الجندي، وطريقة إشارته المستهينة بنا هي قمة العذاب والإذلال. والمشهد متكرر، والعذابات في الرحلة الواحدة متكررة. فالمسافة بين عمّان والقدس هي ذاتها بين عمّان وإربد التي نقطعها في أقل من ساعة، ولكن إلى ومن القدس عليك أن تعيش تجربة النزول والصعود للمواصلات، وتغيير نوع المواصلات والحافلات، والتفتيش الشخصي المتكرر ست أو سبع مرات. ومعدل المدى الزمني لهذا العذاب في الصيف هو سبع ساعات. وأسوأ ما بهذه الإجراءات أنها بلا معنى. ومنها مثلا الهبوط من الباص بعد مغادرة محطة التفتيش الإسرائيلية في الأرض المحتلة، حيث تهبط بعد مسافة قصيرة جدا، وتجد حقائبك ملقاة بطريقة همجية ويجب أن تحملها بنفسك وتجد لها مكانا في باص جديد، ثم تدخل في صراع عنيف لتجد مكانا لك في الباص يكمل بك الطريق إلى شرقّي النهر. في العام الماضي شاهدت أمّا صغيرة بالسن وأبناؤها، والأم بدأت تبكي لعدم قدرتها على التعامل مع الموقف حتى ساعدها أحد الشباب المسافرين. وهناك شبه إصرار على عدم تنظيم الموقف، والواقع أني لا أدري لماذا لم يطّور المسافرون أنفسهم نوع من التنظيم الذاتي تحدّيا لإجراءات الفوضى المذلة شبه المتعمدة من قبل "إسرائيل"؟


تبدأ المعاناة لحظة مغادرة الحدود الأردنية، فبعد عبور النهر تبدأ إجراءات الامتهان الإسرائيلية. وفي العودة لا تنتهي الإجراءات والتعذيب إلا عند عبور النهر.
هذه المعاناة التي نعيشها كمواطنين أردنيين يحملون هويّات الضفة الغربية. ويعيشها الفلسطينيون ممن يحملون الجنسية وجوازات السفر الفلسطينية، أصبحت موضوعا لحملة دولية تحت اسم "كرامة" بدأت في رام الله والقدس، وهدفها الضغط على "إسرائيل" وتجنيد الدّعم الحكومي العربي والدولي لمواجهة "إسرائيل" بهدف جعل إجراءات الانتقال شبيه بالتي يعيشها أي إنسان عندما يسافر لأي مكان.
هذه الحملة تستحق التجاوب الحكومي والشعبي للضغط على إسرائيل. والواقع أنّ إزالة المعاناة التي يسببها الإسرائيليون بوجوه كثيرة هي جزء أساسي من متطلبات الاستقرار في كل المنطقة والعالم. 

التعليـــقات