اصدر صندوق النقد الدولي بيانا حول قال فيه إنه ما تزال أمام الاقتصاد الفلسطيني تحديات كبيرة، رغم بعض التطورات المواتية التي حدثت في العام الحالي. فمع الزخم الذي شهدته أعمال إعادة الإعمار الممولة من المانحين، تلقى النشاط الاقتصادي دفعة حافزة في الربع الأول من 2016، حيث ارتفع النمو في غزة إلى 21%. وفي نفس الفترة، وصل النمو في الضفة الغربية إلى 4.2%، مما يعكس مرونة الاستهلاك الخاص. ولكن فرص العمل لا تزال ضئيلة وقد بلغ معدل البطالة قرابة 27% في نهاية مارس الماضي. وتتسم الأوضاع بالصعوبة البالغة في غزة، حيث يعاني ثلثا الشباب من البطالة، مما يزيد من المعاناة الاجتماعية والوضع الإنساني العصيب بالفعل.
وأضاف البيان الذي اصدرته بعثة الصندوق برئاسة كارين اونغلي بعد زيارة لها لتقييم آخر التطورات الاقتصادية في الضفة الغربية وغزة والموقف المالي للسلطة الفلسطينية، أن الضغوط المالية العامة قد خفت في النصف الأول من العام بفضل قوة أداء الإيرادات. فبالإضافة إلى جهود السلطات لتحصيل الإيرادات المحلية، أدى الحوار الجاري بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل إلى زيادة تحويلات إيرادات المقاصة. وساعد هذا في تحسين رصيد المالية العامة رغم الضغوط الناشئة عن زيادات الأجور غير المدرجة في الموازنة وتكلفة الإحالات الطبية التي يتعذر التنبؤ بها. وقد خفضت السلطات الاقتراض من البنوك وواصلت سداد متأخراتها القديمة للقطاع الخاص. وفي نفس الوقت، استمر تراجع المساعدات من المانحين وزادت صعوبة التمويل، حيث تراكمت بعض المتأخرات الجديدة وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بعام 2015.
وتابع البيان: وبالنظر إلى المستقبل، تبدو آفاق النمو مثقلة بالمخاطر الاقتصادية والسياسية. ومع افتراض استمرار المشهد الأمني الحالي، يرجَّح أن يصل النمو إلى نحو 3.25% في عام 2016، هبوطا من 3.5% في 2015، ومتوسط 3.5% على المدى المتوسط – وهو مستوى لا يكفي لخلق الوظائف المطلوبة أو تحقيق زيادة مؤثرة في الدخل الفردي.
وعلى ذلك، اعتبر البيان أن استمرارية أوضاع المالية العامة وتحقيق الرخاء الاقتصادي يتطلبان بالضرورة بذل جهود لوضع رؤية للسياسات على المدى الأطول وتشجيع التعاون الاقتصادي. وتعكف السلطة الفلسطينية على وضع جدول أعمال السياسات الوطنية للفترة 2017-2022، والذي يحدد أولويات السياسات في ثلاثة مجالات أساسية: المسار نحو الاستقلال، وإصلاح الحوكمة، والتنمية القابلة للاستمرار. ولتحقيق أولويات السياسات المحددة في جدول الأعمال، من المهم أن تكون هذه الأولويات متسقة تماما مع موازنة 2017، بما يوفر أساسا أقوى لتعزيز مشاركة المانحين.
وأضاف أنه مع استمرار إجراءات السلطات لتأمين استمرارية المالية العامة، يُتوقع انخفاض العجز الدوري بنسبة 1.8 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي هذا العام، مما يعكس استمرار الإدارة الناجحة للميزانية في بيئة بالغة الصعوبة. وتعمل السلطات على اتخاذ خطوات لسداد متأخرات موردي القطاع الخاص، الأمر الذي يتطلب الإدارة الكفء للسندات الإذنية الصادرة مؤخرا. غير أن هناك صعوبة في تحقيق هذا الهدف نظرا لانخفاض مساعدات المانحين وما أسفر عنه من فجوة تمويلية كبيرة تكاد تصل إلى 500 مليون دولار.
واعتبر البيان أن لكل الأطراف دور في ضمان ضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط بصورة تدريجية وداعمة للنمو. وينبغي أن تواصل السلطة الفلسطينية العمل على تعبئة الإيرادات واتخاذ خطوات لترشيد الإنفاق مع حماية أفقر شرائح السكان. ويمكن أن يؤدي تعزيز إدارة المالية العامة، وهي إحدى الركائز في جدول أعمال السياسات الوطنية، إلى تيسير استخدام الموارد المالية الشحيحة بصورة أكثر كفاءة. ومن الضروري أن يتراجع الهبوط الراهن في مساعدات المانحين لتحرير موارد توجه للاستثمار وتجنب تقليص الميزانية بسرعة مفرطة. ونحن ندعم السلطة الفلسطينية في جهودها الرامية لزيادة الإيرادات وتحسين إمكانية التنبؤ بها من خلال الحوار الجاري مع إسرائيل.
وأشار البيان أنه يمكن أن يكون استمرار سلامة القطاع المالي، بدعم من الرقابة القوية، بمثابة ركيزة للتقدم الاقتصادي المستمر. وفي هذه الآونة، تمثل إمكانية قطع علاقات المراسلة المصرفية من جانب إسرائيل تهديدا أساسيا للاستقرار المالي. وتتخذ سلطة النقد الفلسطينية منهجا استباقيا في معالجة هذا الخطر من خلال تعزيز إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما يتسق مع المعايير الدولية وبدعم من المجتمع الدولي. ومع تجنب الاضطرابات، سيتسنى الحفاظ على كفاءة عمل نظام المدفوعات والعلاقات التجارية، والمساعدة في منع المعاملات غير الرسمية التي تضعف إيرادات المالية العامة بشكل ملحوظ. ونرحب بجهود سلطة النقد الفلسطينية في مراقبة سلامة البنوك عن كثب، بما في ذلك حجم قروضها للسلطة الفلسطينية، ومراقبة النمو القوي في الائتمان الموجه للاستهلاك ولأعمال البناء التي يقوم بها القطاع الخاص.
وختم البيان بالقول: يدرك خبراء الصندوق أن التقدم في عملية السلام والمصالحة الوطنية مطلب أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية. وتشير تحليلاتنا إلى أن الاتجاه العام للنمو في الضفة الغربية وغزة كان يمكن أن يحقق ارتفاعا كبيرا في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي مقارنة بالتوقعات الحالية – بزيادة تصل إلى 80% تقريبا في أحد السيناريوهات – لولا القيود وعدم اليقين اللذان يفرضهما المشهد السياسي طوال العشرين عاما الماضية. وتمثل هذه الفجوة دافعا قويا لتجديد الجهود حتى تتبلور آفاق سياسية قابلة للاستمرار تعود بالنفع على كل الأطراف. وحتى ذلك الحين، سيكون انحسار الاتجاه التنازلي الراهن في دعم المانحين للميزانية بمثابة عامل مساعد للحيلولة دون زيادة تدهور الظروف المعيشية وتحرير موارد يتم توجيهها للاستثمار.