رئيس التحرير: طلعت علوي

"مونسانتو" تفبرك دراسات مزورة لإخفاء الحقائق العلمية الخاصة بمبيداتها المسرطنة واسعة الانتشار في الضفة وغزة

السبت | 03/06/2017 - 12:55 صباحاً
"مونسانتو" تفبرك دراسات مزورة لإخفاء الحقائق العلمية الخاصة بمبيداتها المسرطنة واسعة الانتشار في الضفة وغزة

 

جورج كرزم
 

كُشِفَ في آذار الماضي عن وثائق أميركية خطيرة تتعلق بتزوير الحقائق العلمية الخاصة بمبيدات الأعشاب التي تحوي المادة الفعالة "غلايفوسات" بشكل عام، ومبيد "راوند أب" (roundup) واسع الانتشار عالميا (والذي يحوي ذات المادة الفعالة) بشكل خاص؛ ما أثار تساؤلات حول خطورة هذه المجموعة من مبيدات الأعشاب على الصحة العامة والبيئة، والتي تنتجها عملاقة الصناعات الكيميائية: شركة "مونسانتو" الأميركية.


"فينس تشابرِيا" القاضي في المحكمة الفدرالية بسان فرانسيسكو، سَمَحَ بنشر المراسلات الداخلية والمحادثات الهاتفية بين الشركة وهيئات الرقابة الحكومية التي تعاملت مع هذا المنتج الخطير.  مبيدات الأعشاب، وبخاصة مبيد "راوند أب"، يعتبر المنتج الريادي لشركة "مونسانتو"؛ وهو يستخدم في جميع أنحاء العالم، لأغراض مختلفة وأهمها مكافحة الأعشاب في الحقول الزراعية والحدائق المنزلية.  وحتى الفترة الأخيرة، زعمت شركة "مونسانتو" بأن هذا المبيد "آمن"، وذلك استنادا إلى "بحث" قديم ممول من الشركة نفسها!


لكن، في سياق المحاكمة الجارية حاليا، عُرِضَت استنتاجات مجموعة خبراء دوليين والتي أكدت بأن المادة الأساسية في هذا المبيد مُسَرْطِنَة.
وبحسب وثائق أخرى قُدمت للمحكمة، تبين بأن العاملين في شركة "مونسانتو" فبركوا "بحثا" تم تنسيبه لاحقا لعلماء؛ كما أن موظفا كبيرا في وكالة حماية البيئة الأميركية الحكومية (EPA) أخفى نتائج البحث الخاص بالمكون الأساسي في مبيد الأعشاب، أي "غلايفوسات"، والذي أجرته وزارة الصحة الأميركية.  وبينت الوثائق وجود خلافات داخل وكالة حماية البيئة حول مدى كون هذا المبيد "آمنا".


المحاكمة بدأت إثر رفع مجموعة من المتضررين دعوى قضائية ضد الشركة.  جوهر هذه الدعوى يقول بأن المشتكين أصيبوا بسرطان الغدد اللمفاوية بسبب تعرضهم للمادة الفعالة "غلايفوسات" الموجودة في مبيد "راوند أب".  وقد رفعت هذه الدعوى القضائية قبل نحو سنتين، إثر إعلان الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، بأن مادة "غلايفوسات" تعتبر مسرطنة، وذلك استنادا إلى بحث أثبت العلاقة السببية بين "غلايفوسات" وهذا النوع من السرطان.
المحكمة الأميركية كشفت أيضا بأن "جِس رولاند" نائب رئيس وكالة حماية البيئة، زود شركة "مونسانتو" بمحتوى بحث وزارة الصحة الأميركية، وذلك قبل أشهر من نشره؛ ما مكن الشركة من الإعداد مسبقا لحملة علاقات عامة.  كما كشفت المحكمة بأن مدراء "مونسانتو" كتبوا بأن رونالد وعد بإفشال إجراء بحث مستقل كانت وزارة الصحة الأميركية تنوي تنفيذه.  وفعلا لم يجرِ مثل هذا البحث.
وفي مراسلة أخرى، أشار أحد كبار المدراء في شركة "مونسانتو" إلى أن رولاند سيستقيل وبأنه"قد يفيد الشركة كلما تقدمنا في عملية الدفاع عن مادة غلايفوسات". 

مزاعم مشكوك بها
ومن ناحيتها، لا تزال "مونسانتو" تزعم بقوة أن مادة "غلايفوسات" غير مسرطنة، بل لا تزال تتمادى بقولها "إن الادعاء بأن الغلايفوسات مسرطنا للإنسان يتناقض مع الأبحاث التي جرت خلال عشرات السنين الأخيرة بواسطة الجهات الرقابية الحكومية في جميع أنحاء العالم".  وتدافع شركة "مونسانتو" عن نفسها بالقول إن عناصرها لم يكتبوا "البحث" الأكاديمي الذي نُسِبَ لاحقا للباحثين.  وذلك بالرغم من أن إحدى المراسلات التي كشفتها المحكمة تبين بوضوح أن "وليام هيدنس"، مدير كبير آخر في الشركة، كتب لمدراء آخرين بأن يعملوا على تكليف مؤلفين من ذات الشركة بكتابة بحث عن مادة "غلايفوسات"، بحيث يعمل العلماء لاحقا على توقيع أسمائهم عليه!!


وبهذا الخصوص كتب "هيدنس"  أن بإمكان شركة مونسانتو" "تقليل التكاليف في حال نفذت بنفسها عملية الكتابة، بينما العلماء يقع على عاتقهم تحرير المادة وتوقيع أسمائهم فقط"!  كما نوه "هيدنس" إلى حالة أخرى مشابهة.
من اللافت أنه خلال العشرين سنة الأخيرة نفذت شركة "مونسانتو" تعديلات وراثية على القمح وفول الصويا والقطن بهدف تسهيل رش مبيدات الأعشاب في الحقول المزروعة بتلك المحاصيل دون القضاء على الأخيرة؛ علما أن كمية "الغلايفوسات" التي استخدمت في الولايات المتحدة الأميركية وحدها بلغت أكثر من مائة طن عام 2015. 
روبين غرينفيلد أحد محامين الدفاع في القضية المرفوعة ضد شركة "مونسانتو" يقول "بأن الناس يجب أن يعرفوا بأن في العالم يوجد علماء كبار مميزون لا يتفقون مع مزاعم مونسانتو وبعض الجهات الحكومية".
وكالة حماية البيئة الأميركية تملصت من التصريح بأي رد على هذه الفضيحة المدوية، كما أن"جِس رولاند" نائب رئيس الوكالة توارى عن الأنظار.

آفاق البيئة تحذر
في عددها الصادر في آذار 2016، كانت مجلة آفاق البيئة والتنمية السباقة في التحذير من واقع أن عددا كبيرا من المزارعين في الضفة الغربية وقطاع غزة يستخدمون مبيدات عشبية تحوي مادة "الغلايفوسات" المسرطنة؛ علما أن  مبيد "راوند أب" يعتبر في طليعة مبيدات الأعشاب الأكثر شيوعا في الضفة والقطاع.  كما أن ذات المبيد يباع في الأسواق بأسماء تجارية مختلفة.  واللافت أن القائمة المعمول بها حاليا لمبيدات الآفات الزراعية المسموح تداولها في مناطق السلطة الفلسطينية (حتى كتابة هذا التقرير) والصادرة عن وزارة الزراعة الفلسطينية، هي قائمة عام 2013-2014.  ومن بين عدد كبير من المبيدات العشبية الخطرة تضمنت القائمة 8 مبيدات عشبية، بأسماء تجارية مختلفة، تحوي المادة الفعالة "الغلايفوسات" وبذات التركيز الموصى به (480 gr/l).  هذه المبيدات هي:  pilaround, taifun, galoop, glyphogan, glyphos, glefon up, roundup, rondopaz
الحقيقة ليس فقط شركة "مونسانتو" وحدها تزعم بأن فوائد مبيداتها أكثر من مخاطرها، بل جميع شركات المبيدات إجمالا.  لكن الحقيقة أننا لا نعرف كل احتمالات تسبب المبيدات بأذى لصحة الناس، وذلك بسبب حجب مصانع وشركات الكيماويات الزراعية لمعظم البيانات المتعلقة بالصحة والسلامة، بل وفبركتها لأبحاث مزورة باسم علماء وباحثين تمت رشوتهم، كما رأينا في حالة شركة "مونسانتو".  فما دام هناك غموض وإخفاء للمعلومات، أفلا يجدر بنا، من باب الحيطة والحذر، أن نتخلص نهائيا من استعمال المبيدات الكيميائية؟


الحقيقة أن الأرباح التجارية تأتي في أول سلم أولويات شركات الكيماويات الزراعية ولو على جثث المستهلكين البسطاء، أما الاعتبارات الصحية والإنسانية والبيئية فتأتي في المقام الأخير، بمعنى أن الربحية تعد السبب الأساسي والوحيد لمواصلة إنتاج المبيدات وتسويقها.

التعليـــقات