بثينة حمدان
هو لغتها الشائكة، ولعبتها المهووسة في جعل «إسرائيل» فضلاً عن كونها الاحتلال الأخير والوحيد في العالم، الأولى أكاديمياً، بل أن يكون اليهودي هو صانع هذا اللقب والحامل له وحده، لذا تخترع القوانين والقيود خوفاً من تفوق 1.5 مليون فلسطيني تطلق عليهم «عرب 48» بسلاح العلم. تحاول تأخيرهم، إعاقتهم، وتمييز الطلبة اليهود على حساب الفلسطينيين الذين يحملون بطاقة مواطنة وجنسية إسرائيلية ويشكلون %20 من دولة الاحتلال. يصل التمييز إلى انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الاسرائيلية، وفي النشاطات الطلابية، وفي تحديد العمر لأهم التخصصات، فضلاً عن تجميد أحلام كثيرة، ما دعا %80 من فلسطينيي 48 ما بين 18 و24 عاماً إلى ترك تعليمهم، فيما اضطر ثلثهم لإكمال الدراسة في الخارج.
الشاب محمد سكسك (18 عاماً، من يافا) يحلم بأن يصبح كابتن طائرة، لكن فلسطينيي 48 محرومون من الطيران في اسرائيل، لذا قرر أن يحقق أحلامه في الخارج، فيدرس ويعمل بعيداً عن عائلته ووطنه. علما بأن هناك تخصصات أخرى في مجال الطب تحاول اسرائيل إعاقة الفلسطينيين من دخولها. وأحلام ممنوعة كلياً مثل هندسة الكيمياء، فضلاً عن المجالات الأمنية.. فلا تحلم عزيزي الفلسطيني أن تصبح ضابطاً أو شرطياً يخدم «وطنه»، فأنت في بلد عنصري، تعيش مع «إسرائيلييين» اخترعوا وطناً على حسابك!
العنصرية.. تطرده من الطب
الدكتور أحمد الطيبي، النائب الفلسطيني في البرلمان الاسرائيلي، والمعروف بخطاباته الرنانة، وبأنه أول من ألقى قصائد للشاعر الراحل محمود درويش في البرلمان، وأولى القصائد وجهها للمستوطنين: «أيها المارون بين الكلمات العابرة..احملوا أسماءكم وانصرفوا». روى لـ القبس حكايته مع الطب، حيث إنه طبيب أمراض نسائية قبل السياسة، فقال: في السنة الأخيرة من الدراسة حصلت على درجة امتياز في الطب، والأول على الكلية، لكنها كانت السنة الوحيدة التي لم تعلق فيها إدارة الجامعة العبرية لائحة الشرف «لأسباب فنية»، على حد قولهم، لكنها طبعاً أسباب عنصرية ضد فلسطينيي 48، وفي السنة التالية التي لم يتفوق فيها عربي أعيد تعليق اللائحة بسهولة «عجيبة». وتقول المؤشرات إن الطيبي كان الفلسطيني الوحيد الذي حصل على مرتبة الأول على الكلية إلى يومنا هذا. بعدها اختص في النسائية والتوليد، لكن مشكلة مفتعلة مع الحرس الجامعي أدت إلى الاعتداء عليه، فرد الطيبي بالمثل، وخلال ساعة استدعي إلى لجنة تحقيق طلبت منه الاعتذار للحارس فرفض، ليصدر قراراً بفصله. استمر الطيبي بالعمل في هذه المهنة في مشفى عربي بالقدس إلى أن انتشلته السياسة وصار الطب حلماً يشتاق إليه ليستمتع بلحظات الخلق الأولى.
التمييز في المساحات الثقافية
الفنان المسرحي نضال بدارين، ابن قرية عرابة البطوف في أراضي 48 حاصل على درجة البكالوريوس في المسرح من جامعة حيفا، يذكر لنا عروض المسرح التي نظمها والزملاء في الجامعة، وتحولوا بعدها إلى لجنة تحقيق، ويقول: «الطلبة اليهود يمتلكون الحق في تنظيم نشاط في مكان مفتوح، لكن الفلسطينيين يجب أن يحصلوا على إذن من نقابة الطلاب العامة في الجامعة. حتى حق التظاهر هو لليهود من دون إذن، وطبعاً هذه الأذونات لا يحصلون عليها في الكثير من المرات.
وأشار بدارين إلى مميزات خدمة الجيش، وهي خاصة باليهود، وتميزهم عن الفلسطينيين حتى في مساكن الطلبة وفي اختيار التخصص وفي المنح الجامعية، رغم أن مستوى دخل الفلسطينيين في إسرائيل أقل من اليهود، علماً أن الجامعات الاسرائيلية في الغالب هي خاصة، لكن تحظى بدعم حكومي، لذا تبدأ الأقساط الجامعية من 2100 يورو، في حين لا تتجاوز في أسبانيا ألف يورو وبضع مئات الدولارات في فرنسا على سبيل المثال.
واشار نضال أيضاً الى عمل «لجان الطاعة» التي يتعرض لها الفلسطيني غالباً، وهي مكونة من ثلاثة محاضرين، وأنها في الحقيقة لجان توبيخية للعرب، تفرض عليهم دفع الغرامة والمنع من المشاركة في تظاهرة، وصولاً إلى الفصل من الجامعة، سواء مؤقتاً أو أبداً.
التمييز في صناديق الاقتراع
أريج حكروش، طالبة سنة ثالثة تاريخ شرق أوسط وإعلام، ومراسلة لموقع بكرة في مناطق الـ1948، أوضحت لـ القبس أن إدارة الجامعة تقوم بتقسيم صناديق الاقتراع لمجالس الطلبة وفق التخصصات، ومثال ذلك وكون الطلبة الفلسطينيين يقبلون على التخصصات العلمية كالرياضيات مثلاً، تقوم الجامعة بالجمع بين تخصص الرياضيات والعلوم السياسية والأخير هو تخصص يقبل عليه اليهود كثيراً، وبالتالي يضمنون تفوقهم في هذا الصندوق، وتكون النتيجة زيادة نسبة اليهود كممثلين عن طلبة الجامعة في المجلس، فتقل فرص المرشح الفلسطيني وهو ما حصل في جامعة حيفا التي تبلغ نسبة الفلسطينيين فيها %38 أكدت أريج أن طالباً فلسطينياً واحداً يمثلهم.
وأوضحت أن النشاطات السياسية ممنوعة على الفلسطيني، وإن تم ترخيصها مثل وقفة احتجاجية يتم تحديد العدد، أما إحضار الضيوف من خارج الجامعة للقيام بنشاط ما فيمنع.
الحذر الحذر.. من التصادم مع اليهودي
الويل «للعربي» إن تصادم مع يهودي. هذا ما قالته أريج، فالحق دائماً مع اليهودي، وغالباً ما تقوم لجان التحقيق في الجامعة بفصل الطالب الفلسطيني لفصل دراسي أو فصلين. والدليل، حوادث فصل طلبة بناء على ستاتوس على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة التي تأتي بتحريض من المتدينين اليهود الذين قاموا مراراً بالتشهير والتحريض، كما فعلوا مع الطالب مراد أبو الهيجاء الذي كتب نصاً تضامن فيه مع غزة خلال الحرب الأخيرة، وبسبب التحريض تم فصله من الجامعة. ويصل تحريض المتدينين إلى حد التحريض على قتل طالبة، وقد تم مؤخراً الاعتداء عليها.
الحرب «الجدلية» في محاضرة سياسية!
الاحتكاك بين الطلبة الفلسطينيين واليهود جائز ومنطقي بحكم الحياة المشتركة، وفي الجامعة بحكم الحياة الجامعية وقرب المقاعد بعضها من بعض والواجبات المشتركة، باستثناء المتدينيين الذين لا يقبلون أي نوع من التواصل مع الفلسطيني، لكنه احتكاك متوقع أن ينفجر في أي لحظة. وفي محاضرة بشأن «أساسيات القضاء في إسرائيل» وتحول الحياة الجامعية إلى انقسام، أثار استشهاد خيري الدين حمدان من بلدة كفر كنا جدلاً واسعاً، فقد قتلته الشرطة بدم بارد، مما جعل البلدة تعلن الإضراب وتطالب بالتحقيق. تصاعد الجدل في المحاضرة وتحول إلى صراع بين الديوك كما وصفته أريج، مما جعل الأستاذ يفض المحاضرة. وأكدت أن مثل هذه النقاشات تستدعي أحياناً تقل أمن الجامعة.
أساليب تعجيزية.. تمييز غريب
لعبتها إسرائيل بمهارة حين أقرّت عمر القبول في أهم التخصصات الطبية والاجتماعية بعشرين أو واحد وعشرين عاماً، لأن التجنيد إجباري لليهود، وهذا يعني تأخرهم في الدراسة لعامين للإناث وثلاثة للذكور، في حين يعفى الفلسطيني من هذه الخدمة، وكي تضمن إسرائيل عدم أسبقية الفلسطيني على اليهودي حددت عمر التخصص. ووفق دراسة لجمعية «كرامة» وعيادة حقوق الأقليات الفلسطينية في جامعة حيفا، أقرت كليات وأقسام تعليمية في جامعات مختلفة في اسرائيل شرط تحديد الجيل شرطاً أساسياً للتعليم العالي، وهو ما يعد تمييزاً ضد المرشحين الفلسطينيين الذين يباشرون تعليمهم الجامعي بعد إنهاء تعليمهم الثانوي مباشرة أي في سن 18 عاماً. كما يعد تحديد موعد أخير لتقديم المرشح شهادة البجروت -الثانوية الاسرائيلية- بما يسبق موعد نشر علامات البجروت من وزارة التربية، وهو ما يعني انتظار الطالب الفلسطيني سنة إضافية لمتابعة تعليمه، فالاستثناء والأفضلية تكون للمرشحين في مسار الجيش، حيث توافق الجامعات على تمديد موعد تسليم شهاداتهم.
تأجيل دراستهم لسنتين.. أو التنازل عن طموحاتهم
واعتبر التقرير أن تحديد الجيل يمس بالجماهير الفلسطينية، نظراً للنقص القائم في المهنيين المؤهلين في مواضيع الطب والمواضيع العلاجية، وأن هذا التحديد يضعهم أمام خيارين، حلوهما مر: إما تأجيل دراستهم لسنتين قد تتغير خلالهما ظروف حياتهم، وتحول دون وصولهم إلى الجامعة، وإما التنازل عن طموحاتهم واختيار مواضيع أخرى. واعتبرت الدراسة أن امتحان البسيخومتري عائق آخر لوصول الفلسطينيين الى الجامعات، وهو أداة تستخدمها الجامعات للتنبؤ بنجاح المرشحين في التعليم الأكاديمي، لكن الدراسات أثبتت عدم نجاعته في التنبؤ، عدا أن فيه انحيازا ثقافيا واضحا يعيق غير اليهود، كما أن معدل نتائج الممتحنين باللغة العبرية أعلى بأكثر من مئة نقطة من الممتحنين بالعربية.
التمييز ضد كل الأصول الشرقية
يوجد في اسرائيل تسع جامعات تعرف بأنها للبحث العلمي وهو مجال تتميز به، حيث تنتج واحدا في المئة من مجمل الإنتاج العلمي العالمي، بل وأدرجت ضمن المكانة الـ22 في قائمة الدول من حيث عدد المنشورات العلمية.
ومن أهم الجامعات في اسرائيل الجامعة العبرية التي أسسها عدد من المثقفين ورجال الدين اليهود وافتتحت عام 1925، يعمل فيها نحو مئة عضو هيئة تدريسية بينهم 20 عربياً فقط، حازت على ثماني جوائز نوبل ومئات الجوائز وبراءات الاختراع. وبلغ إجمالي المحاضرين في الجامعات الإسرائيلية نحو 43 ألفا، وكانت نسبة اليهود الشرقيين منهم %9 فقط أما نسبة الفلسطينيين فبلغت %7.2 ، ويؤكد الباحثون أن كل المناصب الإدارية هي لليهود فقط. أما الطلبة الفلسطينيون فبلغت نسبتهم %13.5. ونسبة الملتحقين ببرنامج البكالوريوس %12.4 وفي الماجستير %9 وفي الدكتوراة %4.8.
© القبس