مع إعلان نتيجة الانتخابات الفرنسية، ونجاح إيمانويل ماكرون بمنصب الرئاسة، استقبلت الأسواق الأوروبية الخبر بكثير من الارتياح، وانعكس ذلك على سعر صرف اليورو في مواجهة الدولار فقفز إلى أعلى مستوى له في ستة أشهر أمام العملة الأمريكية، ليصل إلى 1.1024 دولار، لكن تلك الفورة سريعا ما ذهبت أدراج الرياح وتراجع اليورو في مواجهة العملة الأمريكية إلى 1.098 دولار.وذلك بعد جني الأرباح من المستثمرين.
سيمون هنري المحلل المالي في بورصة لندن يعلق لـ "لاقتصادية" على هذا التقلب السريع في قيمة العملة الأوروبية بالقول "الارتفاع في قيمة اليورو في أعقاب فوز ماكرون برئاسة فرنسا كان متوقعا، فالأسواق كانت في حالة قلق من احتمال فوز لوبان، المعروفة بموقفها الرافض للاتحاد الأوروبي، خاصة أن تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية، كانت تؤكد رفض اليورو كعملة والتعهد بالعودة إلى الفرنك الفرنسي، ولذلك كانت التوقعات أنه إذا فازت لوبان فإنه بمجرد إعلان فوزها ستنخفض قيمة اليورو في مواجهة الدولار 5 في المائة".
ويضيف "على أي حال فوز ماكرون رفع من قيمة العملة الأوروبية الموحدة لساعات قليلة، أما التراجع فيعود في الأساس إلى إدراك المضاربين أن الطريق أمام الرئيس الفرنسي الجديد طويلة وشاقة وغير ممهدة لتحقيق وعوده الاقتصادية، سواء بتغيير قوانين سوق العمل الفرنسي وإطلاق يد الشركات سواء في التوظيف أو في إنهاء التعاقد، أو الضرائب على الشركات، فتحقيق ذلك يتطلب دعما من السلطة التشريعية في البرلمان، وهو ما يفتقده الرئيس الفرنسي في الوقت الراهن، ومن ثم فإن الشكوك التي تنتاب البعض في قدرته على تحقيق ذلك أدت إلى انخفاض قيمة اليورو".
الدكتور ريتشارد باول يعتقد أن التحسن الذي حدث لقيمة اليورو في أعقاب إعلان فوز ماكرون لم يكن تحسنا واقعيا، إنما التراجع في سعر صرف اليورو في مواجهة الدولار كان واقعيا.
ولـ "الاقتصادية" يؤكد أن الزيادة في قيمة اليورو التي حدثت لفترة قصيرة في مواجهة الدولار كانت ردة فعل انفعالية من قبل الأسواق، لا تعكس تغيرات حقيقية في الموازين الاقتصادية للعملات المختلفة، ولا تعكس أي تغيرات طويلة الأمد، إنما الانخفاض أو التراجع يعكس واقعية الأسواق، فماكرون كان وزيرا للاقتصاد لسنوات في عهد الحكومة الاشتراكية للرئيس فرانسوا هولاند، وعلى الرغم من ذلك لم يفلح في إخراج فرنسا من أزمتها الاقتصادية، مضيفا "فلماذا نتوقع أن ينجح عندما يكون رئيسا"؟
ويقول "انخفاض قيمة اليورو يعود في الأساس إلى تراجع أداء الاقتصادات الأوروبية عامة والاقتصاد الفرنسي على وجه الخصوص، في ظل الركود وانخفاض معدل النمو في السنوات الماضية، وأحد الأسباب التي تعوق استعادة السوق الفرنسية لحيويتها المعهودة، قانون العمل وتغيير قانون العمل مطلب للشركات الفرنسية، لكن تغير قوانين العمل كان خارج قدرة الرئيس هولاند المدعوم من البرلمان، فكيف نتوقع أن يقوم به سيد الإليزيه الجديد وهو يفتقد سندا قويا وكاسحا في البرلمان".
وجهة النظر تلك تجد قبولا حذرا من بعض المضاربين على العملات في بريطانيا. جورج ستد واحد من هؤلاء المضاربين الذين يعتقد أن مستقبل اليورو لن يتوقف على انتخاب ماكرون بقدر ما ستحسمه نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية المقبلة الشهر المقبل.
ولـ "الاقتصادية" يشير إلى أن اليورو سيشهد وضعا متذبذبا من الآن حتى ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية، بعد ذلك ستحدث له فترة من الثبات حتى موعد الانتخابات الألمانية في شهر سبتمبر المقبل.
لكن البروفيسور روبرت نايت أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة كامبريدج يرى أن مستقبل العملة الأوروبية الموحدة سيرتبط من الآن وصاعدا بقرارات المصرف المركزي الأوربي.
ويقول لـ "الاقتصادية"، "سعر صرف اليورو في مواجهة العملات الدولية وأعني الدولار والاسترليني والين واليوان الصيني سيظل في حالة من الصعود والهبوط حتى شهر سبتمبر، وظهور نتائج الانتخابات الألمانية، لكن على المدى الطويل فإن استقراره سيرتبط بطبيعة السياسات النقدية للبنك المركزي الأوروبي، وتأثير تلك السياسات في معدل النمو والتضخم في الاتحاد الأوروبي".
ويضيف "علينا أن نأخذ في الحسبان أن اليورو على الرغم من وضعه الراهن لا يزال واحدا من أفضل عشر عملات دوليا أداء، وإذا فازت ميركل في الانتخابات الألمانية، فإن المتوقع أن يرفع "المركزي الأوروبي" من أسعار الفائدة مع بداية العام المقبل، وذلك سيكون رسالة صريحة للأسواق بتحسن وضع اليورو".
لكن هذا لا ينفي أن ماريو دراجي محافظ البنك الأوروبي وعدد من كبار المسؤولين في البنك، يعتقدون أن مصلحة النمو الأوروبي تتطلب الإبقاء على سعر اليورو منخفضا في الوقت الراهن، لتعزيز النمو الداخلي في بلدان الاتحاد، إضافة إلى ضرورة التأني الآن لعدم وضوح الرؤية بشكل تام حول مستقبل وطبيعة السياسات التجارية الأمريكية، ما يتطلب الحذر الشديد بشأن القيام بأي تغيرات ملموسة في أسعار الفائدة الأوروبية، بصورة قد تسيء الأسواق تفسيرها، وهو ما قد يدفع بتيار الصقور داخل أروقة المؤسسات المالية الأوروبية وفي مقدمتها المصرف الأوروبي إلى إعطاء الأولية للنمو الاقتصادي، على حساب قيمة العملة الأوروبية، ويبدو أن هذا التيار ستكون له الكلمة الفصل خلال الأشهر المقبلة.
ويظل السؤال: ماذا عن مستقبل اليورو على الأمد الطويل؟
الباحثة الاقتصادية إلين نايت تعتقد أن مستقبل اليورو سيكون أفضل من مستقبل الاسترليني خلال السنوات الخمس المقبلة.
وحول الأسباب التي دعتها إلى استخلاص تلك النتيجة، تعلق لـ "الاقتصادية" قائلة "المرحلة المقبلة وأعني العامين المقبلين على وجه الخصوص سيشهدان مفاوضات شاقة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بشأن خروج الأخيرة من النادي الأوروبي، وعلى الرغم من تصريحات بعض السياسيين الأوروبيين بأنهم لا يهدفون إلى معاقبة المملكة المتحدة، إلا أنه لا يبدو ذلك واقعيا من المنظور السياسي أو الاقتصادي، وبعض السياسيين الأوروبيين ومن بينهم الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون يؤكدون أنهم سيتبنون موقفا متشددا خلال المفاوضات مع بريطانيا".
وأكدت أن أوروبا ستتبنى رؤية موحدة ومن ضمنها تبني سياسات تعزز سعر صرف اليورو في مواجهة الاسترليني، لجعل التكلفة التي ستدفعها بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي مرتفعة، ثانيا وصول ماكرون إلى السلطة سيجعل الرؤية الفرنسية – الألمانية لإدارة الاتحاد الأوروبي أكثر انسجاما، من الرؤية التي سادت في عهد هولاند، الذي لم ينكر اعتراضه على السياسات التقشفية الألمانية، وانسجام الرؤية الفرنسية الألمانية سينعكس إيجابا على نمو الاتحاد الأوروبي وعلى سعر صرف اليورو، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن اليورو سيشهد تحسنا أمام الاسترليني مستقبلا.