رئيس التحرير: طلعت علوي

مصطلح "الأراضي الخضراء" ...زيف إدعاءات الاحتلال البيئية لصالح المستوطنات

الثلاثاء | 28/02/2017 - 05:44 مساءاً
مصطلح "الأراضي الخضراء" ...زيف إدعاءات الاحتلال البيئية لصالح المستوطنات

ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا، الإجراءات العقابية التي نُفذت مؤخراً من قبل آليات الاحتلال عبر جرف مساحة نحو 300 دونم من أراضي عرب السواحرة الواقعة في المناطق المصنفة (ج) حسب اتفاقات أوسلو، واقتلاع العشرات من شجيرات "الرغن والقطف وكاتسيا" وهي شجيرات زرعت ضمن مشروع إقامة محمية طبيعية على أراضي البلدة.


يقول يونس جعفر رئيس بلدية السواحرة لمعدة التقرير هبة أصلان: "افتتحنا المحمية في شهر أكتوبر من العام الماضي، وزرعنا هذه الشجيرات كغذاء مساند للمواشي، نحاول تعزيز وجود المواطنين في هذه الأراضي لكن الاحتلال يريد للمنطقة أن تبقى فارغة من السكان ليُحكم سيطرته عليها".


هذه الخطوات التصعيدية من الاحتلال، ربما تكون بإتجاه وضع اليد على المنطقة، لتضاف لاحقا إلى سلسلة مشاريعه التهويدية في مدينة القدس المحتلة، والتي على رأسها مخطط القدس 2020 التهويدي، وعمليات تحويل الأراضي الخضراء إلى أراض للبناء تصب في النهاية لصالح المشاريع الاستيطانية.


المخطط 2020


وفقا لخليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، فإن المخطط 2020، هو أحد مخططات الاحتلال الخاصة بمدينة القدس، الهدف منه تحديد عدد السكان العرب وزيادة عدد السكان اليهود، ومن ضمن الخطوات الرامية لتحقيق هذا المشروع توفير وحدات سكنية بأعداد كبيرة تفوق الحاجة الحقيقية للإسرائيليين، بحيث أُعطيت لهم 6500 دونم لتطوير الأحياء وبناء 59 ألف وحدة سكنية، بينما خصصت للأحياء العربية ما مساحته 2500 دونم فقط.
ومن بين ما تضمنه هذا المخطط، زيادة مساحة الأراضي الخضراء في القدس الشرقية وخاصة في قريتي جبل المكبر وصورباهر وعرب السواحرة وسلوان، بحيث تحول لاحقاً إلى أراضي تتوفر فيها إمكانية التخطيط الشامل في المستقبل لصالح المستوطنات الإسرائيلية.


يقول موظف في "بلدية القدس" لمجلة آفاق البيئة والتنمية رفض ذكر اسمه، إن مساحات كبيرة من المناطق المصنفة خضراء في القدس تم تحويلها إلى أراضٍ يمكن البناء عليها، لكن المصدر ذاته رفض التصريح عن مساحة هذه الأراضي.
في سؤال أحد المهندسين العاملين في البلدية عن مثل هذا التصنيف في مخططات الأراضي، أشار لنا المهندس مهنّد عمر إلى أن هناك حوالي 1100 دونم من الأراضي الواقعة بين بلدتي جبل المكبر وسلوان قد تحولت ضمن المخطط 2020 إلى أراضِ خضراء.


وكذلك الأمر بين قريتي العيسوية والطور، حيث زادت بلدية الاحتلال مساحة الأراضي الخضراء بين القريتين، وتحايلت على المواطنين بأن رفعت بنسب قليلة مخططات البناء لصالح قرية العيساوية، والتي تعاني أصلا من كثافة سكانية عالية.
الأراضي الخضراء


وهنا لا بد من التوضيح بأن الأراضي الخضراء نوعان، الأول عام أو ما يطلق عليه "أراضي مفتوحة عامة" وهي أراضِ تابعة للبلدية وتخصص وفق إدعاء الاحتلال للمصلحة العامة، وبالتالي يمنع المواطنين من البناء فيها بشكل مطلق، والنوع الثاني خاص أو "أراضي مفتوحة خاصة"، هذه الأراضي تعترف بلدية الاحتلال بملكية أصحابها الفلسطينيين لها، لكنها تمنع وبشكل مطلق من التصرف فيها أو البناء عليها مهما تكن الأسباب.


كذلك، هناك أراضي مفتوحة خاصة يمكن البناء فيها بعد تقديم المخططات التفصيلية ومشروع تنظيم توافق عليه البلدية ووزارة الداخلية واللجنة اللوائية، وما يحدث غالبا في هذا النوع من الأراضي، أن تقوم البلدية باقتطاع الأرض من أصحابها على أساس أنها ستسخدم للمصلحة العامة وأحيانا يتم تعويضهم بمبالغ مالية، وفي حال سُمح للمواطنين المقدسيين أنفسهم بالبناء فيها، تقتطع البلدية 40% من مساحة الأرض تحت ادعاء المصلحة العامة أيضا. 


وبحسب مصدر من البلدية، فإن شروط البناء في المناطق الخضراء الخاصة لا تشمل الأراضي ذات الملكية العربية، وتدعي البلدية أنه يسمح لليهود بذلك فقط بما يحقق المصلحة العامة، بمعنى استخدام الأراضي بهدف بناء مرافق عامة عليها.وهنا يوضح المهندس عمر، أنه أمر طبيعي خاصة وأن الأراضي في الجانب الغربي من المدينة هي ملك للحكومة الإسرائيلية وبالتالي هي حرة التصرف بها، وليس هناك ما يجبرها على التفاوض مع أصحابها، عكس ما هو عليه الأمر في الجانب الشرقي.


ولصالح المخططذاته، صادرت حكومة الاحتلال 2000 دونما من الأراضي الواقعة جنوب قرية العيساوية بالقدس، لتطرح لاحقا المخططات الرامية لتحويل الأراضي المصادرة إلى حدائق توراتية، ما استدعى أهالي القرية إلى تقديم الاعتراضات للمحكمة، التي ردت بقرار يقضي بتنفيذ المشروع ودراسة حاجات القرية أولاً، ولا يزال القرار مجمدًا وتُدرس أوراقه في أروقة المحاكم الإسرائيلية.


اذا ما تقوم به إسرائيل في المناطق الخضراء ينحصر بإعلانها عن مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين على أنها أراضٍ خضراء، وحتى إن بدأت بتحريجها فهذه تندرج ضمن أساليب التمويه، لأنها ستقوم بالمخطط التعديلي اللاحق بتحويلها إلى أراضٍ غير خضراء لصالح المستوطنات.


وبهذه الطريقة تحقق إسرائيل مكسباً سياسياً غير معلن عنه يتمثل بتحديد الكثافة السكانية في شرقي المدينة المحتلة، وحصر تواجد المقدسيين في مناطق معينة تعاني من الكثافة السكانية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل تستخدم الأراضي الخضراء في الوقت الحالي كفاصل بين المستوطنات وأراضي الفلسطينيين في طريقة للفصل العنصري الغير معلن.


وبالعودة إلى قرية العيساوية، يرى درويش درويش مختار القرية، أن القرار في حال تمت المصادقة عليه واستئناف تنفيذه، فإنه سيخنق القرية التي تعاني أصلاً من الاكتظاظ السكاني، خاصة وأن الجهة الجنوبية هي المنفذ الوحيد للتوسع العمراني لأهالي القرية، حيث يوجد في جهتها الشمالية مكبٌ للنفايات على مساحة 500 دونم، وفي الشرق حاجز مخيم شعفاط العسكري ومعسكرٌ لحرس الحدود الإسرائيلي.


ولم يكتفِ الاحتلال بعمليات المصادرة هذه، حيث جرفت آلياته 12 دونما مزروعة بمختلف أنواع الفاكهة، كما هدمت في ذات المنطقة بركسًا للمواشي وجرفت كل ما كان موجودا في هذه المساحة، إلى جانب جرفها لثماني دونمات في منطقة "خلة العجوز" الواقعة بين قريتي العيساوية والطور، كانت قد زُرعت بالأشجار المثمرة، ولا زالت ملفات هذه الأراضي تراوح مكانها في المحاكم الإسرائيلية.


نبذة تاريخية


تبلغ مساحة القدس الشرقية التي ضمت إلى إسرائيل بعد حرب عام 1967، 72 كيلو مترا مربعا، وهي مخططة للتطوير العربي الفلسطيني ومع ذلك فإن 36.4% من هذه المناطق المخططة ما زالت تعتبر مناطق خضراء أو محميات يمنع التطوير الفلسطيني فيها.


وبحسب التفكجي فإن 13% فقط من مساحة القدس مخصصة للوجود الفلسطيني حالياً، أما المناطق الخضراء والمفتوحة فتستخدم كآلية لضبط التطوير الحضري لكنها في الحقيقة لا تخدم المقدسيين في الغالب، ويمكن أن يتم تحويلها لاحقا الى مستوطنات إسرائيلية كما هو الحال في شعفاط حيث بنيت على جزء من أراضي القرية مستوطنة "راموت شلومو".


وترجع قصة "رامات شلومو" بحسب التفكجي إلى العام 1973 حيث تم الإعلان عن المخطط الذي تمت المصادقة عليه عام 1991، وهدفه تحويل جزء من المخطط (ب 3000) الذي أعد عام 1985، والذي أعتبر هذه المنطقة خضراء مفتوحة ولكن تم لاحقا تحويلها إلى منطقة سكن لليهود حسب مخطط العام 1973.


أما جبل أبو غنيم، فيشير رئيس دائرة الخرائط إلى أن أراضيه أعتبرت مناطق خضراء وفق المخطط عام 1968، واستكملت في العام الذي يليه عمليات التحريج فيها كمنطقة محمية حرجية. وفي العام 1990 تم الإعلان عن استملاكها تحت حجة المصلحة العامة بموجب قرار صادر عن وزير المالية، وتمت المصادقة على المخطط التفصيلي رقم 5053 عام 1996، وحُولت بموجبه المنطقة الحرجية إلى منطقة سكن وتطوير، وأقيمت 6500 وحدة سكنية على مساحة المخطط البالغة 2058 دونما، مع العلم أن مساحة الاستملاك كانت حوالي 1850 دونما وبهذا تم القضاء على الأراضي الخضراء.

التعليـــقات