رئيس التحرير: طلعت علوي

ما بعد باريس

الجمعة | 27/11/2015 - 10:05 صباحاً
ما بعد باريس

علا عباس 

 

هل كان هذا النهار بحاجة لدليل؟ والنهار المقصود هو العقيدة الإرهابية، والدليل الذي لم يكن أحد بحاجته هو خمسمائة ضحية بين قتيل وجريح في وسط باريس، والاستعارة هي من بيت المتنبي الشهير "وليس يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل". هل كان العالم بحاجة ليموت 130 بريئاً في باريس، ويصاب 360، لكي يفهم أن داعش عدو للإنسانية؟ ألم يكن كافياً ما فعلوه في العراق وسورية؟ أليست داعش صفحة قابلة للقراءة من دون أن تفعل شيئاً؟


بعد ساعات من وقوع أحداث باريس، تصاعدت دعوات السياسيين لضرورة العمل الجدي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (هل كانوا يمزحون طوال الأشهر الماضية؟). تغيرت اللهجة، وأخذت منحى أكثر جدية، وازدادت كثافة الطائرات الحربية فوق الأجواء السورية، وتسابقت الطائرات الفرنسية والروسية والأميركية لدك معاقل التنظيم الذي انتبه العالم، الآن، إلى أنه عدو جدي، وتجدر محاربته بجدية.


بعد أيام، وبعد أن برد الجرح قليلاً (كما يقال)، بدأنا نسمع كلاماً سياسياً أقل غضباً وتسرعاً من قبيل: (لا يمكن القضاء على داعش من دون الوصول إلى حل سياسي في سورية)، و(لا يمكن للأسد أن يكون حلاً ضمن الجهود الدولية للقضاء على تنظيم داعش).
بالتأكيد، لا يمكن للعالم، بعد أحداث باريس، أن يستمر بالتعامل بالطريقة نفسها مع الشرق الأوسط، وتحديداً سورية، فالصدمة كبيرة، وهي كافية لإحداث حراك سياسي عسكري مختلف. ولكن، ألم يكن واضحاً، منذ البداية، أن وقوع أحداث من هذا النوع، ومن هذا الحجم، في مدن الغرب، مسألة وقت لا أكثر؟ وأن التنظيمات الجهادية ستضرب حيثما يتاح لها، وحينما يتاح لها؟


والسؤال الأكبر الذي على العالم أن يجيب عنه، حول مجريات الأحداث في سورية منذ مارس/آذار 2011، فحين أطلق بشار الأسد أولى رصاصاته نحو صدور السوريين العارية التي تهتف بالحرية، ثم وخلال أسابيع، أطلق من سجونه آلاف الذئاب التي احتفظ بها ليستخدمها، في لحظةٍ ما، وسيلة لتخويف العالم، وبدأت هذه الذئاب تنظم صفوفها، وتضع أسس تنظيماتها الظلامية التي تريد التمدد، حتى تقضي على مساحات النور، ثم تعمّد استخدام كل وسائل العنف والإذلال، ليوقظ الشيطان النائم في هذه البقعة من العالم. ألم يكن واضحاً أن هذا الطريق سيوصل إلى هذه المحطة؟ ألم يقل كثيرون أن ذلك سيحصل؟ ألم ينبه السوريون العالم إلى ما ينتظرهم؟ والأهم من هذا كله، ألم يهدد بشار الأسد شخصياً وأركان نظامه العالم بهذه الذئاب التي أطلقوها، بعد أن سمّنوها بالحقد وبرغبة الانتقام؟ ألم يقل كلاماً واضحاً، هو ووزير خارجيته وممثله في الأمم المتحدة، وحتى مفتيه، أحمد حسون، الذي قال "أقولها لكل أوروبا، وأقولها لأميركا، سنعد استشهاديين هم الآن عندكم، إن قصفتم سورية أو قصفتم لبنان، فبعد اليوم، العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، وأنتم من ظلمتمونا، وسنقول لكل عربي ولكل إنساني: لا تعتقدوا أن من سيقوم بالاستشهاد في أراضي فرنسا وبريطانيا وأميركا سيكونون عربا ومسلمين، بل سيكونون محمد درة جديد، وسيكونون كل الصادقين الجدد".
لكي تكون عمليات باريس العمليات الأخيرة، يحتاج العالم ليجيب عن هذه الأسئلة، وملخصها: هل يمكن فعلاً القضاء على تنظيم داعش، إذا ما بقي الوضع في سورية على حاله؟ والإجابة التي نحتاجها من العالم ليست إجابة بالكلمات، بل بالأفعال.


الترافق الزمني بين أحداث باريس واجتماعات قمة العشرين في أنطاليا جعلنا نسمع كلاماً سياسياً، يوحي بأن العالم بدأ يربط بين القضاء على الإرهاب وإنهاء الحرب في سورية، وكلاماً أكثر أهمية، يربط بين نظام الأسد وبقاء داعش و"تمددها"، قد يكون كان سبب هذا الكلام الترافق الزمني فقط، ووقوع أحداث باريس وانشغال العالم بها في أثناء وجود زعماء العالم في مكان واحد، تحت أضواء الكاميرات وأمام مايكروفونات الصحافيين، وبالتالي، يصبح من المبرّر الخشية أن يذهب هذا الكلام أدراج الرياح، ويعود كل شيء إلى ما كان عليه، ويترك بشار الأسد وأبو بكر البغدادي ليتقاسما دماء السوريين. 

 

العربي الجديد 

التعليـــقات