رئيس التحرير: طلعت علوي

هل تستطيع السلطة الفلسطينيّة التخلّي عن الشيكل كعملة تداول موقّتة

السبت | 05/12/2015 - 08:57 صباحاً
هل تستطيع السلطة الفلسطينيّة التخلّي عن الشيكل كعملة تداول موقّتة

أحمد ملحم


رام الله، الضفّة الغربيّة – تدرس السلطة الفلسطينيّة حاليّاً إمكانيّة استخدام عملة أجنبيّة كالدولار الأميركيّ أو الدينار الأردنيّ كعملة تداول موقّتة في فلسطين بديلاً للشيكل الإسرائيليّ، الّذي يعتبر العملة الأكثر استخداماً في الإنفاق داخل الأراضي الفلسطينيّة.

 

 

 

ويأتي هذا التوجّه، انسجاماً مع ما اعتمدته اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة، التي تم تشكيلها لدراسة قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الصادرة في اذار الماضي حول تحديد العلاقة مع اسرائيل وعدم الالتزام بالاتفاقيات مع اسرائيل، من توصيات اللّجنة السياسيّة الّتي شكّلتها من بعض أعضائها لدراسة تحديد العلاقات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصادية مع إسرائيل، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر.

وقالت مصادر فلسطينيّة سياسية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مطّلعة رفضت الكشف عن اسمها لـ"المونيتور": إنّ هناك أفكاراً يتمّ تبادلها ونقاشها من قبل اعضاء القيادة الفلسطينية وسياسيين في السلطة من أجل معرفة فوائد وسلبيّات التوجّه لاعتماد عملة أخرى للتداول في فلسطين، بدلاً من الشيكل إلى حين إصدار عملة وطنيّة.

وكانت سلطة النّقد الفلسطينيّة (البنك المركزيّ) هدّدت في أبريل/نيسان من عام 2014 على لسان محافظها جهاد الوزير باللّجوء إلى الدولار الأميركيّ أو الدينار الأردنيّ كعملة تداول موقّت، بدلاً عن الشيكل، ردّاً على خفض إسرائيل سقف الودائع الفلسطينيّة في المصارف الإسرائيليّة، كعقاب اسرائيلي لفلسطين بعد انضمامها إلى عدد من المعاهدات الدوليّة، ما ادى الى تكدس مليارات الشواكل في البنوك الفلسطينية.

وإنّ بروتوكول باريس الّذي تمّ توقيعه في عام 1994 بين منظّمة التّحرير وإسرائيل، يلزم الفلسطينيّين بالتّعامل مع الشيكل كعملة أساسيّة، إذ نصت الفقرة (أ) من البند 22 منه كما منشور البروتوكول على موقع الانباء الرسمية الفلسطينية ما يلي "الشيكل الإسرائيليّ الجديد واحد من العملات المتداولة في المناطق، وسيستخدم هناك، وبشكل قانونيّ كوسيلة للدفع لكلّ الأغراض، بما فيها الصفقات الماليّة الرسميّة، أيّ عملة متداولة، ومن ضمنها الشيكل، سيتمّ قبولها من السلطة الفلسطينيّة وكلّ مؤسّساتها والسلطات المحليّة والبنوك لدى عرضها كوسيلة دفع مقابل أيّ صفقة".

وفي هذا السياق، أشار رئيس اتحاد الغرف التجاريّة الفلسطينيّة خليل رزق لـ"المونيتور" إلى أنّه "يجب أن يكون هناك قرار وطنيّ بالاستغناء عن الشيكل واللّجوء إلى عملة أخرى، في إطار التحلّل من الارتباطات الاقتصادية مع إسرائيل، وقال: "إنّ الفلسطينيّين قادرون على الاستغناء عن الشيكل".

وعن التزام فلسطين ببروتوكول باريس الاقتصادي، قال: "يمكن التحلّل من نصوص بروتوكول باريس، لأنّه أصبح في عداد الموتى ولا قيمة له، في ظلّ عدم التزام إسرائيل بالكثير من البنود الواردة فيه"، حيث ان عمر الاتفاق هو 5 سنوات فقط وهو مرتبط بالفترة الانتقالية ما بين 1994-1999، والذي تحكمت اسرائيل من خلاله (البروتوكول) بأموال الضرائب الفلسطينية التي تجنيها وقامت باحتجازها مرارا كعقاب للسلطة.

وفي ما يتعلّق بتأثير حجم التّبادل التجاريّ في حال إقدام السلطة الفلسطينيّة على التخلّي عن الشيكل، قال: "إذا تمّ الاستغناء عن الشيكل، هل ستتوقّف إسرائيل عن بيعنا الموادّ بالدولار أو الدينار؟ اعتماد أيّ عملة أخرى لن يعيق حجم التّبادل التجاريّ، لأنّنا نصرّ على التحلّل من التبعيّة الاقتصادية، وهو أمر أصبح ملحّاً، وسينعكس إيجاباً على تمكين ودعم المنتجات الفلسطينيّة وزيادة حصّتها في الأسواق المحليّة"، وبحسب خبراء اقتصاديين التقاهم "المونيتور" سيبقى هذا الامر عرضة لتذبذب سعر صرف العملة بالشيكل وكيفية الدفع لإسرائيل.

وحسب محافظ سلطة النّقد السابق جهاد الوزير، فأن حجم التّبادل التجاريّ بين الطرفين الفلسطينيّ والإسرائيليّ، الّذي يمرّ عبر التّبادل المصرفيّ، يبلغ نحو 20 مليار شيكل كل عام (5 مليار دولار).

من جهته، قال مدير دائرة الأبحاث والسياسات النقديّة في سلطة النّقد محمّد عطا لـ"المونيتور": إنّ الدول الّتي لجأت إلى نظام الدولرة (بمعنى تبني عملة دولة اخرى)، إمّا أن تكون لديها معدّلات تضخّم عالية جدّاً، أو أنّ أداءها الاقتصادي والنقديّ دون التوقّعات عموماً، وهذا لا ينطبق على فلسطين لأنّ معدّل التضخّم متدن جدّاً قياساً بالدول المجاورة، وبلغ العام الماضي 1.7 في المئة. كما أنّ الأداء الاقتصادي متذبذب لارتباطه بالظروف السياسيّة.

وعن ايجابيّات اعتماد عملة اخرى بدلا من الشيكل على الاقتصاد الفلسطيني قال: "اعتماد عملة دولة اخرى مستقرة سيحقّق استقراراً في الأداء الاقتصادي النقديّ في فلسطين، لما لذلك دور في زيادة التبادل التجاريّ بينها ومع الدولة صاحبة العملة المستخدمة سواء كانت الدولار الامريكي او الدينار الاردني، بسبب انخفاض تكاليف عمليّة التبادل التجاريّ مع تلك الدولة، مّا يؤدّي إلى زيادة التكامل الاقتصادي مع الأسواق الماليّة الخارجيّة في ظلّ انخفاض معدّلات الفائدة، الامر الذي يشجّع الاقتراض والاستثمار في فلسطين ".

وفي المقابل، فإنّ ذلك التوجّه ستترتّب عليه جملة خسارات حسب عطا، أبرزها: "فقدان رمز من رموز السيادة الوطنيّة والإستقلال من خلال عدم إصدار عملة وطنيّة، وخسارة ما يسمّى بعائد الإصدار الناتج من عائدات طباعة العملة، واستخدام نظام الصرف المحدّد للعملة المستخدمة وخسارة استقلاليّة السياسة المصرفيّة والنقديّة للدولة، وفقدان البنك المركزيّ وظيفة المقرض الأخير وتقوم بهذه المهمات سلطة النقد باعتبارها بنكا مركزيا".

ومن جهته، أشار وزير الاقتصاد الفلسطينيّ السابق في حكومة سلام فياض عام 2009 باسم خوري لـ"المونيتور" إلى أنّه يجب التوجّه لاتخاذ قرار استبدال عملة الشيكل بعملة اخرى سواء دولار او دينار من دافع سياسيّ وليس اقتصاديّ، في إطار محاولة دولة فلسطين فكّ التبعيّة الاقتصادية مع إسرائيل، وقال: "اعتماد الدولار أو الدينار ستترتّب عليه مشكلتان اقتصاديتان يجب إيجاد حلول لهما: الأولى كيف سيتمّ التعامل مع القطع النقديّة الصغيرة (ربع دولار، نصف دولار)، والثانية: إنّ هناك مدخلين رئيسييّن للسلطة تأتي منهما الأموال، هما فاتورة المقاصّة (الضرائب) الّتي تحوّلها إسرائيل للسلطة بعملة الشيكل، وأموال الأيدي العاملة الفلسطينيّة في إسرائيل وهي أيضاً بالشيكل، فكيف سيتمّ تحويل هذه المبالغ الماليّة الكبيرة الّتي تصل شهريّاً إلى ما يقارب الـ900 مليون شيكل (234 مليون دولار) إلى عملة أخرى".

أضاف: "هذا القرار ليس مستحيلاً، لكنّه صعب، ونستطيع التغلّب عليه، والبدء بتطبيقه من خلال تشكيل لجنة وطنيّة من المختصّين للنظر في الخطوات والإجراءات المطلوبة، ممّا سيعتبر رسالة سياسيّة مهمّة لإسرائيل، أنّنا قادرون على التفكير ببدائل".

وبدأ التفكير باعتماد الدولار أو الدينار كعملة تداول موقّتة بدلاً من الشيكل عقب العقوبات الّتي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيّين في عام 2014 والتي كان ابرزها رفض استقبال الودائع المالية من البنوك الفلسطينية، وتجميد تسليم اموال الضرائب للسلطة الفلسطينية عقب توقيع الرئيس محمود عبّاس في 1 نيسان/أبريل من عام 2014 على جملة من الاتفاقيات الدوليّة، أبرزها اتفاقية لاهاي واتفاقيات جنيف الأربع، حيث رفضت البنوك الإسرائيليّة استقبال ودائع البنوك الفلسطينيّة لديها، ممّا نجمت عنه أزمة تكدّس العملة في مخازن البنوك الفلسطينيّة.

وفي هذا المجال، قال عطا: إنّ أزمة تكدّس الشيكل دفعت بالجميع إلى التفكير بحلول كثيرة كاللجوء إلى اعتماد عملة أخرى، لكنّ سلطة النّقد ومن خلال اتصالاتها مع أطراف عدّة دولية مثل البنك الدولي توصّلت إلى تفاهمات مع اسرائيل والبنوك الاسرائيلية يتمّ بموجبها شحن 300 مليون شيكل (78 مليون دولار) شهريّاً من ودائع البنوك الفلسطينيّة إلى البنوك الإسرائيليّة.

وأخيراً، فإنّ تنفيذ السلطة، باعتبارها جهة تنفيذيّة لقرارات منظّمة التّحرير بتحديد العلاقة مع إسرائيل على المستوى الاقتصادي يقتضي إلغاء التّعامل بالشيكل، كخطوة على طريق إنهاء البروتوكول الاقتصادي برمّته.

 

al-monitor.com

التعليـــقات