رئيس التحرير: طلعت علوي

غاز شرق المتوسط في 2017

الأحد | 11/12/2016 - 05:53 صباحاً
غاز شرق المتوسط في 2017

 

وليد خدوري 

 

تطور شركة «إيني» النفطية الإيطالية حقل «ظهر» المصري الذي يضم احتياطاً من الغاز يبلغ نحو 32 تريليون قدم مكعبة، ليصبح مركزاً إقليمياً للغاز في شرق المتوسط، خصوصاً بعد استكمال ربطه مع الحقول القريبة ذات الاحتياطات المحدودة نسبياً. وتخطط «إيني» لاستخدام المنصة والأنابيب عند «ظهر» لتصبح محور الصادرات من حقول شرق المتوسط التي لا تملك الجدوى الاقتصادية الكافية للتصدير إلى أوروبا. مثلاً، هناك حقل «أفروديت» القبرصي الذي يضم احتياطات بنحو 4 - 5 تريليونات قدم مكعبة تكفي لاستهلاك قبرص الداخلي، لكن المتبقي من الاحتياط لا يكفي لتشييد مشروع تصدير ببلايين الدولارات إلى أوروبا.


وتخطط «إيني» لاستخدام غاز «ظهر» لتأمين الإمدادات الكافية لاستهلاك مصر الداخلي. فالسوق المصرية ثاني أكبر سوق للغاز في شرق المتوسط بعد السوق التركية. ومصر في حاجة ماسة لمزيد من الغاز لتحقق توازناً في ميزان العرض والطلب في مجال الغاز. بالنسبة إلى الطلب، هناك ازدياد سكاني سنوي كبير وهناك ارتفاع لمعدلات الاستهلاك، إذ إن أكثر من 90 في المئة من محطات الكهرباء تغذى بالغاز، وهناك توزيع للغاز من خلال شبكة أنابيب لمناطق كثيرة، بالإضافة إلى تغذية المعامل. وهناك معملان لتصدير الغاز المسال توقفا قبل فترة بسبب العجز في إمدادات الغاز. ولا يتوقع أن تحقق مصر توازناً في العرض والطلب قبل 2020، وهذا يعني أنها ستبقى في حاجة مستمرة لإمدادات غاز إضافية، منها الإمدادات من حقل «ظهر» وغيره. ويتوقع إنتاج الغاز من حقل «ظهر» خلال 2019.


يقع حقل «ظهر» في أقصى شمال المياه المصرية، على بعد نحو خمسة كيلومترات عن المياه القبرصية. وتكمن أهمية الحقل في أن مكمن الغاز يقع في طبقة كلسية لم يتوقع سابقاً وجود الهيدروكربون فيها. وفتح الاكتشاف آفاقاً جديدة مهمة لاكتشافات في طبقات مماثلة في شرق المتوسط. ولهذا نشاهد اهتمام كبرى شركات النفط العالمية التي قدمت عروضاً للاستكشاف والإنتاج في جولة التراخيص الثالثة القبرصية. وتقع كل المناطق المفتوحة في مياه قبرص الجنوبية المحاذية لحقل «ظهر». وستعلن نتائج جولة التراخيص الثالثة خلال الربع الأول من 2017.


وبدأت تتضح معالم سياسات إسرائيل في مجال الغاز وأهمها إعطاء أولوية التصدير الآن لدول الشرق الأوسط المجاورة، خصوصاً تركيا والأردن ومصر. وأسباب تفضيل أولوية هذه الأسواق اقتصادية وجيوسياسية، فالشركات النفطية العاملة في إسرائيل في حاجة ماسة إلى سيولة نقدية لتطوير الحقول المكتشفة في المياه العميقة الباهظة التكاليف، ذلك أن تطوير المرحلة الأولى لحقل «ليفاياثان» يتطلب نحو ستة بلايين دولار، وتضطر الشركات التي تطور الحقل إلى الاقتراض من الأسواق العالمية. وهي في حاجة ماسة إلى عقد «بيع وشراء» تقدمه كضمان في مقابل الحصول على القروض. ونالت «نوبل إنرجي» قرضاً بقيمة 5 بلايين دولار بعيد توقيعها أخيراً عقداً مع «شركة كهرباء الأردن». وهذا يعني أن عقود البيع للدول العربية تساهم في تطوير الحقول الإسرائيلية. وتحتاج الشركات العاملة في إسرائيل إلى تخفيض نفقاتها في ظل انخفاض الأسعار لذلك تتجه إلى الأسواق القريبة التي لا تحتاج إلى تكاليف باهظة.


وانتهزت إسرائيل ظروفاً اقتصادية صعبة في الأردن ومصر لدخول أسواق هذين البلدين. توقفت صادرات الغاز المصرية إلى الأردن بعد النسف المستمر في العريش لأنبوب الغاز العربي. واضطر الأردن إلى استيراد منتجات أعلى كلفة. أما مصر، فعانت اختلالاً كبيراً في ميزان العرض والطلب، ما اضطرها إلى تجميد مشاريع تصدير. وعانت في 2016 انقطاعات في الكهرباء بسبب نقصان الغاز. وعلى رغم اكتشاف «ظهر» في آب (أغسطس) 2016، ستبقى مصر معتمدة لسنوات على استيراد الغاز، وهي تستورده من روسيا والجزائر. وهناك مفاوضات من إسرائيل. ويستورد الأردن من قطر.


وانتهزت إسرائيل الطلب المتزايد على الغاز في الدول العربية، وغياب تجارة الغاز العربية، للتغلغل في قطاع الطاقة العربي. لكن مصر والأردن يحاولان تنويع المصادر، إما باستيراد الغاز من دول كثيرة أو تطوير بدائل مستدامة. لكن هذين البديلين غير كافيين لحد الآن. ونشبت خلافات خلال 2014 - 2016 بين سلطات إسرائيل والشركات النفطية العاملة فيها، حول طبيعة الاتفاقات المبرمة. اتهمت هيئة مكافحة الاحتكار الإسرائيلية الشركات، بعد اكتشافها وتطويرها الحقول، أنها امتلكت قدرة لاحتكار أسعار الغاز والكهرباء في إسرائيل. وأدى الخلاف إلى ابتعاد الشركات الدولية عن العمل في إسرائيل. لكن إسرائيل بادرت إلى تسوية الخلاف، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي اعتبر المواجهة مع الشركات النفطية تحدياً يضر المصالح القومية الإسرائيلية، وعلاقات إسرائيل الأمنية مع الدول المجاورة.


وأسست إسرائيل هيئة ناظمة للغاز تملك صلاحيات أكبر من هيئة مكافحة الاحتكار. وبدأت الهيئة الناظمة بفتح 24 قطعة بحرية للشركات العالمية. ويتوقع فض العروض في 21 نيسان (أبريل) 2017. وهذه أول جولة تراخيص إسرائيلية منذ 5 أعوام. وتكمن أهمية هذه الجولة في التفاف إسرائيل على النزاع الذي حصل خلال العامين الماضيين مع الشركات الدولية، وفتح المجال للمرة الأولى منذ 1948 لعمل الشركات النفطية العالمية في إسرائيل. لكن ما هي ردود فعل الدول العربية، التي لا تزال تنفذ قانون المقاطعة، تجاه هذه الشركات؟ القطع البحرية الجديدة تجاور حقلي «تامار» و«ليفاياثان» ما يعني أنها تعد باحتياطات غاز مهمة. والأهم هو توقع السلطات الإسرائيلية اكتشاف احتياطات نفطية تجارية في القطع الجديدة. وفي هذه الحال سيشكل الأمر أول اكتشاف نفطي تجاري في المياه الإسرائيلية.

 

الحياة اللندنية 

التعليـــقات