يُعدّ حقل الدرّة النفطي واحداً من خمسة عشر حقلاً مشتركة بين إيران ودول الخليج. ومع 20 ألف مليار قدم مُكعب من الغاز و310 ملايين برميل من النفط، لا أفق لاتفاق على هذا الحقل. فهل يُصبح حقل الدُرّة أكثر تعقيداً من حقل الذرّة؟يقع حقل الدرّة في البحر الذي يفصل الكويت والمملكة العربية السعودية من جهة وبين إيران من جهة أخرى (Lat. 28.8; Long. 49.233333).
وتتنازع هذه الدول السيادة على هذا الحقل، الذي تختلف تسميته بين حقل الدرّة (لدول الخليج) وحقل أراش (لإيران)، وذلك منذ ستينات القرن الماضي حين قامت كل من الكويت وإيران بإسناد التنقيب واستخراج الغاز والنفط إلى BP و Royal Dutch/Shell.
لكنّ عمليات التطوير واستغلال هذا الحقل المشترك لم تتمّ فعلياً. وبالتالي، فإنّ الإستثمارات في هذا الحقل لم تتمّ. ويعود السبب إلى أنّ هناك خلافاً على تمويل هذه الإستثمارات من ناحية أنّ إيران التي تقول إنّ 5% من هذا الحقل تقع في المياه الإقليمية الإيرانية.
وبالتالي، فإنّ أي استثمارات يجب أن تكون بنفس نسَب الملكية. لكن هذا الأمر رفضته الكويت والمملكة العربية السعودية. وبذلك تتهم إيران دول الخليج العربي بـ»مساعدة بعضها على استغلال الحقول المشتركة». وشملت كل دول الخليج: الكويت، قطر، البحرين، الإمارات والمملكة العربية السعودية.
والغريب في الأمر على هذا الصعيد هو لماذا اتهام قطر في حين أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي أنهَت الخلافات على الحقول مع إيران؟ لكنّ الاكتشاف الحديث لحقل الغاز الهائل شمال قطر، أثار شهية إيران التي تقول إنّ هذا الحقل هو حقل مُشترك بينها وبين قطر، وبالتالي تُسمّي هذا الحقل بحقل جنوب فارس!
ومن الأسباب التي تؤجّج الخلافات السياسية على سيادة هذا الحقل، الأبعاد الاقتصادية الناتجة عنه وبالتحديد حجم الإحتياط من الغاز والنفط. فالتقديرات تُشير إلى وجود احتياط من الغاز قيمته 20 تريليون قدم مكعب من الغاز وما يزيد عن 310 مليون برميل من النفط.
وهذا ما دفع دولة الكويت والمملكة العربية السعودية في العام 2013 إلى الاتفاق على دفع استثمارات تطوير حقل الدرّة (القسم التابع لهما) خصوصاً بعد رفض هاتين الدولتين أن تُساهم إيران فقط بنسبة 5% بهذه الإستثمارات ورغبة إيران في الانفراد باستثمار ما يوازي 45 مليار دولار أميركي في هذا الحقل، ما خَلق نوعاً من التسابق بين الفريقين.
في نهاية شهر آب 2015، إتهمت إيران الكويت بوضع يدها عسكرياً على حقل الدرّة المتنازَع عليه وهددت باستخدام قوّاتها البحرية لإعادة الأمور عليه. لكنّ الجيش الكويتي أكّد عدم وجود أيّ قوات مسلّحة في منطقة الحقل، وقال إنها ادعاءات. من جهته طلب رئيس مجلس الأمّة من الحكومة التحقيق في الأمر لِما له من حساسية.
وبحسب الصحافة الكويتية انّ وزير الخارجية الكويتي احتَجّ لدى طهران على قيام هذه الأخيرة بتطوير حقل الدرّة بشكل أحادي. وهذا ما يُبرّر بالتالي التوتر الأمني والإتهامات المُتبادلة.
العلاقات مع إيران في فترة ما بعد النووي
والغريب في الأمر من قبل طهران هو لماذا التصعيد مع الكويت وهو البلد الخليجي الوحيد الذي قرّر، وخلافاً لرأي معظم دول الخليج، استثمار 150 مليار دولار أميركي في قطاع النفط الإيراني. وبحسب اعتقادنا، نرى أنّ المشكلة هي مع المملكة العربية السعودية وليس مع الكويت. وللتذكير، فإنّ هذه الحقول توجد بمعظمها في الجهة العربية من الخليج. وبالتالي، فإنها مُشتركة بين الدول الخليجية وإيران بنسَب مختلفة بحسب إتفاقية جنيف (1985)، والتي أدخلت في تعريف الجرف القاري، الطبقات المتصلة بالشاطئ.
وهذا الأمر تستخدمه إيران في العمق لحفظ حقوقها. ويبقى السؤال أنّ إيران لها مشاكل كبيرة مع مُعظم الدول المجاورة حول حقول نفط وغاز. فمثلاً هناك حقل هنجام الغازي بين سلطنة عمان وإيران، وقد بدأت إيران بتطوير الجزء الخاص بها منفردة، وهذا ما يفرض إشكالية الثقة شِبه المعدومة مع الجار الإيراني تقود الى حالة عدم ثبات كما هي الحال مع الكويت الآن.
ويبقى السؤال عن دور الاتفاق النووي في حلّ هذه المشاكل؟ والجواب هو أنّ هذا الواقع سيبقى على حاله إلى حين حلّ نقطتين: الأولى التي تنصّ على موافقة الكونغرس على الاتفاق النووي، والثانية التي تتناول مستقبل العلاقة بين إيران والسعودية.
من هذا المُنطلق نرى أنّ هذه التحركات العسكرية ما هي سوى تثبيت مواقف بين هذه الدول من ناحية أن لا مصلحة لها بافتعال مواجهات عسكرية في لحظة ما قبل ترجمة الاتفاق النووي على الأرض. لكنّ الملاحظ في الأمر أنّ الخلاف على حقل الدرّة قائم منذ العام 1960 ولم يُحلّ.
في حين أنّ الخلاف مع الغرب على الملف النووي، والذي دام منذ العام 1979 وحتى منتصف هذا العام، تمّ حلّه بواسطة المفاوضات. وهذا ما يجعلنا نتساءل إذا ما أصبح حقل الدُرّة أكثر تعقيداً من حقل الذرّة؟
ويبقى القول في النهاية إنّ لإيران مصلحة أكبر في تهدئة الأوضاع مع جيرانها، خصوصاً أنّ العقوبات الدولية التي فرضت على إيران خلال عقود كَبّدتها خسائر هائلة، وذلك بإهمال الصيانة ما خَفّض الإنتاج التقني الى ما لا يقلّ عن 12% سنوياً.
كما أنّ غياب رأس المال يبقى العائق الأساسي أمام إيران لتطوير وتحديث أيّ حقل نفط أو غاز. لذا، هي بحاجة كبيرة إلى رؤوس أموال أجنبية تسمح لها بالعودة إلى نادي الدول المنتجة والمُصدّرة للنفط.
© الجمهورية اللبنانية