رئيس التحرير: طلعت علوي

فلوسك .. مجرد أرقام إلكترونية فهل يقع الربا؟

السبت | 15/04/2017 - 09:45 صباحاً
فلوسك .. مجرد أرقام إلكترونية فهل يقع الربا؟

د. محمد آل عباس

 

 

ما هي النقود؟ هي الذهب والفضة، هذا ما عرفه الإنسان منذ تم تدوين التاريخ، لا شيء تم اعتباره نقدا غيرهما، كانت هناك مقايضة بين السلع، وعندما أصبح لدى البعض اكتفاء من السلع فلا يريد أن يقايض ما عنده منها بمثلها، ظهرت النقود كالفضة والذهب، لتكون وسيلة لتخزين قيمة السلع بدلا من السلع نفسها، لهذا نقول الذهب مخزن للثروة، وليس ثروة بذاته. في تطورات متلاحقة ليس هذا مكان عرضها ظهرت النقود الائتمانية، وهي ليست نقودا بذاتها، وإنما تعبر عن تعهد بدفع دين من الذهب عند الطلب، وأقوى أشكال هذه النقود الائتمانية هو الورق.

وإذا كنت أقول إن الورق ليس نقدا والنقد ليس ثروة، فالورق ليس بثروة أيضا، وإنما يعبر عن دين بالثروة. هذا التعريف مهم جدا، لهذا آمل من القارئ الاحتفاظ به خلال هذا النقاش. لقد كانت الدول تهتم بمسألة كمية المطبوع من الورق، حيث تكون قادرة على دفع الذهب مقابل كل ورقة عند الطلب، أي لو قرر كل المجتمع أن يشتري الذهب بكل ما معه من نقود فيجب على الدولة ممثلة في البنك المركزي أن توفر هذا الذهب فورا في البنوك أو في غيرها. لكن لم يحدث في التاريخ المسجل أن قام كل الناس بطلب الذهب بهذا الشكل، فأصبحت الدول تطبع كميات من الورق حسب حاجة الاقتصاد وليس حسب كمية الذهب المتاحة.

واستمرت الأمور جيدة على هذا النحو لكن التجارة الدولية كانت تجبر أي بلد على أن يحتفظ بذهب في مقابل ما يتم تبادله من ورق في الأسواق العالمية، وكانت هذه تسمى قاعدة الذهب، فعندما يذهب التاجر السعودي إلى اليابان ويقوم بتحويل الريال إلى ين فإن البنك المركزي الياباني سيطلب فيما بعد من الحكومة السعودية أخذ كل أوراق الريالات التي لم يعد بحاجة إليها ويستبدلها بذهب، طبعا الأمر ليس بهذه البساطة لكن هذا هو المبدأ العام، هذه القاعدة تم كسرها من قبل الولايات المتحدة التي قررت أن تطبع دولارا دون غطاء من الذهب، كانت الولايات المتحدة تستند إلى قوة الاقتصاد، بمعنى أن ما تملكه من دولارات يعني أن تملك جزءا في الاقتصاد الأمريكي. ومن ثم انتشرت هذه الظاهرة حتى أصبحت الدول تطبع النقد ليس في مقابل الذهب، بل فقط وفقا لحجم الاقتصاد، ثم ظهرت مشكلة حجم النقد الذي يمكن طباعته فكان الحل في معادلات رياضية معينة. نعود لتصحيح العلاقة المنطقية التي بدأناها، فالورق لم يعد دينا ولا تعهدا من الدولة بدفع أي شيء في مقابله، فلم يعد مرتبطا بالذهب لأن الذهب لم يعد نقدا، ولا وسيلة للتبادل السلعي، رغم أنه بقي مخزنا للثروة، أي أن الورق لم يعد يرتبط بالثروة ولا مخزنا لها، وليس نقودا. فما هو على الحقيقة؟ الورقة النقدية - كما أراها - هي شهادة من الدولة على ما يملكه الشخص الحامل لها من قيمة الاقتصاد الكلي للدولة التي طبعت تلك الورقة، ولأن الشخص لن يحصل على هذه الورقة إلا من خلال العمل والإنتاج في الاقتصاد، فهي إذا قيمة اقتصادية معادلة لإنتاجه، فإذا حصلت على 100 ريال مثلا فهذه لا تعني ذهبا ولا هي دين على الدولة، ولكنها وزن لما قدمته من إنتاج تستطيع مقايضتها في مقابل إنتاج الآخرين، بمعنى أنك تستطيع مقايضة إنتاجك في العمل مع إنتاج غيرك من الخبز مثلا، وهكذا أصبحت الأوراق النقدية.

عندما توسعت البنوك في الأجهزة الإلكترونية ظهر معنى هذا التعريف بوضوح، ولكن دون ورقة الآن، فالأرقام التي تجدها في حسابك ليس معناها ورقا في مقابلها، ولا تعني أن لك حقا في الحصول على قيمتها كافة ورقا في أي وقت، ولعل البعض يطلب الورق من البنك فيعتذر البنك عن عدم توافره حالا، لكن إذا خرج العميل نفسه من البنك وذهب إلى جهاز الصراف لبنك آخر فقد يجد ورقا وهذا معناه أن العميل استبدل أرقامه في البنك الأول بأوراق من البنك الثاني، وإذا ذهب للسوق لشراء أغراض شخصية فلن يطلب منه أحد ورقا، بل يكفي أن ينقل أرقامه من حسابه إلى حسابهم ويأخذ أغراضه، أي ينقل لهم قيمة إنتاجه ويأخذ إنتاجهم. هذا هو الأمر الذي نسميه اليوم القوة الشرائية، التي تتناقص كلما تناقص حجم الاقتصاد (أي ضعف الإنتاج فيه بشكل عام)، فالأرقام التي بحوزتك قد لا تجد إنتاجا يقابلها من الآخرين ولهذا لن تجد ما تشتريه بها أو تشتري القليل الذي يتوافر. سؤالي الآن هو هل يقع الربا في هذه الأرقام، بمعنى لو قمت بشراء أرقام من البنك، على أن أردها له بضعفها مثلا، هل يقع الربا هكذا؟ خاصة أن هذا بيع إنتاج بإنتاج مختلف وقال رسول الله: "..إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم"... وإذا وضعت أرقامي إنتاجا في بنك والبنك يستخدمها لتمويل آخرين لتعظيم الإنتاج في الاقتصاد ككل فهل ينعكس هذا على قيمة إنتاجي بقدر ما أسهمت به، وبهذا يجب أن تزيد أرقامي ولا يأخذها البنك بحجة أن ذلك فائدة وربا؟ هذه هو السؤال.. وللحديث بقية.

التعليـــقات