محمد خضر قرش – القدس
راهنت كما راهن الكثير غيري على عدم وجود أية مؤشرات إيجابية يمكن أن تتمخض عنها زيارة الرئيس أبو مازن لواشنطن أو زيارة ترامب لفلسطين بما في ذلك اجتماع قمة البيعة العربية الإسلامية للولايات المتحدة الأميركية، التي عقدت في عاصمة شبه الجزيرة العربية. ولم يكن هذا الرهان من باب التخمين او الضرب في الرمل أو الفتح في الفنجان كما لم يكن ذكاء أيضا، لكنه كان ناجما ومستندا لما يدور ويجري في الوطن العربي من تدمير والغاء التاريخ وتدمير الحضارة والقومية العربية وتغيير بوصلة الانتماء والارتباط وجدول الالويات. ففلسطين لم تعد القضية المركزية منذ ما بعد اتفاقية كامب ديفيد التي وقعت بين مصر وإسرائيل لكنها ترسخت بعد اتفاقيات أوسلوا اللعينة وانزواء كل قطر عربي ليغني على ليلاه وتسارع التطبيع العربي والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وفي المقدمة ما تفعله وتمارسه منظمة التحرير مع مغتصب الأرض وناهب الثروات ومُهود القدس ومنشئ المستعمرات والجدار العنصري وسافك دماء الفلسطينيين ومعتقل مناضليه. فالنتائج السلبية والخطيرة التي يلمسها كل فلسطيني وعربي حاليا إنما هي نتيجة منطقية لما جنته أيدينا وافعالنا وممارساتنا طيلة العقود التي اعقبت اتفاقيات كامب ديفيد وسقوط عاصمة الخلافة في بغداد وتمزيق عاصمة الأمويين في دمشق بمشاركة ومباركة عربية رسمية وتقسيم ليبيا إلى دويلات أو محميات إنكشارية وتدمير حضارة اليمن وتجويع شعبه. ففي كل المؤتمرات التي عقدت تحت يافطة أو عنوان حل القضية الفلسطينية كانت نتائجه سلبية على القضية الوطنية.
وفي كل مرة كان يخرج الفلسطينيون من المولد بلا حمص أو يرجعوا بخفي حُنين. والمشكلة التي تكمن وراء كل ذلك أن الأنظمة العربية الرسمية كلها تدرك وعن وعي كامل بان ما يجري أمام أعينها هو إعادة رسم خريطة المنطقة وتجزئتها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وخلق أعداء جدد يؤمنون بالله مثلنا ويشهدون الا إله الا الله وأن محمدا رسول الله، بديلا عن العدو القومي الإسرائيلي الذي بات جارا وحبيبا وصديقا لمعظم الدول العربية. ورغم ذلك فالأنظمة ما زالت ممعنة في هدر كرامتها ووأد ذاتها وانتحارها والتنازل عما تبقى من عناصر القوة المالية التي تملكها تدريجيا لصالح أعداء الوطن العربي وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. العقد القادم سيكون متخما ومزدحما ومليئا بالأحداث الضارة بل والخطيرة على مستقبلنا كعرب، ورغم ذلك تقدم عليها هذه الأنظمة وتفعلها بكل روح رياضية وطيبة خاطر وتخلف وغباوة وبداوة وجهالة، مسلمين مقدراتنا ومستقبل أجيالنا ومصيرنا لأعدائنا ليتحكموا بنا كما يشاؤون. وبالعودة إلى موضوعنا الفلسطيني، والرجوع دائما بخفيً حُنين من كل المؤتمرات والاجتماعات فإنها تعكس حالة أسوأ من حالة الأنظمة العربية بدرجات لكوننا ما زلنا تحت الاحتلال العسكري المباشر ولا نملك من أمرنا شيئا بعكس بعض الدول العربية التي تستطيع لو أرادت أن تقلب ظهر المجن لأعداء القومية العربية وان لا تسمح للأنظمة الجاهلة والمتخلفة والتي يغلب عليها صفة البداوة والأمية الوطنية والسياسية والمرتبطة بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بإدارة وتوجيه البوصلة لتحقيق أهدافها الشريرة ضد كل ما هو عربي. فالسلطة الفلسطينية وهي الوليد غير الشرعي لمنظمة التحرير، ممعنة في الاستسلام والتساوق مع كل ما يريده الاحتلال.
قيادة منظمة التحرير تعي وتدرك تمام الإدراك بأنها لن تحصل من الاحتلال عما تسعى إليه ورغم ذلك تلقى بنفسها في ملعبه مستبعدة الأشكال والأساليب النضالية التي أقرتها الشرعية الدولية في مواجهة الغاصبين والمستعمرين ومحتلي الأرض. فحين ترفض قيادة منظمة التحرير ممارسة المقاومة الشعبية والانتفاضة المسلحة ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والتمسك بالتنسيق الأمني المقدس حسب تعبيرها رغم كل ما تفعله قوات الاحتلال يوميا من ممارسات إذلال وقمع وقتل واعتقال، فلا يمكن لها إزاء استمرار هذا النهج التدميري الذي تتبعه أن تتوقع العودة ولو لمرة واحدة من المولد ومعها بقايا حمص حتى لو كان غضا ومسوسا وغير ناضج يتم جمعه من بقايا تك أو نفض الأكياس أو بخف واحد تالف من حُنين لا ينفع للاستخدام؟؟
قيادة منظمة التحرير استمرأت الوعود الكثيرة التي تقدم لها من أعدائها والتي لا تخرج عن كونها سرابا لا يسمن ولا يغني من جوع. منظمة التحرير تعود دائما خالية الوفاض من أي مؤتمر أو اجتماع يناقش القضية الفلسطينية بسبب إصرارها على المفاوضات العبثية والتنسيق الامني المقدس المهلك لنضالنا والمدمر لمستقبلنا لكنه المنعش والمطمئن ومحقق الأمن وسلامة وطول عمر الاحتلال. قيادة منظمة التحرير تتوهم كثيرا إذا اعتقدت بأنها بسلوكها وحفاظها على التنسيق الأمني المقدس ورفض تبني المقاومة الشعبية بكل اشكالها يمكن لها أن تحصل على شيء من الاحتلال الإسرائيلي.
حالها بذلك كحال السادات الذي أعلن، ودم شهداء جيش مصر العظيم لم يجف بعد فوق رمال سيناء بأن حرب أكتوبر ستكون آخر الحروب قبل أن يدخل المفاوضات فبدلا أن تكون نتيجة للمفاوضات وان تدفع إسرائيل ثمنها قدمها السادات لها مجانا ونفس الشيء حصل حينما قام بطرد الخبراء السوفييت، وتتكرر البداوة والجهالة والغباوة مرة آخري في مؤتمر البيعة العربية الإسلامية للولايات المتحدة الأميركية التي عقدت في الرياض. فالأنظمة الرسمية العربية تتوهم بأنه من خلال إغداق التبرعات والهدايا والكرم المالي والسياسي بما فيها التنازلات المجانية يمكن أن تحصل على شيء من الولايات المتحدة الأميركية وبقية أعداء القومية العربية. قيادة منظمة التحرير عادت دائما خالية الوفاض من كل مؤتمر أو اجتماع دون الاستفادة من الدروس السابقة.