سجلت أسعار النفط العالمي أقل مستوى لها منذ 13 عامًا، إذ انخفض سعر برميل النفط لما دون الـ30 دولارًا في 16 يناير الماضي، وجاء هذا الانخفاض بشكل تدريجي؛ فبعدما كان سعر البرميل 109 دولارات في يناير 2014 أخذ في الانخفاض حتى وصل سعره في يناير 2015 لـ50 دولارًا قبل أن يتدنى لهذا المستوى في يناير 2016.
“إن تراجع أسعار النفط سيؤدي إلى تحويل أموال بقيمة 1.5 تريليون دولار من الدول المُنتجة للنفط إلى الدول المستوردة له”.
هكذا يقول راجيف بيسوز الخبير الاقتصادي الكبير في مؤسسة “آي إتش إس جلوبال إنسايت”، ويرى محلل اقتصادي آخر أن ما ستكسبه الدول المستوردة سيرفع من الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 7%.
ففي الوقت الذي تضررت العديد من دول العالم المُصدرة للنفط، وبالأخص دول الخليج من الانخفاض الشديد لأسعار النفط، تجد دول أخرى في ذلك الانخفاض فرصةً ثمينة لإنعاش اقتصادها وتوفير مليارات الدولارات، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الدول الأكثر استفادة من ذلك التراجع في أسعار النفط عربيًّا وعالميًّا:
(1) الدول العربية المٌستفيدة:
مصر
تُعد مصر من أكبر المستوردين العرب للنفط والمواد البترولية، إذ تستورد مصر من 35إلى 40% من احتياجاتها البترولية، وتعتمد مصر في وارداتها النفطية بشكل أساسي على دول الخليج التي تُعتبر من أكبر المتضررين من تراجع أسعار النفط العالمي، وبحسب وزير البترول المصري طارق المُلا فإن تراجع أسعار النفط سوف يوفر على الدولة المصرية حوالي 6 مليار جنيه، وقال في وقت سابق من الشهر الجاري أن فاتورة واردات مصر للمواد البترولية ستنخفض من 650 مليون دولار شهريًّا إلى 400 مليون دولار.
في العام المالي الحالي انخفض دعم المواد البترولية في الموازنة العامة المصرية بنسبة 40%؛ فبعدما كان دعم المواد البترولية في العام المالي الماضي يصل إلى 103 مليارات جنيه، أصبح في الموازنة الجديدة 61 مليار جنيه فقط، بل وصل مؤخرًا إلى 55 مليار جنيه لأن الـ6 مليارات جنيه التي ستوفرها الدولة من تراجع أسعار النفط ستُأخذ من حصة دعم المواد البترولية بحسب المُلا.
ولم تُخفض الحكومة المصرية حجم الدعم للمواد البترولية فقط في الموازنة العامة للعام الجاري، ولكنها احتفظت بحقها في التحكم في سعر البنزين، وكشف تقرير صحفي أجرته صحيفة الشروق المصرية أن المواطنين يشترون بعض المشتقات البترولية كالبنزين الذي يبلغ حجم استهلاكه المحلي 6.1 مليون طن سنويًّا بأعلى من أسعاره العالمية: فلتر بنزين 92 –الذي يبلغ حجم استهلاكه المحلي سنويًّا 2.5 مليون طن- أغلى بنصف جنيه، ولتر بنزين 95 – الذي يبلغ حجم استهلاكه المحلي سنويًّا 400 ألف طن- أغلى بـ4 جنيهات، أما عن بنزين 80 – الذي يبلغ حجم استهلاكه المحلي 2.7 مليون طن فقد خرج مع “السولار” من منظومة الدعم “الحقيقي”. وزادت الأصوات المُنادية باستغلال فرصة تقلص أسعار النفط العالمية لزيادة الاستثمار في المجال النفطي داخل مصر، وبالرغم من الانعكاسات الإيجابية لتراجع أسعار النفط على الاقتصاد المصري، فإن مخاوف المسؤولين المصريين زادت من تقلص الدعم الخليجي لمصر نظرًا لأن دول الخليج هي أكبر الخاسرين من تلك الأزمة، مخاوف أعرب عنها بوضوح وزير التخطيط المصري أشرف العربي، الذي قال إن تراجع أسعار النفط العالمية سيؤثر سلبًا على دعم الخليج لمصر.
الأردن والمغرب
يأتي انخفاض أسعار النفط العالمي في صالح الأردن، فتراجع أسعار النفط الخام بنسبة 20% سيُزيد من الإنتاج المحلي في العام المالي 2015 بنسبة 1%، كما أن عجز الموازنة انخفض في 2015 بنسبة 24% نتيجة تقلص فاتورة الطاقة، ويبدو أن الاستفادات الاقتصادية الناتجة عن تراجع الأسعار انعكست بالنفع على المواطنين، فبداية من عام 2015 قلصت السلطات الأردنية أجور النقل العام بنسبة 10% على كافة وسائل نقل الركاب العاملة بالبنزين والديزل.
كما أن المغرب إحدى الدول المُستفيدة من تراجع أسعار النفط ، إذ أدى تراجع الأسعار إلى انخفاض عجز الموازنة في 2014 إلى 5% بعدما وصل العجز في 2012 إلى7%، كما قلصت الحكومة المغربية من أسعار المشتقات النفطية مع بداية عام 2015 نصف دولار للتر البنزين، بحسب الجزيرة، ولكنه هذا التقليص رآه محللون أنه لم ينعكس بشكل كبير على المواطن نظرا للعمل بنظام المقايسة ووصول الضرائب على المحروقات لنسبة 60% من إجمالي السعر الذي تسوق به المحروقات للمستهلك النهائي.
ثانيًا: الاتحاد الأوروبي وتركيا
الاتحاد الأوروبي
استفاد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير من تراجع أسعار النفط، إذ تراجع عجز منطقة اليورو في تجارة الطاقة خلال2014 بحوالي 35 مليار دولار، كما تقلصت فاتورة واردات الطاقة بنسبة 11%، ومن أبرز الدول الأوروبية استفادةً من انخفاض أسعار الوقود هي فرنسا، إذ وصلت أسعار المحروقات لأدنى مستوى لها مُنذ 4 سنوات، وهبطت فاتورة الطاقة في فرنسا بمقدار 5.8 مليار دولار ، ومن المتوقع أن توفر فرنسا 2.3 مليار دولار، ويزداد ناتجها المحلي بمقدار 0.5% خلال عامين.
تركيا
ينعكس تراجع أسعار النفط بشكل إيجابي على الاقتصاد التركي، إذ توفر تركيا مع تراجع 10 دولارات في أسعار النفط 4.4 مليار دولار ، وسيزداد النمو الاقتصادي بنسبة 9%، ولو استمر سعر النفط الخام في هذه المستويات المُنخفضة فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض معدل التضخم بنسبة قد تصل إلى 1.5 %، وإذ استمر سعر النفط على ما هو عليه، فإن هذا سيؤدي لتحقيق فائض يصل إلى 25 مليار دولار خلال العام الجاري.
ويؤدي انخفاض أسعار النفط إلى إنعاش الاقتصاد التركي وبالأخص في مجال الصناعة والتصدير؛ إذ يؤدي انخفاض سعر الطاقة التشغيلية إلى زيادة الصادرات بنسبة 4% وزيادة الناتج المحلي إلى 157.6 دولار، وتوفير حوالي 1.2 مليون فرصة عمل، مما يساعد على رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا بنسبة 12.3%، ليرتفع في النصف الثاني من العام الجاري لـ432 بعدما كان 388 في نهاية عام 2014.
ثالثًا: الدول الأكثر استيرادًا للنفط
الصين
تُعد الصين من أكبر المُستفيدين من انخفاض أسعار النفط، وذلك يرجع إلى كون الصين أكبر مستودر للنفط الصافي في العالم، ومع ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط لا تعوض بالكامل الآثار السلبية الواسعة للعوامل المؤدية لتباطؤ الاقتصاد الصيني في الفترة الماضية.
ويرى خُبراء اقتصاديون أن كل انخفاض في أسعار النفط بنسبة 10% يؤدي بالتبعية إلى نمو إجمالي الناتج المحلي الصيني بنسبة 0.15%، ويقلل من حجم التضخم الاستهلاكي بحوالي 0.25%، ويُحسن من ميزان الحساب الجاري بنسبة 0.2% من إجمالي الناتج المحلي، ووفرت الصين نتيجة تراجع أسعار النفط حوالي 17 مليار دولار في عام 2014، ومن المتوقع أن توفر حوالي 30 مليار دولار لو استمرت أسعار النفط في الانخفاض بهذه الوتيرة حتى نهاية العام الجاري.
أمريكا
تستفيد الولايات المُتحدة الأمريكية من تراجع أسعار النفط، فأمريكا – ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم- في عام نما اقتصادها بنسبة 4.6% وكان أحد أهم الأسباب الرئيسية لذلك هو انخفاض فاتورة الطاقة، كما أن ثقة المستهلكين ارتفعت في نهاية 2014 مما انعكس على زيادة الإنفاق الاستهلاكي في أمريكا الذي يُعد المحرك الأساسي للاقتصاد الأمريكي، ومع بداية عام 2015 حصد الأمريكيون نتيجة النمو الاقتصادي الذي حققته أمريكا بسبب انخفاض أسعار الطاقة؛ إذ وصلت أسعار البنزين في يناير 2015 إلى أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2010. إلا أنه على الجانب الآخر فإن صناعة النفط الصخري الأمريكي مرتفع التكلفة قد تتضرر بفعل الانخفاض المستمر في الأسعار، حيث يتطلب النفط الأمريكي المزيد من الاستثمار في التنقيب والاستخراج مقارنة بنفط الشرق الأوسط. وقد يؤدي انخفاض الأسعار إلى خروج عدد من المنتجين الأمريكيين من السوق، وتقلص إنتاج الولايات المتحدة من النفط.
الهند
تستورد الهند 75% من احتياجاتها من النفط، وتأتي في المرتبة الثالثة كأكبر دولة مستورد في العالم، وهو ما يجعلها من أكبر المُستفيدين من انخفاض أسعار النفط، ومن المتوقع أن تراجع أسعار النفط سيُخفف عجز الموازنة في العام المالي الجاري. وفي الوقت نفسه- إذا ظلت أسعار النفط منخفضة.يمكن أن تتقلص تكلفة دعم الوقود في الهند بشكل كبير؛ مما قد يوفر على الخزانة الهندية 2.5 مليار دولار هذا العام.
وكالات