يواجه العالم خمسة تحديات رئيسة، يحمل الأول والثاني طابعاً اقتصادياً، وفقاً لتقرير «الأخطار العالمية» للمنتدى الاقتصادي العالمي. وتشكل مستويات ارتفاع الدخل وتفاوت الثروات، إحدى المحاور التي يجيب عليها المشمولون بالاستطلاع الواردة نتائجه في التقرير، لأنهما «الاتجاهان الأهم في تحديد التطورات العالمية على مدى السنوات العشر المقبلة». ويدلّ ذلك على «الحاجة إلى إنعاش النمو الاقتصادي»، لكن «ازدياد النزعة الشعبوية المناهضة للمؤسسية تشير إلى اجتياز المرحلة التي كان يمكن خلالها حلّ الكسور المنتشرة في المجتمع، ويجب أن يكون إصلاح رأسمالية السوق الموضوع الأول في سلم الأعمال».
ورأى أن «الاتجاهات المجتمعية لزيادة الاستقطاب وتكثيف الشعور القومي هي من بين الأولويات الخمس، مع المفاجآت الانتخابية خلال العام الماضي، مع صعود أحزاب كانت مهمّشة لتشدد على السيادة الوطنية والقيم التقليدية في أنحاء أوروبا وخارجها، لذا فإن التحدي التالي يتمثل بمواجهة أهمية الهوية والمجتمع وإدراكهما».
وعلى رغم ميل السياسات المناهضة للمؤسسية إلى إلقاء اللوم في تدهور فرص العمل المحلية على العولمة، لفت التقرير إلى أن الدلائل تفيد بأن «إدارة التغيير التكنولوجي تمثل التحدي الأهم لأسواق العمل». في حين «أثبت الابتكار تاريخياً تمكّنه من خلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن تدمير البعض القديم منها، لكن يمكن أن يشهد ذلك تباطؤاً». وعليه، اعتبر أن «تزامن كل هذه الأمور (تحديات التماسك الاجتماعي وشرعية صناع السياسات) مع مرحلة مدمرة من التغير التكنولوجي ليس صدفة».
وأشار التقرير إلى تحد خامس «يكمن في حماية أنظمة التعاون العالمي وتعزيزه»، راصداً أمثلة عن دول «تسعى إلى الانسحاب من مختلف آليات التعاون الدولي». ولعلّ التحوّل الدائم من نظام عالمي ينطلق من العالمية إلى آخر ينطلق من المحلية، «هو أمر ينطوي على شيء من التطوير التخريبي». ولفت إلى أمثلة «واضحة تتجلى يوماً بعد آخر في مجالات كثيرة، كأزمة سورية وأفواج المهاجرين التي تدفقت منها، ما يجعل من أهمية التعاون العالمي أكثر إلحاحاً خصوصاً للتصدي للأخطار المترابطة بهذا الشكل».
ويزخر مجال البيئة، وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، بـ «تحديات أيضاً تتطلب تعاوناً عالمياً، ويظهر ذلك في الاستطلاع. إذ ظهرت خلال العقد الماضي أخطار متصلة بالبيئة، منها الظواهر الجوية خصوصاً المتطرفة وفشل التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، فضلاً عن أزمات المياه، وبرزت كسمة أساسية متكررة لمشهد الأخطار العالمية». واعتبر أنها «مرتبطة في شكل كبير بأخطار أخرى مثل الصراعات والهجرة».
في التحديات الاجتماعية والسياسية، رصد التقرير أسئلة طرحها كثر حول احتمال ان تمثل «أزمة الأحزاب السياسية الرئيسة في الديمقراطيات الغربية أزمة أعمق مع الديموقراطية ذاتها». وعزا هذه الأسئلة إلى ثلاثة أسباب، هي آثار التغير الاقتصادي والتكنولوجي السريع، وتعميق الاستقطاب الاجتماعي والثقافي، وظهور جدل post truth السياسي». ورأى أن هذه التحديات التي تواجه العملية السياسية «تستدعي التركيز على المسائل المتعلقة بكيفية جعل النمو الاقتصادي أكثر شمولاً، وكيفية التوفيق بين تنامي النزعة القومية في المجتمعات المختلفة».
ويتعلق الخطر الأساس الثاني بالمجتمع والسياسة، «ويبحث في معاناة القمع الحكومي التي تشهدها منظمات المجتمع المدني والناشطون من الأفراد في شكل متزايد في المجال المدني، بدءاً من فرض قيود على التمويل الأجنبي ومروراً بمراقبة نشاطات الأفراد على شبكة الإنترنت، وحتى العنف الجسدي. وتجلّى أثر نتائجها في الأوساط الأكاديمية والخيرية والإنسانية، ولديها القدرة على زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، على رغم أن الهدف المعلن لهذه التدابير هو للحماية ضد التهديدات الأمنية».
ومن القضايا الناتجة عن تفاقم السخط على الوضع السياسي والاقتصادي الراهن، هو أن «أنظمة الحماية الاجتماعية تعيش في مرحلة الانهيار، إذ يحلل الخطر الثالث، كيف يتزامن نقص التمويل من أنظمة الدولة، مع تراجع خطط الحماية الاجتماعية المدعومة من رب العمل».
واقترح التقرير بعض الابتكارات التي «ستزداد الحاجة إليها لملء الفجوات الظاهرة في نظم الحماية الاجتماعية للأفراد، والتي تُحملّنا تكاليف اقتصادية أكبر في حالة الأخطار الاقتصادية والاجتماعية، والمتمثلة بالبطالة والإقصاء والمرض والعجز والشيخوخة».
وخُصص الجزء الأخير من التقرير للحديث عن إدارة الثورة الصناعية الرابعة، الذي يستكشف العلاقة بين الأخطار العالمية والتكنولوجيات الناشئة من الثورة الصناعية الرابعة. إذ اعتبر أن «في حال العمل على بناء القواعد والأنظمة والمعايير والحوافز والمؤسسات والآليات الأخرى الضرورية لصياغة هذه التكنولوجيات وتطويرها ونشرها، فإننا نواجه تحدي حوكمة ملحّاً».
ولاحظ أن «مسألة حوكمة التكنولوجيات الناشئة غير متجانسة حالياً، إذ يخضع بعضها لتنظيم كبير، فيما لا يكاد البعض الآخر يخضع لأي تنظيم، لأنها لا تندرج تحت اختصاص أي من الهيئات التنظيمية». وأكد المشاركون في الدراسة المسحية، أن «اثنتين من التكنولوجيات الناشئة تحتاجان إلى حوكمة أفضل، وهما التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي والروبوتات». إذ تميل التكنولوجيا الحيوية «إلى أن تكون على درجة عالية من التنظيم، لكنها في الوقت ذاته بطيئة الحركة. فيما لا تزال الحوكمة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات سطحية نوعاً ما».
الحياة اللندنية