رئيس التحرير: طلعت علوي

البعد الاقتصادي لمأساة اللاجئين في أوروبا

الأربعاء | 16/09/2015 - 01:42 مساءاً
البعد الاقتصادي لمأساة اللاجئين في أوروبا

محمد العريان

 في الرابع من أغسطس (آب) الماضي، قلت - بالنظر إلى العرض والطلب - إن تدفق اللاجئين إلى أوروبا هو مأساة «لن تنتهي في أي وقت قريب، ولسبب واحد بسيط ومحبط: يدعو الجانب الاقتصادي لهذا الموقف المأساوي إلى حل تعاوني شامل، لكن أفضل ما يمكن أن تتوصل إليه الجهود السياسية نهج تنسيق تدريجي ومحدود».

وقد تأكد هذا التشخيص للوضع على مدار الأسابيع الخمسة الماضية، بتبني عدة دول أوروبية استجابات وطنية محدودة للأزمة. وفي حين أن بعض تلك الاستجابات كانت مثيرة للإعجاب، منها قرار ألمانيا بفتح حدودها، واحتضان اللاجئين، واعتماد أموال لدعم إعادة توطينهم بشكل منظم ومثمر، فإن استجابات بعض الدول الأوروبية الأخرى كانت عشوائية أو قمعية وقاسية. والآن، تسعى القيادة السياسية للقارة إلى تبني استراتيجية موحدة بشكل أكبر، تركز على الحصص الإلزامية، وتهدف إلى توزيع العبء على الدول الأعضاء.

من الناحية النظرية، تعتبر هذه استجابة فعالة لاختلال التوازن بين العرض والطلب، الذي تفاقم بفعل إخفاقات التنسيق في البداية، والذي لا يمكن حله من خلال سياسات الوطنية ولا الاعتماد على آلية التوازن العادية للسوق.

ومع ذلك، سيواجه دخول هذه الاستراتيجية الجديدة حيز التنفيذ صعوبات، ولن تعالج الأسباب الكامنة وراء تدفق اللاجئين، ما لم يتم استكمالها بالكثير من السياسات الأخرى. وعلاوة على ذلك، وفي ظل غياب الحل الأكثر شمولية، قد تصبح الأزمة بمثابة اختبار آخر لالتزام أوروبا بقيمها المشتركة، التي لم تتعافَ بشكل تام من الأضرار التي ألحقها بها الانهيار الاقتصادي وأزمة الديون السيادية اليونانية. وهناك بالفعل مقترحات بتقليص التنقل بحرية داخل «منطقة شنغن» من دون الحاجة لإبراز جواز السفر - وهو إنجاز أوروبي ثبتت استحالة التراجع عنه منذ وقت ليس ببعيد.

وبصورة اقتصادية مبسطة، يمكن النظر إلى نظام الحصص الإلزامية المقترحة على أنه محاولة لتحقيق توازن أكبر، من خلال إجبار خلق العرض استجابة للطلب الزائد. وإذا تعززت هذه الخطوات بتوفير الموارد اللازمة لدعم وتطوير رأس المال البشري للاجئين - وهو ما تقول ألمانيا إنها ملتزمة بفعله على المستوى الوطني - يترتب على ذلك إمكانية توسيع القوى العاملة الأوروبية بشكل مثمر، التي ستضاهي الشيخوخة الكبيرة والتحديات الديموغرافية الأخرى.

ورغم أن هذه الخطوات جذابة، فإنه ليس من السهل تنفيذها.

ومن ناحية العرض، تعارض بعض الدول - مثل جمهورية التشيك وسلوفاكيا - نظام الحصص الإلزامية بشدة، فيما ستنضم دول أخرى لهما على الأرجح. ومن شأن الرفض أن يجعل من الصعب للغاية حصول المسؤولين الأوروبيين على الدعم السياسي الوطني اللازم لإنجاح الإجراءات، حتى لو أيدت ألمانيا - مركز النفوذ في المنطقة - بقوة هذه الخطة.

ويأتي التحدي في جانب العرض من اللاجئين أنفسهم؛ فبعد رحلاتهم الخطيرة من أوطانهم، وتحملهم صعوبات بالغة، من المحتمل أن يبدي المهاجرون آراءهم عن المكان الذي سيتم إعادة توطينهم فيه. وسيكون اختيارهم للمكان قائمًا على تصورهم للبيئة الاجتماعية والمالية للدولة المضيفة. وسيطالبون بإرسالهم إلى أماكن يرون إمكانية إقامة علاقات فيها بشكل أسهل (مع العائلة أو الأصدقاء أو جاليات المهاجرين من نفس الوطن).

وهذا هو حال بعض اللاجئين بالفعل في الدنمارك، الذين يسعون للوصول إلى ألمانيا أو السويد، وفي اليونان والمجر، حيث يقاوم الكثير من اللاجئين إجراءات تسجيلهم. وسيكون مبررا للقادة الأوروبيين أن يقولوا إن «المتسولين لا يمكنهم الاختيار»، لكن النزول على طلبات اللاجئين يمكن أن يساعد على تسهيل اندماج الوافدين الجدد على المدى الطويل.

وفي أحسن الأحوال، يوفر نظام الحصص سبيلاً لتخفيف المأساة الإنسانية تشتد الحاجة إليه - لكنه قصير الأجل. ويجب أن يتضمن الحل المستدام إجراءات من شأنها تقليص العرض من جانب اللاجئين عن طريق تحسين الظروف التي لا تطاق في الأراضي التي يفرون منها. كما أنه ينطوي من ناحية الطلب على القبول واسع النطاق في جميع أنحاء أوروبا باعتراف ألمانيا بأن الاستجابة الإنسانية المثيرة للإعجاب، يمكن أن تحقق مكاسب للاقتصادات المضيفة على المدى الطويل.

ولا تزال معظم أوروبا بعيدة عن الاتفاق بشأن هذه الحلول الدائمة لطرفي المعادلة.

التعليـــقات