د. هيثم باحيدرة
في الوقت الذي يدرك فيه قادة العالم أن تغير المناخ أمر لا يمكنهم معالجته وحدهم، فإن الواقع يشير إلى أن بعض أفقر دول العالم هي التي تقود هذا الطريق بإلهام من الدعوات لعهد جديد للتنمية ومعالجة تغير المناخ بمشاركة الجميع دون تمييز. والسؤال المطروح الآن هو هل لدى هذه الدول خيار بين النمو الاقتصادي والبدائل المستدامة في إنشاء البنى الأساسية مثلا. في الواقع يجب أن توفر موجة جديدة من استثمارات البنى التحتية سبلا لدعم التنمية المستدامة. وقد لوحظ أن الاستثمارات في الطاقة المتجددة سجلت نسبا أعلى في أفقر دول العالم عن أغناها للمرة الأولى خلال السنوات القليلة الماضية.
وقد أنفق ما مجموعه نحو 196.5 مليار جنيه استرليني على الطاقة المتجددة والوقود المتجدد على الصعيد العالمي في عام استثماري غير مسبوق لهذا القطاع وفقا لتقرير الطاقة المتجددة لعام 2016 الصادر عن شبكة سياسة الطاقة المتجددة للقرن الـ 21. وقد تحقق هذا المستوى القياسي من النمو على الرغم من أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تدعم بشدة الوقود الأحفوري. ومما يلفت النظر حقا في هذه النتائج أنها تحققت في وقت كانت فيه أسعار الوقود الأحفوري عند أدنى مستوياتها التاريخية، وما زالت مصادر الطاقة المتجددة في وضع غير موات من حيث قيمة الدعم الحكومي. وفي وقت من الأوقات كانت النقاشات حول كل من التنمية والطاقة تعتبر نقاشات في مجالين مختلفين. وقد تقاطعت تلك النقاشات عند ظهور المبادرات الداعية لحصول الفقراء في الدول النامية على الكهرباء. وفيما يخص الطاقة اللازمة للتصنيع فقد تم استغلال الوقود الأحفوري ــ بكل أعبائه على ميزان المدفوعات وتداعياته الجيوسياسية ــ للوفاء بهذه الاحتياجات. ولا شك أن إدارة عملية استخراج الموارد الطبيعية والاستخدام الفعال لإيراداتها يشكل تحديا لكثير من البلدان، ولا سيما في العالم النامي وما يتعلق بالموارد عالية القيمة مثل الهيدروكربونات. وقد أدى سوء الإدارة والحكم إلى زعزعة استقرار النظم الاقتصادية ــ وفي بعض الحالات النظم السياسية ــ بل أدى إلى إهدار استخدام الموارد نفسها وعدم كفاءة استخدامها. وبينما كانت الدول النامية تقوم بزيادة إنتاجها من الطاقة الكهربائية، كان على الدول الغنية أن تتخلص تدريجيا من محطات الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري. ومن الواضح أن الدول الفقيرة تقوم بما هو أكثر من واجبها في المسعى نحو عالم خال من الوقود الأحفوري للحد من آثار الاحترار العالمي.
حيث تشهد بنجلادش، التي تعد أكبر سوق في العالم للنظم المنزلية الشمسية، وغيرها من الدول النامية "مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا في إفريقيا والصين والهند ونيبال في آسيا والبرازيل وغيانا في أمريكا اللاتينية" توسعا سريعا في نظم الطاقة المتجددة الصغيرة، بما في ذلك الشبكات الصغيرة القائمة على مصادر الطاقة المتجددة لتوفير الكهرباء للمجتمعات الموجودة بعيدا عن الشبكة. كما ازداد الاستثمار في الطاقة المتجددة زيادة كبيرة في بنجلادش وجنوب إفريقيا والمكسيك والهند وتشيلي. ومن بين الدول النامية الأخرى التي تستثمر أكثر من 500 مليون دولار، نحو345 مليون جنيه استرليني، في مجال الطاقة المتجددة في عام 2015 المغرب وأوروجواي والفلبين وباكستان وهندوراس. وكوستاريكا في طريقها إلى أن تصبح أول دولة نامية تنتج الكهرباء اللازمة لها من المصادر المتجددة بنسبة 100 في المائة. ومن المفارقات أن بعض الخصائص الأكثر تحديا في أفغانستان تدعم نمو الطاقة المتجددة فيها. وذلك أن احتياجات أفغانستان من الطاقة متواضعة نسبيا، ما يجعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر أهمية لها. ومع الاضطراب السياسي المستمر فإن إنشاء هذه المحطات في المجتمعات المحلية يوفر لها فرصة كبيرة للاستمرار في إنتاج الطاقة لسنوات قادمة. وتمتلك ألبانيا تلك الدولة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 2.77 مليون نسمة إمكانات كبيرة ومستقبلا مثيرا للطاقة المتجددة.
وبفضل الرغبة في الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد وتعزيز إمدادات آمنة من الطاقة كانت حكومة ألبانيا حريصة جدا على تشجيع زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، وفي عام 2013 صدر قانون لتعزيز الطاقة المتجددة. وتتجه هذه الدول إلى مصادر الطاقة المتجددة كجزء من عملية التصنيع نفسها لأنها ناتج صناعي. ومصادر الطاقة المتجددة نظيفة، وتحرر الدول من أعباء ميزان المدفوعات، وتوفر فرص عمل، وتعزز أمن الطاقة، كما أنها تستجيب للحتميات الاقتصادية التي تواجه عمالقة التصنيع مثل الصين وغيرها من الدول. وفي المقابل انخفض الاستثمار في الطاقة المتجددة في البلدان المتقدمة ككل بنسبة 8 في المائة في عام 2015 حيث وصل إلى 90 مليار جنيه استرليني. وبما أن تقنيات الرياح والطاقة الشمسية والطاقة البحرية من المتوقع أن تهيمن على أسواق الطاقة، فإن الدولة التي تقدم التقنيات الأكثر ابتكارا وطموحا ستتمكن بلا شك من تحقيق الهيمنة الاقتصادية وستفوز بإيجاد فرص العمل التي ستنشأ نتيجة لذلك.
aleqt.com