رئيس التحرير: طلعت علوي

تحقيق: تهريب البشر إلى أوروبا نشاط اقتصادي معقد يحقق أرباحا بالمليارات

الأربعاء | 21/06/2017 - 10:45 صباحاً
تحقيق: تهريب البشر إلى أوروبا نشاط اقتصادي معقد يحقق أرباحا بالمليارات


تتصدر قضية مكافحة الهجرة غير الشرعية الأجندة السياسية للعديد من الدول الأوروبية منذ سنوات، ولكن يلوح السؤال لماذا لا تستطيع الحكومات إحكام سيطرتها على هذه المشكلة؟


ولقد طرحنا أسئلة تتعلق بهذه القضية على خبيرين من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ومقره بالعاصمة النمساوية فيينا، وهما مارتن هوفمان وفيرونيكا بيلجر، بالإضافة إلى خبراء أمن المان طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
وردا على سؤال بشأن قيمة المبالغ التي يدفعها المهاجرون نظير دخول أوروبا بشكل غير شرعي، أجاب الخبراء إن المهاجرين الذين يجري تهريبهم إلى أوروبا يدفعون أسعار متباينة للسفر عبر الطرق الشهيرة التي تمتد من الشرق الأوسط وعبر البلقان، أو من شمال أفريقيا عبر البحر المتوسط.

ويقول هوفمان وبيلجر إن المهاجرين يدفعون ما بين 200 إلى 300 دولار للسفر على متن قوارب لا تصلح للإبحار إلى إيطاليا، أما السفر بشكل غير شرعي على متن حافلة أو بالسكك الحديدية عبر طريق البلقان، فهو أعلى سعرا، حيث وصلت الأسعار إلى قرابة 10 آلاف دولار (8900 يورو) منذ عام 2015 عندما تم تشديد دوريات المراقبة الحدودية.
أما بالنسبة للأثرياء، فهؤلاء يمكنهم دفع 20 ألف دولار (17800 يورو) لشراء وثائق مزيفة والقيام برحلة على متن يخت أنيق من تركيا إلى إيطاليا.
وحول تكلفة الوصول إلى ألمانيا، يقول الخبراء إن ألمانيا أصبحت مقصدا مفضلا بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين بعد ان فتحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الباب أمام مليون لاجئ في أواخر عام 2015، ويسافر حوالي 70 بالمئة من المهاجرين إلى ألمانيا عبر طريق البلقان، حسب مصادر أمنية ألمانية، فيما يصل قرابة 12 بالمئة منهم بعد عبور البحر المتوسط، والنزول في إيطاليا.
ويدفع المهاجرين الذين يسافرون عبر طريق البلقان ما بين 4700 و5000 دولار (4200 و4900 يورو) ليتم تهريبهم من أفغانستان إلى ألمانيا عبر البلقان، في حين يدفع المسافرون من سورية والعراق ما يصل إلى 4000 دولار (3500 يورو)، وإن كان تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود قد أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 10 بالمئة.


وفي الوقت ذاته، أدت القوانين الجديدة التي تسمح بترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم القبض عليهم على الجزر اليونانية إلى انهيار الأسعار من 800 إلى 300 دولار (700 إلى 260 يورو) بالنسبة للمهاجرين الذين يريدون عبور بحر إيجه من تركيا إلى اليونان بالنظر إلى ضعف فرص النجاح.
ويدفع المهاجرون الذين يسافرون من شرق افريقيا عبر البحر المتوسط ما بين 3300 إلى 5000 دولار (2900 و4500 يورو)، وهو سعر لا يشمل الغذاء والإقامة.
ويقول خبراء الأمن إن المهاجرين الأثرياء يدفعون 25000 دولار على الأقل (22250 يورو) من أجل تهريبهم جوا، ويشمل هذا السعر تذاكر الطيران والوثائق والمستندات المزيفة. ويسلك المهاجرون في بعض الأحيان طرقا غير متوقعة من أجل إخفاء هوية الشخص الذي يتم تهريبه.
وفيما يتعلق بطول الفترة التي يقضيها المهاجر في طريقه إلى ألمانيا، يقول مسؤولون ومحققون ألمان إنه بالنسبة لطريق البلقان، فإن عملية تهريب المهاجر من كابول في أفغانستان إلى ألمانيا تستغرق 240 يوما في المتوسط. ويتم تقسيم هذا الطريق إلى مراحل، حيث كثيرا ما تطول فترات الإقامة في تركيا واليونان.
وكثيرا ما تتقطع السبل بالمهاجرين في صربيا بعد أن عززت المجر المجاورة إجراءاتها الأمنية على الحدود. ويحتاج المهاجرون إلى ستة أيام في المتوسط للعبور إلى المجر علاوة على يومين آخرين في النمسا.


وبالنسبة لطريق البحر المتوسط، يقضي المهاجرون واللاجئون من الطريق الجنوبي، الذي يمر على سبيل المثال من الصحراء الافريقية إلى ليبيا ما بين عدة أيام وعدة أسابيع في الرحلة، وتزايد الوقت اللازم للوصول إلى ليبيا هذا العام نتيجة الإجراءات التي تم اتخاذها لمكافحة تهريب البشر، حيث أصبح المهربون يسلكون طرقا ملتوية تمر أحيانا عبر الصحراء. ويحتاج المهاجرون القادمون من شرق أفريقيا إلى ما بين ستة إلى ثمانية اشهر في المتوسط للوصول إلى إيطاليا.
وتستغرق الرحلة من سورية قرابة 180 يوما في المتوسط على الطرق التي يسلكها المهربون. وفي بعض الأحيان، يستغرق المهاجرون أكثر من عامين في الطريق.
أما فيما يخص ضمانات الرحلة، يقول خبيرا المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة إن مهربي البشر يضمنون الوصول إلى الدولة المتفق عليها. وعندما تفشل محاولة عبور الحدود، يتم تكرار المحاولة حتى يتحقق النجاح في نهاية المطاف، ولكن في أعقاب إغلاق معظم الطرق الشائعة عبر البلقان في عام 2016، ارتفعت تكاليف الرحلة، حيث أصبح بإمكان المهاجر أن يقوم بالرحلة من الشرق الأوسط إلى وسط أوروبا خلال عدة أسابيع نظير 10 آلاف دولار (8900 يورو).


وبالنسبة للمبالغ التي يتم إنفاقها خلال عمليات تهريب البشر، يقول خبراء أمن ألمان ومتخصصون نمساويون إن إجمالي حجم أعمال نشاط تهريب البشر إلى غرب أوروبا على كافة الطرق بما في ذلك طريق الشرق الأقصى يبلغ في تقديرهم 3 إلى 4 مليار دولار (7ر2 إلى 5ر3 مليار يورو) شامل المبالغ التي يحصل عليها المهربون وتكاليف الإقامة والطعام.
ويقول الخبراء إن صافي الربح الذي حققه مهربو البشر يبلغ في تقديرهم حوالي ثلاثة مليار دولار أمريكي، وإنهم حققوا في عام 2016 ما يصل إلى 580 مليون دولار (516 مليون يورو) من ليبيا وحدها.
ويتبادر إلى الذهن السؤال بشأن كيف يمكن للمرء أن يحصل على رحلة غير شرعية إلى أوروبا ويدفع ثمنها. وتقول فيرونيكا بيلجر إن المهاجر عادة ما يتوجه إلى شخص موثوق فيه في وطنه من أجل التوصل إلى اتفاق معه. ومن المهم أن يكون الطرفان من نفس الخلفية لضمان توافر الثقة بين الوسيط وأسرة المهاجر.


ويحصل المهرب على المال الذي يتم إيداعه لدى طرف ثالث موثوق فيه بمجرد إبلاغ الشخص عن وصوله إلى الدولة التي يقصدها.
وحول مدى إمكانية أن يخاطر المهرب بأرواح الأشخاص الذين يقوم بتهريبهم، يقول الخبراء إن المهربين كانوا يفشلون في أعمالهم في السابق إذا ما ارتفعت معدلات الوفيات خلال عمليات التهريب التي تقوم بها شبكتهم أو إذا ما تعرض المسافرون لإساءة المعاملة أو إذا ما انتهى بهم المطاف في وجهة غير التي كانوا يقصدونها. ولكن تزايد الطلب في الوقت الحالي أدى إلى دخول أشخاص "غير أكفاء" في مجال التهريب. وأصبح المهاجرون في ليبيا على سبيل المثال يتم دفعهم إلى البحر، حسبما يقول مارتن هوفمان، وهو ما يفسر سبب ارتفاع الوفيات خلال رحلات عبور البحر المتوسط.
وحول سبل التيقن من "نجاح" عملية التهريب، تقول فيرونيكا بيلجر إن المهاجر يلتقط لنفسه صورة سيلفي أمام أحد المعالم الشهيرة، مثل "كاتدرائية القديس ستيفان" في فيينا، ويتم إرسال الصور إلى وطنه، وفي هذه الحالة، يتم تحويل المبلغ المتفق عليه إلى المهرب حسب الاتفاق بين الجانبين.


ويرى المحققون الألمان أن ورش التزوير تلعب دورا مهما للغاية في عمليات تهريب البشر، حيث ان دورها لا يقتصر فقط على تزوير وثائق السفر والهوية مثل جوازات السفر ورخص القيادة، بل أيضا خطابات تهديد من حركة طالبان من أجل تقديمها إلى السلطات الأوروبية كإثبات على حاجة المهاجر أو اللاجئ للهروب. وقد تم في بعض الأحيان رصد وقائع تزوير شهادات جامعية.
وردا على سؤال حول أسعار المستندات المزيفة في السوق السوداء، يقول خبراء أمن ألمان أن المهاجر يستطيع أن يحصل على جواز سفر بلغاري نظير 900 دولار (800 يورو) من السوق السوداء.
ومن الممكن أيضا الحصول على جواز سفر سوري غير مزور مع رخصة قيادة وشهادة ميلاد أصلية مسروقة من الجهات الرسمية مقابل 5600 إلى 11200 دولار (5 آلاف إلى 10 آلاف يورو).
ويقول المحققون إن ورش التزوير توجد في تركيا وبلغاريا، ويمكنها أن تزيف بطاقات هوية إيطالية وفرنسية وأسبانية وألمانية.
وحول مدى إمكانية حجز رحلة غير شرعية عبر شبكة الانترنت، يقول هوفمان وبيلجر إن هذا لم يتم حتى الآن في أوروبا، ولكن لا يمكن استبعاد ذلك في المستقبل، حيث أن هناك مواقع إلكترونية تعرض بالفعل رحلات تهريب بشكل علني مرفقة بصور وأسعار وأرقام هواتف. وتوجد عدة منصات على الشبكة الدولية لتقييم أداء منظمات التهريب.


وفيما يتعلق بالدور الذي تلعبه الأجهزة الإلكترونية المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي في تهريب البشر، تقول بيلجر إن المهربين في الماضي كانوا يأخذون الهواتف المحمولة وجوازات السفر من المهاجرين بشكل فوري، ولكن اليوم أصبحت شبكة الانترنت وأنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية جزءا من هذا النشاط، حيث يلتقط المهربون صور لنقاط التسلل عبر الحدود ويتبادلوها فيما بينهم، بحيث يمكن إبلاغ آلاف البشر بشكل عاجل وبدء الحركة.
وردا على سؤال بشأن مدى إمكانية إنهاء الهجرة غير الشرعية، يقول هوفمان إن المجتمعات المنفتحة والمتواصلة اقتصاديا يمكنها بالقطع الحد من الهجرة غير الشرعية، ولكن دون أن توقفها بشكل كامل.
وأضاف أن خطر الوفاة أو الإصابة هو السبيل الوحيد لمنع عمليات العبور غير الشرعية بشكل كامل، مثل "قطاع الموت" الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية والغربية قبل عام .1989
وحول الشكل التنظيمي لشبكات تهريب البشر، يقول المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة إن هناك تقسيم واضح للعمل، حيث أن هناك شخص ما يكون مسؤولا عن النقود، وآخر يكون مسؤولا عن القيادة، وثالث يتولى مسؤولية الوثائق، ورابع للتواصل مع العملاء.


ويقول خبراء الأمن الالمان والمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة إن الهياكل الواضحة لشبكات تهريب البشر تختلف حسب الطريق الذي تسلكه، حيث توجد في أفغانستان على سبيل المثال شبكات تمتد من كابول إلى غرب تركيا. ويعتقد أن المهربين يعرفون بعضهم البعض، ولكن لا توجد تنظيمات تشبه عصابات المافيا حيث يوجد زعماء للعصابات يتولون أدوار القيادة.
وردا على سؤال بشأن مدى سرعة تغير طرق ومسارات الهجرة، يقول هوفمان وبيلجر إنه في غضون أسابيع خلال عام 2015، حدث تغيير كامل في طرق الهجرة من منطقة وسط البحر المتوسط إلى طريق البلقان، ولا توجد دولة أو عصابة مافيا واحدة يمكنها القيام بهذا التغيير، وهو ما يظهر مرة أخرى أن أنشطة الهجرة غير الشرعية تعمل من خلال شبكة لا مركزية قادرة على التفاعل بسرعة إزاء أي تغيير في الظروف اعتمادا على التنوع الكبير في الأطراف التي تشارك في هذا النشاط.

 

د ب أ

التعليـــقات