وليد خدوري
تحذر وكالة الطاقة الدولية الدول الصناعية الغربية الأعضاء، في تقريرها السنوي «استشراف وضع الطاقة العالمي - 2015»، من أن الاعتماد الدولي على نفوط الشرق الأوسط سيزداد كثيراً، وأن استمرار الأسعار المنخفضة سيرفع حصة الشرق الأوسط في الأسواق العالمية أكثر من أي وقت مضى خلال العقود الأربعة المقبلة».
كما تحذر الوكالة من أن أمن إمدادات النفط معرض للتهديد، وأن الخطورة الأكبر هي على الأسواق الآسيوية، فهي معرضة أكثر من غيرها للتقلبات.
خلاصة التقرير السنوي للوكالة، أن استمرار أسعار النفط المنخفضة لا يشكّل في النهاية أخباراً جيدة للمستهلكين.
والسبب في ذلك، أن المستهلك سيهمل ترشيد الاستهلاك إذا استمرت الأسعار منخفضة لفترة طويلة. كذلك، فإن استمرار الأسعار المنخفضة يؤدي بدوره الى تقليص الاستثمارات في طاقات إنتاجية جديدة. من ثم، سيزيد هذا الوضع أخطار زيادة سريعة ومفاجئة للأسعار.
تكمن نصيحة الوكالة لأعضائها في التالي: «هذا ليس وقت الاسترخاء». فهي تحذر من أن تدهور الأسعار الحالي «أطلق العنان لزيادة الطلب وتقليص الطاقات الإنتاجية». وعلى ضوء هذه الفرضيات، تتوقع الوكالة أن ترتفع أسعار النفط الخام الى نحو 80 دولاراً للبرميل بحلول عام 2020.
كما أن الطلب العالمي على الطاقة سيزداد نحو الثلث ما بين عامي 2013 و2040. وسيحصل معظم الزيادة في الدول الناشئة.
يتوقع «السيناريو الوسطي»، أو الحالة الأكثر احتمالاً في التقرير، زيادة الطلب السنوية على النفط نحو 900 ألف برميل يومياً بحلول عام 2020.
ويذكر تقرير سكرتارية «أوبك»، عوامل عدة قد تساعد في تحسّن الأسواق على المدى القريب. وتذكر السكرتارية في هذا الصدد، أن انخفاض الأسعار ساعد في زيادة الطلب على النفط. كما نتج من انخفاض الأسعار تحدّ في الأسواق للنفوط ذات الكلفة العالية الإنتاج (النفوط غير التقليدية)، التي اضطرت الى إبطاء إنتاجها.
كما طرأت أيضاً في الوقت ذاته، زيادة المخزون النفطي الاستراتيجي في بعض الدول المستهلكة، من ضمنها الصين والهند، إذ استغلت هذه الدول انخفاض أسعار النفط لتعبئة المخزون الاستراتيجي. ويتوقع أن يستمر بعض الدول المستهلكة في انتهاز فرصة تدهور الأسعار لتعبئة المخزون.
وهناك أيضاً احتمال أن يكون البرد خلال فصل الشتاء المقبل قارساً جداً ويستمر لفترة طويلة. كذلك، هناك احتمال أن تكون معدلات النمو الاقتصادي أحسن مما هو متوقع حالياً. وهذه الأمور ستساعد في زيادة الطلب، ومن ثم خفض التخمة في الأسواق، ما يعمل على تحسين الأسعار.
يختلف المراقبون حول إمكان تحقيق كل هذه الفرضيات أو معظمها. والسبب في ذلك هو التغييرات الأساسية التي طرأت على صناعة النفط العالمية خلال المرحلة الحالية. فهذه المرحلة انتقالية، وقد تغير الكثير من العوامل السابقة التي كانت مهيمنة على الصناعة.
ومن أهمها، تحقيق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي بترولياً، وبهذا اختفى أهم سوق مستهلكة في تجارة النفط العالمية.
وصاحب هذا التطور أيضاً، إمكان روسيا زيادة إنتاجها الى مستويات قياسية (من خلال توافر الاستثمارات والتقنية والشراكة مع الشركات العالمية). وبهذا، هناك اليوم ثلاث دول (السعودية وروسيا والولايات المتحدة) لكل منها طاقات إنتاجية نفطية تزيد عن 10 ملايين برميل يومياً.
وما يزيد الأمر تعقيداً، عدم توافر منبر مشترك لمنظمة «أوبك» وروسيا والولايات المتحدة لمناقشة إمكان استقرار الأسواق. وهذا أمر صعب، لا يمكن الاستهانة به.
فالتجارب السابقة دلّت بوضوح على إخفاق بعض الأطراف في تنفيذ التزاماته خفض الإنتاج. كما أن مشاركة الولايات المتحدة صعبة جداً قانونياً، فالأنظمة المرعية فيها تمنع الحكومة أو الشركات من الاجتماع للبحث في موضوع الأسواق (استقرار الأسعار)، لأن ذلك يعتبر مشاركة في عمل احتكاري، وهو أمر يخالف القوانين الأميركية المرعية. وفحوى الموقف الأميركي هو اللجوء الى الأسواق وعوامل العرض والطلب من أجل تحديد الأسعار.
وهناك تحدّ آخر برز مع تجربة انهيار الأسعار الحالية، وهو مدى إمكان بعض الدول المنتجة تحمّل انخفاض ريعها البترولي بنسبة 50 - 60 في المئة في شكل مفاجئ.
وهنا تختلف الأوضاع الاقتصادية في الدول المنتجة. فمنها من كان اقتصاده في حالة انهيار قبل تدهور الأسعار، مثل ليبيا التي انهار إنتاجها مع انهيار الأسعار بسبب أعمال العنف والفوضى وهيمنة الميليشيات على مناطق الإنتاج والتصدير.
وهناك العراق الذي كان يعاني مما أخذ يعرف «بأكبر فضيحة فساد في التاريخ»، حيث اختفى مبلغ 430 بليون دولار من خزينة الدولة، أو ما يعادل نصف الريع النفطي للفترة ما بين الأعوام 2003 و2015، خصوصاً خلال فترة السنوات الست لحكومتي نوري المالكي (2006 - 2014). وهناك فنزويلا التي مرت بتجارب سياسية واقتصادية مضطربة خلال السنوات الأخيرة.
من جهة أخرى، هناك تجربة الدول النفطية في الخليج. فعلى رغم أن اقتصادها انتعش بفضل الاستقرار وتعدّد المشاريع الاقتصادية، إلا أن هذه الدول قد أجلت طويلاً الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. وخير مثل، سياسة الدعم الحكومي السخي للكهرباء والماء ووقود المواصلات.
وقد ورثت الحكومات هذه السياسة منذ الأيام الأولى لإنتاج النفط، حيث كان المجتمع فقيراً جداً في حينه، لكن لم يتم الأخذ بتعديل هذه السياسة مع مرور الوقت وازدياد عدد الفئات الغنية وعدد السكان المواطنين وملايين الأيدي العاملة الأجنبية. ولجأ بعض الدول الى انتهاز فرصة انخفاض الأسعار لتصحيح سياسة الدعم.
ولجأت دول أخرى الى تقليص المشاريع المخطط لها أو الإنفاق من الاحتياط المالي لديها.
كما لجأ غيرها الى الاقتراض من أسواق المال العالمية أو المحلية. هذا يعني أن الكثير من الدول المنتجة لم يكن مهيئاً لتدهور ريعه النفطي الى النصف تقريباً. والأمر الأصعب، ان شكل الأسواق والأسعار في المستقبل المنظور لا يزال غير واضح.
الحياة