نشرت شبكة أجيال الاذاعية تحقيقا بدعم من شبكة اريج للصحافة الاستقصائية كشفت فيه عن ثغرة بالقانون الفلسطيني في قانون الجمعيات الخيرية، تتيح للجمعيات إيداع أموالها في الخارج رغم اعتبارها أموالاً عامة للشعب الفلسطيني، وأعد التحقيق الصحفي محمد الرجوب.
ثغرة قانونية عمرها 15 عاماً في قانون الجمعيات الخيرية، تتيح للجمعيات إيداع أموالها في الخارج رغم اعتبارها أموالاً عامة للشعب الفلسطيني، الثغرة لم تكن لتظهر إعلامياً لولا حصول شبكة "أجيال" الإذاعية على بيانات مصرفية مسربة من بنك HSBC - فرع سويسرا، حيث بلغت إيداعات الفلسطينيين في البنك المذكور 148.9 مليون دولار وهي حسابات لأفراد وشركات وجمعيات خيرية.
في هذا التحقيق الصحفي نرصد استخدام جمعيات خيرية عاملة في الأرضي الفلسطينية لهذه الثغرة القانونية، لإيداع أرصدة بملايين الدولارات في البنك المذكور.
ويكشف تحقيق "أجيال" عن ظروف صياغة هذه المادة بضغط من جمعيات أهلية وخيرية، وغياب كبير لأعضاء البرلمان عن المناقشة التي بدأت عام 1998، ما سمح لجمعيات عاملة في فلسطين بوضع أموال "النفع العام" في سويسرا.
** تم انجاز هذا التّحقيق الصحفي في شبكة أجيال الإذاعية بإشراف: وليد نصّار وحمّود المحمود وبدعم من شبكة أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" ضمن ملف "Swissleaks" الذي يزوّد بياناته الاتّحاد الدّولي للصحفيين الاستقصائيين "ICIJ" وصحيفة "لوموند" الفرنسية.
حصلت "أجيال" على الجزء المتعلق بحسابات الفلسطينيين البالغة 97 حسابا تعود لـ 55 عميلا، عن طريق: شبكة أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"، ضمن اتفاق خاص متعلق بالحصول على وثائق ما بات يعرف بـ Swissleaks الذي يزوّد بياناته الاتّحاد الدّولي للصحفيين الاستقصائيين "ICIJ" وصحيفة "لوموند" الفرنسية، واللّذيْن يملكان بدورهما ما تبقى من القائمة المسربة من ذات المصرف لكل دول العالم.
تضم الملفات الكاملة المسربة، البالغ عددها 60 ألفاً والتي تغطي الفترة الممتدة من 1997-2007، تفاصيل عن حسابات لأكثر من 106 ألف عميل من 206 دول تصل قيمتها إلى حوالي 120 مليار دولار، لتكون بذلك أكبر تسريب بنكي في التاريخ.
هدف التحقيق
بعد أسابيع من دراسة الملفات لفتتنا أسماء جمعيات خيرية فلسطينية تمتلك حسابات منذ عام 2006 في بنك HSBC فرع سويسرا، برغم أن التشريعات الفلسطينية "تصبغ صبغة المال العام" على أموال الجمعيات الخيرية وأخضعتها لولاية هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية تماما كأموال المؤسسات الحكومية، بحسب قرار بقانون رقم (7) لسنة 2010م بشأن تعديل قانون الكسب غير المشروع رقم (1) لسنة 2005م، المادة رقم (5) لذا سيهدف هذا التحقيق للتدقيق في أي أموال لها صفة "العمومية".
ومايزيد الوضع تعقيداً على هذه الأموال العامة، هو عدم توفر إحصائية دقيقة عن أعداد الجمعيات الخيرية العاملة في الأراضي الفلسطينية، بسبب عدم حصول بعضها على التسجيل القانوني، أو بسبب الانقسام السياسي والمؤسساتي بين الضفة وقطاع غزة، ولكن التقديرات تفيد بأنّ العدد التقريبي لا يقل عن 3000 جمعية تلقت من المانحين الدوليين والعرب و/أو من تبرعات محلية وخارجية "قرابة 600 مليون دولار في العام 2014" وفقاً لما صرّح به مسؤول حكومي رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية طلب عدم ذكر اسمه.
الملفات المسربة
تعود الحسابات المسربة لعام 2007، حين اخترق خبير "تكنولوجيا المعلومات" لدى بنك HSBC في سويسرا، هرفي فالسياني، الملفات الخاصة بحسابات العملاء في البنك وهربَ بها إلى فرنسا، ومن ثم تدحرجت التسريبات إلى أن وصلت نسخة عنها إلى الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين "ICIJ" العام الماضي ومنه إلى شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج"، وانطلاقا من الشراكة بين "أريج" و"أجيال" بدأ إعداد التحقيق عن الحسابات الفلسطينية في مصرف HSBC.
كان القانون السويسري يتيح في ذلك الحين سرية مطلقة تسمح بمنح العميل (رمزاً مشفرا - code) بدلاً من الاسم، وهو ما تسببت بتحول بعض المصارف السويسرية ومنهاHSBC إلى ملاذ للمتهربين ضريبياً والمسؤولين الذين يودون إخفاء أموالهم التي حصلوا عليها بطرق غير شرعية، ولكن في الحالة الفلسطينية كانت الحسابات وفقا للملفات المسربة بالأسماء وليست بالرموز.
المؤسسة العامة الوحيدة التي ورد لها اسم في القائمة هي وزارة المالية الفلسطينية – صندوق التقاعد الفلسطيني - وكان الحساب في تلك الفترة ومنذ افتتاحه (صفراً). ولدى سؤال هيئة التقاعد الفلسطينية عن هذا الحساب قال رئيس الهيئة د.ماجد الحلو: "إن الحساب في تلك الفترة كان صفراً بسبب إجراءات فنية، ولكن بشكل عام، فإن الهئية تسعى دائماً لتنويع استثمارات أموال التقاعد الفلسطيني على خير وجه مع أولولية حفظها بأقل مخاطرة ممكنة"، موضحاً أن "هذه الحسابات لسيت سرية على الإطلاق وتخضع للرقابة المالية الداخلية والخارجية حسب القانون، وبدوره يقوم مجلس إدارة هيئة التقاعد الفلسطينية برفع التقارير المالية عن الحسابات المصرفية للهيئة، سواء داخل فلسطين أو خارجها بشكل نصف سنوي وسنوي، لكل من الحكومة الفلسطينية، والمجلس التشريعي الفلسطيني" بالإضافة الى متابعة مجلس الإدارة من خلال اللجان المنبثقة عنه، لهذه الاستثمارات بشكل دائم، وأشار الحلو إلى أن "هذه الحسابات لها صلاحية توقيع جماعية وليست فردية بمعنى أن أي قرار للتصرف بهذا المال يكون علنياً وفق القانون".
وخلال رحلة التقصي تبيّن قيامُ جمعيات فلسطينية بإيداع أموال في حسابات مصرفية بالخارج استناداً إلى نصوص القانون رقم (1) لعام 2000، المنظِّم لعمل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية، الأمر الذي يُقَوْنِنُ عمليات تسييل "أموال عامة" إلى الخارج، وهذا ما يثير أسئلة عن الدوافع.
وجاء نص المادة 31 من القانون المذكور على النحو التالي: "على الجمعية أو الهيئة أن تودع أموالها النقدية باسمها لدى مصرف أو مصارف معتَمَدة من قِبَلِها وعليها أن تُخطِر الوزارة المختصّة عن جهة الإيداع"، بمعنى أن القانون الفلسطيني يسمح للجمعية باختيار أي بنك في العالم وليس في فلسطين فقط، بشرط أن تكون الجمعية قد اعتمدت هذا البنك لوضع حساباتها النقدية فيه. وفي عملية مقارنة مع القوانين في دولتين في الإقليم، وجد معد التحقيق أن المادة (17) فقرة (هـ) قانون الجمعيات الأردني رقم (51) لسنة 2008 وتعديلاته لعام 2009 تُلزم الجمعيات بوضع أموالها في بنوك عاملة في المملكة أي تحت سلطة البنك المركزي في الأردن، أمّا في الإمارات العربية المتحدة وحسب القانون رقم(2) لسنة 2008 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام فإن المادة رقم (38) ، تشددُ الشرط بأن يكون البنك الذي تودّ الجمعية الخيرية الإيداعَ فيه إماراتياً وداخلَ الدولة.
©أجيال