رئيس التحرير: طلعت علوي

تقرير هام: الخضار والفاكهة الإسرائيلية الملوثة بالمبيدات المحظورة تغرق الأسواق المحلية

الثلاثاء | 04/07/2017 - 09:01 مساءاً
تقرير هام: الخضار والفاكهة الإسرائيلية الملوثة بالمبيدات المحظورة تغرق الأسواق المحلية

تقرير لمركز معا: الخضار والفاكهة الإسرائيلية الملوثة بالمبيدات المحظورة تغرق الأسواق المحلية

 


حذّر الخبير البيئي ومدير وحدة الدراسات في مركز العمل التنموي/ معا "جورج كرزم" من أن أكثر من 10% من الخضار والفاكهة في الأسواق الإسرائيلية والتي تم فحصها مخبريا تحوي متبقيات مبيدات كيميائية بتركيز "أكبر من المسموح به عالميا".  هذا ما بينته دراسة استقصائية نشرتها وزارة الزراعة الإسرائيلية مؤخرا.  سنة 2014 سجلت نسبة مرتفعة من التجاوزات في متبقيات المبيدات في التفاح والبطيخ، وبقيمة 34% و29% على التوالي، بالإضافة لتجاوزات في نحو 20% من الخوخ، البندورة والبرقوق. 


وفي عام 2015 ، وفق كرزم، اكتشفت التجاوزات في 33% من الخيار و30% من الخوخ ونحو ربع عينات البطيخ؛ علما أن ما لا يقل عن 15 عينة أخذت من جميع المحاصيل المذكورة.  بل إن بعض المحاصيل سجلت نسبة تجاوز مرتفعة جدا.
دائرة وقاية النبات في وزارة الزراعة الإسرائيلية تجري مسحا استقصائيا للمنتجات الطازجة في المحاصيل التي تم قطافها وتحديدا قبل تسويقها.
وفي عالم الزراعات الكيميائية، يضيف كرزم، بأن المحصول السليم يعرف بأنه ذلك الذي لم تكتشف به مبيدات إطلاقا، أو اكتشفت به متبقيات مبيدات أقل من "الحد الأعلى المسموح".  واللافت أن هذه أول مرة تنشر فيها بشكل كامل معطيات الفحوصات المخبرية التي تجريها وزارة الزراعة.


بعض المحاصيل الزراعية الإسرائيلية تبين بأنها تحوي متبقيات لبضعة مبيدات كيميائية؛ ففي التفاح والعنب والتوابل اكتشفت متبقيات لأكثر من خمسة أنواع مختلفة من المبيدات.  السموم التي تم تشخيصها هي بمعظمها مبيدات حشرية وفطرية، بالإضافة لاكتشاف متبقيات لمبيدات محظورة.
وخلال السنتين الأخيرتين باشرت وزارة الزراعة الإسرائيلية في التحقيق مع عشرات المزارعين المخالفين للقوانين، والذين تم تجريمهم وتغريمهم جميعا.   
الجدير بالذكر أن بعض التجاوزات اكتشفت في محاصيل التوابل التي لا يوجد لغاية الآن أنظمة إسرائيلية خاصة بالتعامل الكيميائي معها. 


من المعروف أن المخاطر الصحية والأمراض تنتج من التعرض بشكل تراكمي للمبيدات الكيميائية أو استهلاكها المتكرر والمتواصل من خلال المنتجات الزراعية، حتى ولو بكميات قليلة جدا، إلى أن يصل تركيزها في جسم الإنسان لما يعرف بالجرعة القاتلة، أي تراكم المستوى السام والخطير للإنسان.
اللافت أن وضع إسرائيل فيما يتصل باستخدام المبيدات الكيميائية يعتبر سيئا جدا بالمقارنة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر فيها نسبة التجاوزات في المحاصيل الزراعية صغيرة ولا تزيد عن 3% فقط.
بحث إسرائيلي جديد كشف مؤخرا بأن كمية متبقيات المبيدات الكيميائية في الغذاء بإسرائيل مرتفعة وتفوق المستويات "الآمنة"، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالشرائح السكانية الحساسة كالأولاد.


الجدير بالذكر أن دراسة استقصائية حول كمية المبيدات الكيميائية المستخدمة في الزراعة الإسرائيلية، نشرت في تشرين أول عام 2012 وأجرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية (آفاق البيئة والتنمية، كانون ثاني 2013).  وكشفت الدراسة بأن تركيز المواد الفعالة السامة في المبيدات بإسرائيل يعد الأعلى من بين دول "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (OECD) التي تضم أغنى 34 دولة "متقدمة" في العالم، بما فيها إسرائيل. 
وبينت الدراسة أيضا بأن متوسط كمية المادة السامة الفعالة المستخدمة في الدونم الواحد بإسرائيل هي 3.5 كغم سنويا؛ أي أكثر بنحو 88 مرة من دولة السويد (0.04 كغم لكل دونم) التي تعد أقل الدول استعمالا للمبيدات!
تقارير "مراقب الدولة" الإسرائيلي كشفت أكثر من مرة في السنوات الأخيرة عن وجود متبقيات للمبيدات الكيميائية في الغذاء الإسرائيلي، فضلا عن ضعف الرقابة. 

واقع فلسطيني مخيف
الأمر المخيف، وفق كرزم، في مسألة الواقع الزراعي الكيميائي البائس في إسرائيل هو انعكاس هذا الواقع على مناطق السلطة الفلسطينية (الضفة والقطاع) التي تعد، بحسب اتفاقيات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وحدة اقتصادية واحدة مع السوق الإسرائيلي يتحكم فيها الاحتلال تحكما مطلقا؛ علما أن إسرائيل ربطت الاقتصاد الزراعي الفلسطيني باقتصادها، بحيث تشتري الأخيرة المبيدات والأسمدة الكيميائية وغيرها من إسرائيل أو من خلالها.


إذا كانت إسرائيل الرسمية وغير الرسمية تجري أبحاثا وفحوصات مخبرية على المنتجات الزراعية في أسواقها، فما هو حال الأسواق الفلسطينية تحديدا، في ظل هشاشة الرقابة الحقيقية على المحاصيل الفلسطينية وإغراق السوق الفلسطيني بالسلع الغذائية والزراعية الإسرائيلية المسمومة دون حسيب أو رقيب؟  وأين هي الفحوصات المخبرية الدورية (وليس مرة كل سنة أو سنتين) على عينات عشوائية من المحاصيل الزراعية الفلسطينية قبل تسويقها أو تلك التي في الأسواق؟  علما أن طرق الفحوصات المخبرية ليست واحدة ومتشابهة، بل تختلف باختلاف المركبات والمواد الكيميائية التي يراد الكشف عنها.  وهنا نتساءل أيضا:  ما هو متوسط كمية المادة السامة (الفعالة) المستخدمة في الدونم الواحد بالضفة والقطاع سنويا؟  بل ما هي حصة الفرد الفلسطيني من المواد الفعالة السامة؟


ويلفت كرزم إلى أن مناطق الضفة والقطاع مستباحة للسلع الزراعية الملوثة، الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء.  فالمحاصيل الفلسطينية الملوثة كيميائيا والتي لا تصلح للتسويق في إسرائيل بسبب "رسوبها" في الفحوصات المخبرية الإسرائيلية، يعاد تسويقها في الأسواق الفلسطينية.  كما أن كميات كبيرة غير معروفة من الخضار والفاكهة الفلسطينية الكيميائية تسوق بحرية في الأسواق المحلية.  علاوة على أن المحاصيل الزراعية الإسرائيلية التي تغرق السوق الفلسطيني دون أي رقابة أو فحوصات مخبرية فلسطينية دورية عليها، والتي يرسب العديد منها في الفحوصات الإسرائيلية، يتم تسويقها في السوق الفلسطيني. زيارة أسواق "الحسبة" في المدن الفلسطينية يوم الجمعة، حين تفرغ الشاحنات هناك الخضار والفاكهة دون أي رقابة، تؤكد من هذا الأمر.


ويذكر كرزم، أن الخطورة لا تكمن فقط في المبيدات الكيميائية المحظورة، بل تكمن أساسا في استعمال المبيدات التي يقال أنها "مسموحة"، وبخاصة أن شركات الكيماويات الزراعية المنتجة أو المسوقة هي غالبا المصدر الأساسي لمعلومات المزارعين أو المهندسين حول المبيدات.  وكما كشفنا أكثر من مرة في هذه المجلة، فإن أبحاثا كثيرة أثبتت عدم دقة أو حتى خطأ معظم هذه المعلومات التي هدفها الأول والأخير الدعاية التجارية للسلع الزراعية الكيميائية، ولو على جثث المستهلكين البسطاء.  والأخطر من ذلك أن شركات الكيماويات الزراعية لا تتورع عن فبركة أبحاث مزورة باسم علماء وباحثين تمت رشوتهم (آفاق البيئة والتنمية، أيار 2017).


ويختم كرزم بأن طريق الخلاص الصحي-البيئي من الأوساخ الكيميائية المنتشرة في الأسواق الفلسطينية، تكمن في التركيز على زراعة وشراء واستهلاك الأطعمة المحلية-البلدية، العضوية أو البيئية والموسمية؛ إذ أن الزراعات البلدية والعضوية والبيئية لا تستخدم المبيدات والأسمدة الكيميائية المؤذية جدا للصحة العامة والملوثة للتربة وللمياه الجوفية وللهواء؛ ناهيك عن أن هذا النمط الإنتاجي-الاستهلاكي يساهم في تطوير اقتصاد إنتاجي-استهلاكي وطني مقاوم يعزز عملية إعادة تدوير الثروة ورأس المال في داخل بلدنا وسوقنا.

التعليـــقات