رئيس التحرير: طلعت علوي

ملاحظات عامة وأولية حول قانون الضمان

الثلاثاء | 17/05/2016 - 09:40 صباحاً
ملاحظات عامة وأولية حول قانون الضمان

بقلم وضاح الخطيب

لاسباب عديدة مجتمعة، أوردها تاليا، ولكثير غيرها، لانها غيض من فيض. أجد أني اقف بقوة في جهة المعارض لتطبيق قانون الضمان رقم 6 لسنة 2016 .حيث لم أجد اية صلة بين القانون والضمان سوى الإسم ، وهذا ما يقلق جمهور العاملين المشمولين بهذا القانون. و يؤرق كل المهتمين بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا. مع التأكيد أني أقف الى جانب كل ابناء شعبنا بالتطلع نحو دولة مدنية مستقلة ،يحظى  فيها كل الناس  بأفضل ضمان اجتماعي شاملا التأمينات الصحية والبطالة والشيخوخة. ويتصف بالانصاف والاستدامة والشفافية والكفاءة.

فبعد التمعن بنص المادة (2) من القانون " يهدف هذا القرار بقانون لتوفير منافع التأمينات الاجتماعية للمؤمن عليهم وعائلاتهم بالاعتماد على مباديء الانصاف والاستدامة والشفافية والكفاءة" . لم  أجد في القانون انصافاً ،ولم تُثبِت كل الجهات التي عملت على صياغة القانون والترويج له قدرته على الاستدامة، بل هناك ما يبرر الشك في ذلك بقوة. أما الشفافية فكانت منعدمة .

وتجلى ذلك بمظاهر عدة، منها كل ما يتعلق بالدراسة الاكتوارية،وعدم نشرها للعلن ، ولا إشهار نطاق العمل الذي كُلِفَ به الاكتواري ، ومن غير الجائز أصلا أن تكون الدراسة الاكتوارية تخص المنتفعين ( العمال ) ويتم التعامل معها بسرية مطلقة. وهي مصدر اثبات الاستدامة إن وُجِدَت، ولم يتم توضيح الاسس الحسابية التي استند اليها الاكتواري . ويدعم كذلك بطلان الشفافية أن القانون تم بحثه بغرف مغلقة، دون اشراك الجمهور بذلك، وهو حق له لا يجوز انتقاصه. وكلنا يعرف ان المجتمعين ليسوا ممثلين حقا لجمهور العمال والعاملين.

وبمراجعة المادة (3) من القانون يظهر بأن تأمينات الشيخوخة والعجز والوفاة واصابات العمل والامومة تطبق عند مباشرة التنفيذ أما( تأمينات المرض، الصحي،  البطالة و التعويضات العائلية ) مؤجلة، لتطبق على مراحل بموجب أنظمة تصدر عن مجلس الوزراء . فما التأمينات المستجدة التي قدمها القانون؟!

وما زاد في اثارة الشكوك، سرية النسخة التي تم بحثها في مجلس الوزراء. وعزز تلك الشكوك، قرار مجلس الوزراء بترحيل وتأجيل بحث الخلافات لما بعد مباشرة المؤسسة عملها. وحتى القرارات اللاحقة بتشكيل لجان للبحث، لم يتم اعلام الجمهور عن ماهيتها، ولا عن ألاطراف المشاركة ، ولا آليات عملها.

لقد ترك القانون رقم (6/2016) العامل منفردا أمام صاحب العمل فيما يتعلق بحقوقه العمالية السابقة ، ولم يضع سقف زمني لسدادها ،ولا أوجب التسديد الفوري لها، ولم يضع اية آليات لضمان تحصيل العامل لمستحقاته المالية ، ولم يتطرق لوجوب اشراف وزراة العمل على تحصيل هذه الحقوق ، وتركها عائمة        ( "وفقا لتسوية" حسب النص في القانون) . واشار القانون كذلك لخدم المنازل بانه سيتم شملهم بنظام يصدر لهذه الغاية لاحقا. فهل ستبقى حقوهم وفقا لقانون العمل ؟ ومتى سيصدر النظام الخاص ؟ ومن سيصدره ؟ . واستثنى القانون في المادة (5) العمال الذين تكون علاقتهم بصاحب العمل غير منتظمة .فهل سيبقى قانون العمل هو الناظم لعلاقات عملهم؟ أم ستسود علاقاتهم حالة من الضبابية؟ والواجب يحتم أن يشتمل القانون على  اجابات واضحة ومطمئنة لهذه الفئات، وعن هذه الحالات وغيرها الكثير.

كما يلفت الانتباه بشدة أن اللجان الطبية التي سيتم اعتمادها وفقا للقانون المذكور ، غير محايدة، حيث يتم تعيينها من مجلس الادارة . ومنع القانون رقم 6/2016 الطعن بقراراتها  أمام المحاكم النظامية وأعطاها حصانة غير مبررة قانونا.

لقد اشار القانون لمحاكم مختصة ولا يوجد حاليا محكمة مختصة ، ولم يحدد القانون آلية تشكيلها، ولا خبرات قضاتها ومؤهلاتهم. ولم يشر لمدى قطعية احكامها والحديث يطول،وقائمة التساؤلات تكبر مع كل قراءة ومراجعة لبنود القانون ،وبالنظر لتشكيلة مجلس الادارة التي اصبحت بيد موظفي الحكومة ممن لا علاقة لهم بالمؤسسة سوى الاشراف والادارة وليسوا ذوي صله بالموضوع. دون تحديد معايير واضحه ومرجعيات ثابتة. 

وأما عن آلية اتخاذ القرارات المنصوص عليها في المادة (22) من القانون فالحديث يطول . و أكثر ما يثير الدهشة ، ما نصت عليه المادة (24)  التي أعطت مجلس الادارة الحق بتفويض جزء او كل صلاحياته لرئيس المجلس او لجنة من المجلس، وقد استعنت بكل المراجع المتوفرة لأصل الى اجابة تبرر  وتفسر سبب ورود هذا النص الغريب ، فلم أجد وبالضرورة لن أجد ، لا أنا ولا اي من القراء . وبذلك استعصى علي فهم السبب الموجب لهذا النص الخطير والمرفوض.
وتبقى أمور غامضه كثيرة وردت في نص القانون ، تزيد من  وتيرة القلق لدى كل المهتمين باستقرار بلدنا الاجتماعي والاقتصادي.

وتثير مخاوف كل من سيكون لهم حقوق لدى مؤسسة الضمان المقترحة ، منها ادارة الصندوق التكميلي؟ ومن هي الجهات التي ستديره؟ وكيف ستصنف من حيث القوة والكفاءة والضمان ؟ وما هي آليات ضبط ذلك ؟ وما يثير الاستغراب ان يتم سن قوانين تنتقص من حقوق العاملين المنصوص عليها قانونا أو / و حقوقهم المكتسبة استنادا لقانون العمل الحالي. فقانون الضمان حرم العامل و ورثته عند الوفاة الطبيعية اذا لم يكن قد تجاوز  24 شهر من الاشتراكات ، فأين الحقوق العمالية لمن توفاهم الله ولم يُتموا 24 شهر اشتراك ، و السؤال المشروع ، لماذ يُغفل القانون تعويضات نهاية الخدمة  لهؤلاء، وهي حق لهم ولورثتهم، ولا يجوز انتقاص حقوق عامل عن الحد الادنى لمكتسبات قانون العمل الساري. وقد أعطى قانون العمل النافذ كل عامل حقوق تعويض نهاية الخدمة دون ان يسدد اي مساهمات ، بغض النظر عن جنس العامل. وقانون الضمان ربط الحقوق بالمساهمات. وكذلك حرم زوج المشتركة  الا اذا كان عاجزا صحيا. ولم أجد لكل ذلك تفسيرا.

يجب ان لا يقل الحد الادنى للتقاعد عن الحد الأدنى للأجور باي حال من الاحوال ، وبعكس ذلك لا مصلحة للعامل في هذا القانون. واشير الى ان قانون العمل النافذ ونموذج وثيقة تأمين العمال المعتمدة والمقرة قانوناً منعت تحديد مرافق معينه للعلاج بينما قانون الضمان فرض على صاحب العمل ان ينقل المصاب الى اقرب مشفى او جهة طبيه معتمدة من المؤسسة متراجعا عن المكتسبات الحالية، ولم يتضمن القانون ما يؤكد بان العلاج مكفول  بمشافي ومراكز وعيادات طبية خاصة وحكومية، داخل البلاد وخارجها، حسب متطلبات ومصحلة علاج المصاب الفضلى. وهذا يمثل انتقاصا من حقوق مكفولة  لكل الذين يشكل قانون العمل الحالي مظلتهم ومرجعيتهم القانونية.


ويثير استغراب المهتمين، لماذا تم تقليص مدة التقادم الواجبة، عن فترة التقادم العام (15) عاما ، الى (5) اعوام ( المادة 104 ) .  ولماذا نص القانون على سقوط حق المصاب بالتعويض نتيجة تحقيق تجريه المؤسسة ( المادة 80 ) وتعتمده ، دون أن يشير القانون لحق العامل المصاب في الطعن امام المحاكم  بتحقيقات المؤسسة  ولماذا تخضع اشتراكات المؤمن المدفوعة لضريبة الدخل، وفق المادة ( 101 ). وحاليا اشتراكات الصناديق تعفى بقرار من وزير المالية. 

أما المادة ( 116 ) و ما أدراك ما المادة (116) وما تضمنته بخصوص صناديق الادخار و ستبقى طالما بقيت عامل تشكيك كبير. ولم يحفظ قانون الضمان آلية عادله لتسوية التعويضات التعويضات السابقة لتطبيق القانون ، كأنه لم يكفي العاملين الظلم اللاحق بهم اذا تم تطبيق قانون رقم 6/2016.
وحقيقة الأمر أن القانون رقم (6/2016) يحتاج لوقفه جادة منا جميعا ، فأهم سماته التي اتصف بها البعد عن الشفافية ، والتسرع ، والظلم اللاحق بالعاملات والعاملين الذين إن سرى القانون فعليا فإنه سيشملهم ، والضرورة تحتم الخروج من عباءة التسرع في تطبيق القانون ، وتوجب الاستماع لأوسع قاعدة من الجمهور،  وتتطلب اعطاء الوقت الكافي للبحث والتمحيص، وقد تكون إعادة النظر بالقانون من أصوب القرارات التي تتخذ لحماية النسيج الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا .

وقد يكون التفكير بعد إعادة الصياغة والتشاور الخلاق، بأن يتم الاتفاق عل ىتطبيق قانون تأمينات اجتماعية بالتدرج ، ثم في خطوة تالية يكون اختياريا ، حتى نصل بعد التجربة لمرحلة التطبيق الالزامي، ضمن جدول متدرج لعديد من السنوات ،ومستندا على بناء الخبرات العملية ،وصلابة الأرضية المبنية على تقليل مخاطر التجربة لأدنى الحدود ، ودرء ألأضرار عن مجتمعنا، بالبعد عن التعنت والتسرع وعن سياسة فرض الرأي .

لقد سبب طرح القانون بمحتواه الحالي، وآلية الاعلان عنه، ومنهجية صياغته، ونمط الفوقية في الدفاع عنه ، الى وقوع شقاق ونزاع  مجتمعي عميق ، ليس لأحد في مجتمعنا مصلحة به . ويمكن ملاحظة آثار ذلك بقوة على النشاط الاقتصادي العام، وحالة الارباك التي يعيشها كل العاملين، وأصحاب العمل، والآثار السلبية على كافة المرافق، وفي كل المناحي.

وكلي ثقة ان العقلانية والمصلحة الوطنية هي التي ستنتصر ، وأن كل غيور على مصلحة الوطن والمواطن، و كل حريص على قوى الانتاج في فلسطين ، وكل من يعمل للحفاظ على النسيج الاجتماعي الفلسطيني ، وكل من يحمي اقتصادنا الهش ، سيعمل من أجل تعزيز الاستقرار ودرء المخاطر  من خلال وقف العمل بقانون الضمان رقم 6 لسنة 2016. والعمل سويا من أجل اقتصاد مستقر ، ونسيج اجتماعي متوازن.                  
[email protected]

التعليـــقات