رئيس التحرير: طلعت علوي

ماذا يخبئ عام 2016 للدول النفطية؟

السبت | 02/01/2016 - 10:40 صباحاً
ماذا يخبئ عام 2016 للدول النفطية؟

في مقدم كل عام جديد، يحاول المختصون قراءة ما قد يقع من أحداث وتغيرات في شتى مسارات الحياة.

والناس بطبيعتها تميل صوب أو في أقل تقدير تمنح أذنا صاغية لمن يقول إن باستطاعته قراءة المستقبل.

وقراءة المستقبل لا أعني بها "التنجيم" أو "السحر" أو "قراءة الكف" مثلا. هذه ممارسات لا تستسيغها وتحاربها الأديان ويقف ضدها العقل والمنطق السليم.

وقديما اشتهرت على ألسنة العرب عبارة ما زلنا نرددها حتى اليوم وهي: "كذب المنجمون ولو صدقوا".

في عالم اليوم، حيث يسود العلم والحاسوب والثورة الرقمية والتجريب قبل التصديق، يتصور كثير من الناس أن التنبؤ بالمستقبل أمر ممكن.

وفي الشرق -بصورة عامة- يعتقد الناس أن الغرب ومعه الدول المتمدنة والمتطورة علميا وتكنولوجيا وصناعيا لها إمكانية استقراء المستقبل واتخاذ خطط وإجراءات تمكن أصحاب الشأن من دفع الشرور والسلبيات والتركيز على الخير والإيجابيات.

لا أظن أن أي عاقل اليوم يتصرف بموجب أي قراءة للمستقبل حتى على مستوى سنة واحدة.

لقد انتهى العهد الذي كان بإمكاننا تحديد مثلا منحنى الأسعار وتقلبات الأسواق. التجربة أظهرت أنه في كثير من الأحيان تذهب كل حساباتنا المبنية على القراءات المستقبلية أدراج الريح.

وهذه القراءة هي مجرد وجهة نظر قد تصح أو لا تصح.

المطلوب ليس تصديق هذه القراءة، بل اتخاذ خطط وإجراءات عملية لتجنب ما قد تخبئه الأيام. والأزمة التي تمر بها الدول النفطية نتيجة الانخفاض الشديد في الأسعار لم تكن كتابتها على الحائط.

وأغلب الأزمات التي تعصف بالأسواق العالمية والاقتصاد ومنها الحروب والمشكلات لم نكن نتوقعها، لا بل ضربتنا على حين غرة. أو ربما دخلنا في معترك كنا نتصور مساره سهلا ولن يستغرق زمنا طويلا، وإذا بنا نحن في مشكلة عويصة لا نعرف كيف نخرج منها.

ويبدو أن انخفاض أسعار النفط التي وصلت إلى أدنى مستويات لها منذ عام 2004 سيحتل العناوين في عام 2016. عندما بدأت أسعار النفط بالانهيار في نحو منتصف عام 2014، لم تأخذ الدول النفطية ذلك بعين الاعتبار.

عند قدوم أزمة يتصور المعنيون أنها قد تكون وقتية، وأن تبعاتها محدودة أو في الإمكان احتواؤها. بيد أن الأزمات تزداد سوءا، وتزداد صعوبة في المعالجة إن استمرت لفترة طويلة.

الدول الغربية والصناعية المستهلكة للنفط اتخذت إجراءات فورية للتعامل مع انهيار الأسعار الذي كان بمثابة نعمة كبيرة عليها. مثلا، ورغم ما اكتنزته هذه الدول من مدخرات إضافية نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط لم تخفض أيا من الضرائب، لا سيما المتعلقة بالطاقة واستهلاكها.

أدى انخفاض أسعار النفط إلى زيادة ملحوظة حتى في مداخيل الأفراد في الدول الغربية، مثلا؛ لأن فاتورة الطاقة تأخذ حيزا كبيرا من النفقات العائلية. وأدى انخفاض الأسعار إلى انخفاض أيضا في نسبة التضخم في هذه الدول.

الدول الغربية تأخذ الانخفاض الحاد في أسعار النفط من نحو 115 دولارا في عام 2014 إلى نحو 30 دولارا اليوم محمل الجد. التجربة علمتها أن ارتفاع وانخفاض أسعار النفط لا يبدو أثرها فورا. إنها تأخذ فترة زمنية ليست بالقصيرة للتأثير في الأسواق.

واليوم تقرأ دراسات أكاديمية رصينة عن سيناريوات محتملة وكيفية معالجة آثارها إن استمرت الأسعار في الهبوط، وهذا ما يتوقعه أغلب المحللين والمختصين في غياب إرادة سياسية لدى الدول المصدرة للنفط ولا سيما الأعضاء في منظمة أوبك؛ لاتخاذ إجراء يحد من الهبوط وفي النهاية يحسن من الأسعار.

التوقعات تشير إلى أن أسعار النفط ستنخفض إلى ما دون ثلاثين دولارا للبرميل في عام 2016.

بعض الدول النفطية والخليجية منها على وجه الخصوص بدأت للتو باتخاذ إجراءات لتخفيف أو بالأحرى تلطيف الآثار السلبية لخسارتها الكبيرة للعملة الصعبة؛ لأن النفط هو المورد الرئيس لها.

هذه الإجراءات أتت متأخرة وأقل بكثير مما هو مطلوب. كان يجب اتخاذ هذه الاحتياطات قبل أكثر من سنة.

كما قلنا إن انخفاض أسعار النفط أو ارتفاعها لا نلحظ أثره إلا بعد فترة طويلة. ولهذا كان يجب التعامل مع الأزمة منذ بدايتها لتخفيف تأثيرها.

وهذا ينطبق على الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول المصدرة للنفط أخيرا؛ حيث لن نلحظ تأثيرها الإيجابي إلا بعد فترة طويلة.

وبما أن الهبوط في أسعار النفط مستمر منذ نحو 18 شهرا والتوقعات تشير إلى أن الهبوط لن يتوقف في عام 2016، على الدول النفطية اتخاذ إجراءات فورية أخرى بموازاة الهبوط وليس انتظار الآثار السلبية التي قد يحدثها.

الهبوط مستمر وقادم لا محالة في غياب إرادة سياسية من الدول المصدرة لمعالجته.

تأخير الإجراءات والخطط لمواجهة الهبوط المستمر أولا بأول سيزيد من أزمة الدول المصدرة للنفط شدة، وقد تصل إلى مرحلة -لا سمح الله- تصعب جدا معالجتها.

 

عن صحيفة الاقتصادية السعودية

التعليـــقات