كانت مفاجأة للمحرر وللصحيفة أن تتبوأ سيدة سعودية لم تتجاوز بعد عقدها الثالث منصبا إداريا مهما ومعقدا في واحدة من أكبر أربع شركات في العالم في مجال الضرائب والمحاسبة والاستشارات المالية، ومن هنا بدأت قصة إعداد هذا الحوار، إلا أن المفاجأة الأكبر هي في حجم ما تمتلكه من قدرات ومعلومات عن واحد من أهم المفاهيم الجديدة في الاقتصاد السعودي، وهو الضرائب ودورها في تنمية الاقتصادات وتحسين أدائها.
هناك في الدور الرابع عشر في مبنى على طريق الملك فهد في العاصمة الرياض التقت "الاقتصادية" إسراء البطي مديرة الضرائب في شركة "إرنست ويونغ" في السعودية، حيث كشفت في حديثها عن أن استطلاعا لشركة "إرنست ويونغ"، حول ضريبة القيمة المضافة في دول مجلس التعاون الخليجي، أظهر أن 50 في المائة من الشركات التي شملها الاستطلاع لم تبدأ بأية خطوة بعد للاستعداد لهذه الضرائب.
وقالت لـ"الاقتصادية" البطي وهي أول سيدة سعودية تتولى منصب مديرة الضرائب في شركة إرنست ويونغ في السعودية إحدى أكبر الشركات المهنية في العالم في مجال التدقيق والاستشارات الضريبية والاستشارات المالية، إن ذلك يعتبر مثيرا للقلق.
وبينت البطي أن دول مجلس التعاون الخليجي عرفت على مدى عقود بأنها ذات بيئة ضريبية منخفضة، كما أنها تتمتع بأدنى المعدلات الضريبية المؤسسية في العالم، فلا وجود للضريبة على الرواتب ـــ أو الدخل أو الخدمات العامة، وباستثناء الرسوم الجمركية المنخفضة البالغة نسبتها 5 في المائة، لم يكن هناك أية ضرائب أخرى غير مباشرة. ولذلك، يمكن أن يسهم إدخال الضرائب المباشرة وغير المباشرة في توليد إيرادات للمنطقة وتحسين أداء اقتصاداتها.
وتوقعت البطي في حوار لها مع "الاقتصادية" أن تقوم الحكومة السعودية بإعادة استثمار الضرائب التي يتم جمعها في تمويل تحسين مرافق البنية التحتية المدنية والتعليمية والرعاية الصحية.
وفيما يلي نص الحوار:
ما التحديات الرئيسة التي تواجه الشركات السعودية والخليجية بسبب تطبيق ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية؟ وهل ستستفيد الشركات من هذه الضرائب أم أنها ستؤثر في مبيعاتها؟
تكمن التحديات الرئيسة التي تواجه الشركات السعودية والخليجية عند استعدادها لتفعيل ضريبة القيمة المضافة وضرائب الإنتاج على أنشطتها في حاجة الشركات إلى تحويل نظمها المالية وعملياتها التجارية من أجل التعامل مع عمليات الإدارة والمحاسبة الخاصة بضريبة القيمة المضافة وضريبة الإنتاج، وتقتضي القوانين الجديدة قيام الشركات بجمع الضرائب وتحويلها إلى وزارة المالية على أساس منتظم.
ومن الطبيعي أن تؤثر ضريبة القيمة المضافة في جميع عمليات البيع أو الشراء الخاصة بالنشاط التجاري، وتتسم قوانينها بأنها معقدة وتتطلب توافر كوادر ذات خبرة لتسجيل المعاملات بشكل الصحيح. ومن وجهة نظري المهلة الزمنية المتاحة أمام الشركات للاستعداد لتطبيق الضرائب قصيرة نسبيا، وقد تعاني بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاستعداد لتطبيق هذه الضرائب في الموعد المحدد.
كما أن هناك ضعفا ملحوظا في التنسيق اللازم بين القطاع الخاص والجهات الحكومية المعنية، ما يفرض تحديات كبيرة على قطاعات الأعمال للاستعداد لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بحلول الموعد المحدد.
وبحسب استطلاع خاص أجرته الشركة بالتعاون مع المشاركين في قنواتها للبث الشبكي حول ضريبة القيمة المضافة، في دول مجلس التعاون الخليجي، أكد أن 50 في المائة من الشركات التي شملها الاستطلاع لم تبدأ بأية خطوات بعد للاستعداد لهذه الضريبة، وهذا مثير للقلق.
كما قال 11 في المائة فقط من المشاركين قاموا بتقييم التغييرات اللازمة في عملياتهم المالية والتشغيلية والمعلوماتية (أنظمة تخطيط موارد المؤسسة ERP)، ومن الواضح أن الوقت حان بالنسبة لكثير من الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي للبدء بهذا الأمر.
هل سيؤدي تطبيق الضرائب الجديدة إلى جعل السوق أكثر تنافسية بالنسبة للقطاعات المختلفة، وبالتالي قد تتحمل هذه القطاعات الضرائب نيابة عن المستهلك؟
لطالما عرفت دول مجلس التعاون الخليجي بأنها ذات بيئة ضريبية منخفضة، مع أدنى المعدلات الضريبية المؤسسية في العالم، فلا وجود للضريبة على الرواتب ـــ وباستثناء الرسوم الجمركية المنخفضة البالغة نسبتها 5 في المائة، لم يكن هناك أية ضرائب أخرى غير مباشرة. ولذلك، يمكن أن يسهم إدخال الضرائب المباشرة وغير المباشرة في توليد إيرادات للمنطقة وتحسين اقتصاداتها.
ومع ذلك، لا يمكن أن تقتصر جهود تحفيز التغيير المستدام وتشجيع المنافسة في السوق على استحداث ضرائب إضافية، فلابد أن يرتبط ذلك بالتنويع الاقتصادي أيضا وسيكون للمبادرات التي تدعم التنويع دور بالغ الأهمية في هذا المجال، مثل دمج دول مجلس التعاون الخليجي في سوق مشتركة مع فرض قوانين قوية ومتناسقة، وتغيير دور الحكومة من مشغل إلى مستثمر، والانفتاح على مزيد من المنافسة والتدقيق الاستثماري والحوكمة.
كيف سيؤثر تطبيق الضرائب الجديدة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟
من المتوقع أن تخضع معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة لضريبة القيمة المضافة، حيث إن الحد الأدنى للتسجيل بالاستناد إلى الإيرادات السنوية للمبيعات منخفض للغاية، ويبلغ 375 ألف ريال سعودي للتسجيل الإلزامي، و187.500 ألف ريال للتسجيل الاختياري. وستحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تخصيص بعض الأموال من أجل الامتثال لهذه القوانين.
وسينبغي على هذه الشركات تمويل وتطبيق التغييرات في العمليات التجارية وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، وتدريب موظفيها، على سبيل المثال لا الحصر. ولكن بعد تحديد النفقات الأولية، تصبح التكاليف أقل، وستكون الشركات أكثر قدرة على استردادها، ومع تسعة أشهر فقط قبل التطبيق، فإن الوقت المناسب للاستعداد قد حان بالفعل!
هل ستتم الاستفادة من الضرائب التي سيتم جمعها في الخدمات العامة، أم أنها ستستخدم لأغراض أخرى؟
ستقوم السعودية والحكومات الخليجية الأخرى كما أعلنت بإعادة استثمار الضرائب التي يتم جمعها في تمويل تحسين مرافق البنية التحتية المدنية والتعليم والرعاية الصحية. وسيكون من المهم في المستقبل أن تعتمد الحكومات الخليجية الشفافية فيما يتعلق بكيفية استخدام الضرائب، وإثبات أن هذه الضرائب التي تم جمعها من المستهلك قد أنفقت بحكمة على برامج مهمة تعود بالفائدة على المواطنين.
هل لديكم أرقام تقديرية حول الضرائب التي ستجمعها الحكومة في السنوات المقبلة؟
تشير تقديرات التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي بشأن السعودية، الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، إلى أن إجمالي ضريبة القيمة المضافة التي سيتم تحصيلها في عام 2018 سيبلغ 35 مليار ريال سعودي، وسيرتفع ليصل إلى 53 مليار ريال سعودي في عام 2019. كما تقدر ضرائب الإنتاج التي سيتم تحصيلها خلال عام 2018 بنحو خمسة مليارات ريال سعودي. وستشكل هذه الضرائب مصدرا إضافيا مهما للإيرادات الحكومية. وفي حال زيادة معدل ضريبة القيمة المضافة عن الحد الأدنى البالغ 5 إلى 10 في المائة مثلا، فإن هذه الضرائب ستكون أكثر نفعا على المدى المتوسط.
وقد قدر صندوق النقد الدولي أنه في حال تصميم ضريبة القيمة المضافة بشكل جيد، فقد تولد ما بين 1.5 إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو نحو 2.5 إلى 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي" علي شكل إيرادات لدول مجلس التعاون الخليجي، حتى إن كانت معدلات الضريبة منخفضة نسبيا. وفضلا عن ذلك، فإن إدارة ضريبة القيمة المضافة بسيطة نسبيا، ولن يكون لها تأثير على الاستثمار الأجنبي المباشر أو على الصادرات في المنطقة.
كيف سيؤثر تطبيق الضريبة على أنماط الإنفاق الوطني؟
يتم فرض ضريبة القيمة المضافة على الإنفاق الاستهلاكي وتقوم الشركات العاملة في سلاسل التوريد على جمعها، وعادة ما يتم تمرير هذه الضريبة في نهاية المطاف ليتحملها المستهلك النهائي، ولا شك أن المستهلكين في السوق السعودية سيتأثرون بهذه الضريبة، حيث ستزيد تكلفة سلة السلع الاستهلاكية الأسبوعية بنسبة 5 في المائة، رغم استثناء الحكومة منتجات مثل الفواكه والخضراوات واللحوم والأطعمة الأخرى غير المصنعة من هذه الضريبة.
ومع ذلك، فإن قيمة جميع السلع والخدمات الأخرى سترتفع بنسبة 5 في المائة، وبالتالي فإن مبلغ الإنفاق الأسبوعي المعتاد سيشتري لنا أقل، وإذا ما أردنا الإبقاء على استهلاكنا المعتاد من السلع والخدمات، فسيتعين علينا تمويل الزيادة من الرواتب والمدخرات.
هل ستؤثر الضرائب في المدخرات والاستثمارات؟
في غياب بعض التعديلات على الرواتب، ستنخفض إيرادات صاحب الدخل المتوسط بنسبة 5 في المائة، في حال أراد الحفاظ على مستوى المعيية الحالي وستتأثر المدخرات والاستثمارات وتحويلات المغتربين. ومع ذلك، فإن معدل ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة هو منخفض وفقا للمعايير العالمية، ولكنه بلا شك سيؤثر بشكل طفيف في مدخراتنا واستثماراتنا.
هل تتعاون شركة "إرنست ويونغ" مع إدارة الضرائب في السعودية من أجل تطبيق هذه الضرائب الجديدة ؟
نعم لدينا في شركة "إرنست ويونغ" تعاون ولقاءات مع مصلحة الضرائب السعودية بشكل دوري من أجل فهم مبادرات ضريبة القيمة المضافة وضريبة الإنتاج.
ومن الضروري بالنسبة لشركات مثل "إرنست ويونغ" تقديم مشورة وآراء مستقلة لمصلحة الضرائب حول التحديات المرتبطة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، خصوصا أن السعودية تقوم بتطبيق ضريبة القيمة المضافة من دون وجود نظام ضريبي مسبق على المبيعات أو على المنتجات الاستهلاكية. ولذلك فإن التحديات هنا ستكون أكبر، سواء من حيث قدرة دافعي الضرائب على التكيف مع التأثيرات الجديدة على الأسعار، أو قدرة الشركات على التعامل مع تطبيق هذه الضرائب. وسيعتمد النجاح بشكل كبير على توفير الدعم والاتصال والتوجيه اللازم لدافعي الضرائب ومديري الضرائب، وتحظى "إرنست ويونغ" بمكانة ريادية لقيادة الحوار في هذه المبادرات.
ننتقل الآن إذا سمحتي لبعض الأسئلة الشخصية، هلا أخبرتنا عن مسيرتك مع "إرنست ويونغ" وكيف بلغت هذا المنصب؟
بدأت مسيرتي مع EY فور تخرجي من الجامعة، وكنت حريصة في ذلك الوقت على أن أكون جزءا من شركة عالمية، وخبيرة متخصصة في مجال الضرائب، كما كنت أول سيدة سعودية تعمل مديرة للضرائب، وواجهتني في بداية مشواري كثير من الصعوبات، التي تحولت لاحقا إلى فرص. كما تعلمت خلال مسيرتي كثيرا من الدروس التي أوصلتني لما أنا عليه اليوم؛ أول سعودية تتولى منصب مدير ضرائب حاصلة على الزمالة السعودية للمحاسبين القانونيين.
بدأنا بالفعل في الفترة الأخيرة نلمس وجودا واضحا للمرأة في إدارة مؤسسات مالية ضخمة، كيف تقيمين وجود المرأة السعودية في مهن المحاسبة والاستشارات المالية وإدارة البنوك؟
أسهم برنامج التحول الوطني السعودي، مع تركيزه المتزايد على تمكين المرأة، في رفع نسبة النساء في المناصب القيادية في المملكة. ويرتبط هذا الأمر مباشرة بأهداف "رؤية 2030"، الرامية لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 23 إلى 30 في المائة.
© الاقتصادية 2017