تباينت وجهات نظر المشاركين في لقاء «طاولة مستديرة»، نظمه معهد أبحاث السياسات الاقتصادية في مقره برام الله، حول «قانون الضمان الاجتماعي الجديد»، بخصوص الموضوع مدار البحث، بيد أنهم أكدوا ضرورة إجراء أوسع حوار مجتمعي بغية الوصول إلى أوسع توافق حول القانون، بما يحقق مصالح الفئات المستهدفة. واعتبر بعض المشاركين، أن القانون يزيد من الفجوة بين الأطراف المختلفة، وأنه يجب معالجة الخلافات حوله بأسرع وقت ممكن والتوافق عليه بشكل نهائي، أو سحبه كلياً، بينما رأى آخرون أن حالة عدم اليقين التي أوجدها القانون غير مرضية ويجب الخروج منها عن طريق الحوار. وذكر آخرون أن القانون أوجد حقوقاً لم تكن موجودة أصلاً وألغى حقوقاً كانت موجودة في المقابل، ما اعتبروه أمراً مربكاً وأنه قد يضر بكافة الأفراد. وقدم المداخلات الرئيسة خلال اللقاء، كل من بلال ذوابة مدير عام علاقات العمل في وزارة العمل، ود. عصام عابدين من مؤسسة الحق، وعبد الرحيم الحسن من جمعية البنوك، بينما قدم محمد خضر، المحاضر في القانون الدستوري في جامعة بيرزيت، ورقة خلفية حول القانون.
وفي هذا السياق، أكد ذوابة، أن هناك مبالغات في تفسير قانون الضمان الاجتماعي، وأن القانون توجد فيه إيجابيات كثيرة، لكن ما يتم تناوله فقط السلبيات. وذكر أن الحكومة تهدف دوماً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، مضيفاً: «إذا كان هناك ثغرات محددة، فمن الممكن السعي لحلها أو علاجها، وهذا ما عملته اللجنة الوزارية المشكلة لدراسة المطالب التي قدمت من الأطراف الأخرى». وقال: بلغت هذه المطالب 17 مطلباً تم حل أكثر من 70% منها، مشيراً إلى أنه تمت صياغة القانون بعد الأخذ بالاعتبار عدة مبادئ أساسية، تتمثل في عدم تعارضه مع المعايير الدولية، والتشريعات الفلسطينية، خاصة قانون العمل. كما أكد أن دور وزارة العمل متواصل بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، لإزالة اللبس، وتوضيح بعض البنود القانونية عبر السعي إلى فتح حوار ونقاش يفضي إلى توافق وطني.
وبخصوص إيجابيات القانون، ذكر أن أكثر من 75% من المستخدمين لا يتقاضون مستحقات نهاية الخدمة، بالتالي فالقانون الجديد يكفل هذا الحق، إضافة إلى ضمان حل مشكلة الحد الأدنى للأجور لأكثر من 114 ألف مستخدم يتقاضون أقل من الحد الأدنى. من ناحيته، أشار عابدين إلى الحاجة لعلاقة تتسم بالوضوح والشفافية بين الحكومة والأطراف الأخرى، والابتعاد عن السرية في وضع القوانين. ورأى أنه لا يصح خصخصة الضمان الاجتماعي، بحكم أن الدولة غير ضامن له، مضيفاً: «لا يصح أن يكون موظفو الضمان يتمتعون بصفة الضابط القضائي في التفتيش، لأن هذا ليس له أساس قانوني في الدستور». وأكد ضرورة ضمان الدولة لصناديق الضمان الاجتماعي، مشيراً بالمقابل إلى أن نقل إدارة التأمين الصحي إلى الصندوق التكميلي بمثابة خطأ كبير. وطالب عابدين ببدء الحوار على طاولة تضم كافة الأطراف على أساس الوضوح والشفافية.
من جهته، اعتبر الحسن، أن تطبيق القانون بشكله الحالي خطأ كبير، معرباً عن ثقته بأن الحوار الدائر حالياً سيتوصل إلى صيغ أفضل. ولفت إلى ما اعتبره غياباً للعدالة في القانون، ما رأى أنه يجب علاجه لئلا يؤدي إلى تحميل الأجيال القادمة أعباء كبيرة. وأشار إلى عدم ضمان القانون لحقوق الأفراد، علاوة على عدم وضوح حقوق العمال فيه في المستقبل، مشيراً إلى ضرورة توحيد القوانين على أساس عادل بين كافة شرائح المجتمع بغض النظر عن الصندوق الذي ينتمي إليه الفرد. وقال: لا يصح أن تكون هناك اختلافات بين هذه الصناديق، من حيث نسبة المساهمة ومعادلات الاحتساب. وأضاف: إن تمييز هذا القانون بين الرجل والمرأة، يعتبر شيئاً معيباً، خاصة أن القانون الأساسي لا يميز بينهما.
واعتبر الحسن، أن المادة (116) من القانون بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، بسبب غياب ضمان الحكومة لصناديق الضمان الاجتماعي. من جهته، لفت خضر في الورقة الخلفية، إلى المواقف المتباينة من القانون الجديد، وحالة الإرباك القائمة والمتمثلة في الاحتجاجات، ولجوء عدد من المؤسسات إلى تقديم طلبات الانضمام إلى قانون التقاعد العام، إضافة إلى قيام عدد آخر بـ»تسييل» صناديق التوفير لديها وإلغائها توجساً من تحويل هذه التوفيرات إلى الصندوق التكميلي، الذي سينشأ بموجب القانون الجديد. وتطرق خضر إلى تقييم منظمة العمل الدولية للقانون، وصدر حديثاً، مبيناً أن الحوار يجب أن يكون أحد المعايير الأساسية في صياغة مثل هذه القوانين. ولفت فيما يتعلق بموقف الحكومة، أن القانون هو نتاج جهد وطني دام مدار 6 سنوات، وأنه ينطوي على إعطاء حقوق مكتسبة تشكل خطوة مهمة على طريق تطبيق العدالة الاجتماعية والإنصاف لكافة المواطنين، وأنه لا يجب هدر هذا الجهد ببساطة.
وبين بخصوص مواقف المتحفظين على إصدار القانون بهذا الشكل، «أن ما يحتجون عليه هو عدم معالجته للتأمينات بشكل دستوري واضح، وعدم وجود ضمانات حكومية لسداد التزامات الصندوق، والغموض في ربط النظام الجديد بأنظمة التقاعد السابقة، إضافة إلى التمييز بين العاملين في القطاعين العام والخاص، والتمييز بين الرجل والمرأة، وعدم مراعاة حالات الأشخاص ذوي الإعاقة». وأكد أنه لا يدعو إلى تبني أو رفض القانون، بل نقاشه من زاوية قانونية مختصة، لافتاً إلى أن ملاحظات منظمة العمل الدولية، بحاجة إلى تقييم بهدف المضي قدماً في هذا الموضوع. وكان اللقاء افتتح بكلمة لرجا الخالدي، منسق البحوث في «ماس»، مشيراً إلى أن ملف الضمان يحظى باهتمام كافة الأطراف الحكومية وغير الحكومية. وتحدث عن بعض التساؤلات التي طرحتها الورقة الخلفية وحساسيتها وأهميتها، معتبراً أن الاختلاف والحوار ظاهرة إيجابية تساعد في الوصول إلى توافق وطني على موضوع مهم مثل الضمان الاجتماعي. وأكد أن «ماس» يوفر منبراً ومساحة ملائمة وعلمية لمثل هكذا حوارات.
©الايام