رئيس التحرير: طلعت علوي

قراءة مغايرة لنتائج الانتخابات الأميركية

السبت | 12/11/2016 - 01:27 مساءاً
قراءة مغايرة لنتائج الانتخابات الأميركية


محمد خضر قرش – القدس


سينشغل المحللون خلال الشهور الثلاثة القادمة في سبر غور نتائج الانتخابات الأميركية وخاصة في كونها لم تقترب أو تتوافق مع نتائج الاستطلاعات الكثيرة التي نشرتها وسائل الاعلام المختلفة. فالعديد منها وخاصة الصحف المرموقة ومحطات التلفزة في الولايات المتحدة ذكرت بان دونالد ترامب يحتاج إلى معجزات ليست قليلة ليتمكن من تحقيق نتائج معقولة وليس النجاح. والذي تابع توقعات وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي أدرك بأن هيلاري كلينتون ستفوز وبسهولة في معظم الولايات وبالتالي فإن أجهزة الاعلام هيأت الشعب الأميركي لهزيمة ترامب.

لكن الأخير قلب كل التوقعات وأدار ظهر المجن لكل استطلاعات الرأي العام ووسائل الاعلام. والسؤال هو كيف تمكن من تحقيق هذا الانتصار الكاسح وغير المسبوق والمتعاكس تماما مع كل نتائج الاستطلاعات التي أجرتها المؤسسات الأميركية دون غيرها؟ من المؤكد أن سلوكيات وأفكار وممارسات وتصريحات وعنصرية ترامب وجدت صدى إيجابيا لها لدى قطاعات واسعة من الشعب الأميركي ذو الأصول الانجلو سكسونية، البيض بالدرجة الأساس في ولايات الغرب الأوسط الأميركي حيث تعيش غالبية من البيض غير المتعلمين. مما جعلهم يذهبون إلى صناديق الاقتراع وينتخبوا ترامب، رغم علمهم ويقينهم بأنه غير أخلاقي وبالأدق لا يقيم للأخلاق وزنا. ومن المفيد جدا في البداية ولخدمة السياق العام لعنوان المقال أن نوضح وبالأدق نشير إلى الذهنية والعقلية العنصرية اليمينية والمحافظة التي اتسمت به حملته الانتخابية وبياناته وخطبه العديدة بما فيها مناظراته التلفزيونية. 


عُرف ترامب على نطاق واسع بالعنصرية وعزمه على بناء الجدران مع المكسيك وحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. كما عُرف عنه تحقيره للنساء وازدرائهن. فقد قال عنهن كلاما قاسيا نخجل من إعادة ذكره وهو منشور على صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي لمن يريد أن يعرف حقيقة هذا الشخص. فالنساء لديه للمتعة فحسب وهذا لا يختلف عن نظرة العديد من رجال الدين والمحافظين. وقد هدد مرات عديدة سواء عبر المناظرات او التصريحات بمقاضاة خصومه لكونهم سيعمدون إلى تزوير الانتخابات. كما هدد غير مرة بتقييد الصحافة، لكونها قد ناصبته العداء منذ البداية وحاولت التأثير على الرأي العام ونتائج الاستطلاعات. كما تعهد علنا بتخفيض الضرائب وبشكل خاص على الأغنياء والاثرياء ورفضه لشمول المواطنين بالرعاية الصحية الشاملة. بالإضافة إلى تصريحاته إزاء البرنامج النووي الإيراني والحرب التجارية مع الصين والخروج من حلف شمال الأطلسي كما أعلن مرارا عن وقوفه مع الاحتلال الإسرائيلي وعزمه عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس والأخيرة باتت ممجوجة ومشروخة تتكرر مع كل مرشح للرئاسة.


فزاعة القيم والأخلاق الأميركية
في مقال رائع للكاتب وسيم ابراهيم نشرته جريدة السفير اللبنانية يوم 10/11مستندة إلى مسح دوري واسع للرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية نشر في مجلة فصلية ويشرف عليها نخبة من الباحثين المرموقين، حيث دقت الدراسة جرس الإنذار من خلال تطرقها لما أسمته بسرطان أصيب به النظام الديمقراطي الغربي.واستنادا إلى الاستبيانات اتضح ان" هناك تناميا واسعا وملموسا لدى قطاعات واسعة من المواطنين يبدون فيه عدم رضاهم على طريقة حكمهم وباتوا منفتحين على نحو مدهش على البدائل غير الديمفراطية مما يدفعهم نحو دعم البدائل الاستبدادية" وبكلمات وعبارات واضحة "أظهرت الدراسة أن القاعدة الشعبية المتنامية لا تمانع بوصول زعماء لا يكترثون بالبرلمان أو بالانتخابات أو الاخلاق.

أكثر من ذلك، لا يمانعون بأن يستولي الجيش على الحكم إذا كانت الحكومة عاجزة. فالرعب الذي أصاب أوروبا بعد فوز ترامب يؤكد أنها تتحسّب للآتي الأخطر  وخاصة وأن في أوروبا جذور قوية وعميقة وكامنة في أسس أنظمتها لا تقل تطرفاً أبدا عن ظاهرة ترامب.  فقادة اليمين في أوروبا أقاموا الاحتفالات المؤيدة والمساندة والداعمة له بعدما تلقوا هديّة من السماء ومن أرض العم سام بلد الحريات الواسعة المحتوية على أمم وجنسيات من كل بقاع الأرض تقريبا. فالأوربيون يتجهزون من الان لمعارك انتخابية عامة وحاسمة في العام المقبل ومن ضمنها فرنسا وألمانيا وهولاندا. وهنا تكمن خطورة النتائج المتوقعة على مسار الاستمرار بالحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وما سيلحق أو يستتبعها من تفشي ظاهرة العنصرية من جديد.

لقد اكدت الانتخابات الرئاسية الأميركية مدى سراب واوهام ما كانوا يسوقونه لنا ولغيرنا حول القيم والأخلاق والمعايير للأمة الأميركية. لقد تم انتخاب ترامب رغم علم الجميع بانه فاسق وكاذب ولا يقيم وزنا للأخلاق والديمقراطية ويحتقر النساء ويقلل من شأنهن ويتفاخر بانه يستطيع مداعبة أي امرأة ويروضها كما تروض الخيول، ورغم ذلك ذهبت نسبة لا بأس بها من النساء إلى صناديق الاقتراع وانتخبن ترامب كما فعل الرجال من الأصول الانجلو سكسونية. لقد أحدث انتخاب دونالد ترامب شرخا كبيرا وهوة عميقة لم يعد الكلام المنمق عن القيم والمعايير الغربية قادرة على تمرير حقيقة الأزمة الكبيرة التي بدا العالم الرأسمالي كله يعاني منها. فالنظام الرأسمالي شيطان رجيم لا يرحم تماما كجرافة كاتربلر ضخمة تطحن وتهرس كل القيم والمبادئ والمعايير والاخلاق. هنا العلة والمصيبة والكارثة التي بتنا نقف على الطرف او الجانب الأضعف منها لأننا سنكون بحكم وضعنا اول من ستؤثر عليه جرافة الهضم إذا بقينا نضع رؤوسنا في الرمال ونتجاهل كل ما يجري حولنا ونقول ما في شيء.

انتخاب الانجلو سكسون لترامب رغم كل ما يعرفونه عنه من عنصرية وحقد واحتقار للنساء والانحياز العلني للأثرياء يعكس حالة وبالأدق مرحلة من اللاسامية بين الغرب والشرق أو قل بين حضارة كانت تدعي بانها تحتكم إلى المعايير والقيم والأخلاق والديمقراطية وحقوق الانسان وهي القوية والمتحكمة في العالم وحضارة شرقية أضاعت بوصلتها وهويتها وبقيت ذيلا وملحقا للأولى ولم تعد تتذكر انها كانت مهد الحضارات والقيم وحقوق الانسان ومصدر القوانين والشرائع وأصل الخليقة. وقد وصف نعيم تشومسكي ظاهرة ترامب بانها فريدة من نوعها لم تتكرر مطلقا في أي من الأمم الصناعية الغربية المتقدمة. وقال "بأن بعض المرشحين من الحزب الجمهوري كانوا شعوبيين وعنصريين أكثر من ترامب مثل ميشيل باكمان وريك سانتورم وهيلمن كين، لكن قيادات الحزب وقواعده تمكنوا من التدخل للجمهم في هذه المرحلة". وختم المفكر الأميركي في رده على سؤال عن علاقة المشكلات، كانعدام المساواة والعنصرية والفجوات الاجتماعية وصراعات الهوية التي تواجهها الولايات المتحدة حاليا، قائلا: هؤلاء الذين يؤيدون ترامب ليسوا من الفقراء؛ أغلبهم من الطبقة العاملة البيضاء، الذين عانوا التهميش خلال حقبة النيوليبرالية، ولنكن أكثر دقة؛ منذ بداية عصر رونالد ريغان" وأضاف لقد “تم التخلي عن هذه الطبقة بكل بساطة. وصار الأمر يتعلق أكثر بالرواتب، فيما لا يريد أحد أن يتذكر أنه خلال عهود نمونا كانت الرواتب مرتبطة بإجمالي الناتج المحلي وبالإنتاجية. هذا العهد قد ولى منذ منتصف السبعينات (من القرن الماضي). كل شريحة من المجتمع تم التخلي عنها، وصارت معلقة.

هذه الشرائح تشعر الآن بالمرارة وتضمر أحقادا”. لقد نمت الشعوبية والقوميات المتطرفة والتي تفرز عادة المستبدين “وهذا ما حصل في المانيا النازية وإيطاليا الفاشية. وعن خطورة هذه الظاهرة يقول تشومسكي إن الأمر “يتعلق بالتغيير الجذري الذي يطرأ على المنظومة السياسية؛ فالولايات المتحدة في الحقيقة هي دولة الحزب الواحد، ذي الوجهين السياسيين؛ أحدهما جمهوري والآخر ديمقراطي. وفي الحقيقة، فالأمر لم يعد على هذا النحو: لا زلنا بالفعل دولة حزب واحد، ولكنه حزب رجال الأعمال، الذي ليس له سوى وجه واحد، ولم يعد مهما ماذا يسمى، بعد أن اتجه الحزبان نحو اليمين. قبل عقدين من الزمن كان بالإمكان أن تصبح هيلاري كلينتون الخيار الأفضل بالنسبة إلى التيار المعتدل بين الجمهوريين”.

الولايات المتحدة مقبلة على تغييرات وانقلابات في المجتمع المتعدد القوميات والأعراق مما ينذر بحصول صراعات لن تكون سهلة بل وقاسية على العالم اجمع مما سيحبر العديد من الدول المماثلة لأميركا (كندا واستراليا وفرنسا ودول أوروبية اخرى) إلى وقف الهجرة إليها لإبقاء التجانس في مجتمعاتها قدر الامكان. ومن أبرز الدروس التي يمكن الاستفادة منها هي أن على دول الخليج العربي التي تعاني من خفة سكانية محلية أن توقف تدفق المهاجرين وخاصة الأسيوية، إليها والذين يصل عددهم إلى أكثر من أربعة أضعاف المواطنين المحليين. وأخيرا فالساحة الدولية ستشهد تداعيات فوز ترامب وستكون خطيرة علينا وعلى غيرنا، هذا إذا ما قدر له البقاء في الحكم.

التعليـــقات