رئيس التحرير: طلعت علوي

لإدارة الأميركية تسعى لمنع تسييس القضاء .. الدعاوى ضد السلطة نموذجا

الأحد | 30/08/2015 - 10:21 صباحاً
لإدارة الأميركية تسعى لمنع تسييس القضاء .. الدعاوى ضد السلطة نموذجا

اضطرت الإدارة الأميركية، أخيرا، إلى توجيه خطاب، واضح ومباشر، إلى المحكمة الفيدرالية في نيويورك تحذر فيها من مغبة إلزام السلطة الوطنية بدفع كفالة مالية من شأنها إعجازها عن أداء وظائفها تجاه مواطنيها وهي تعيش أزمة مالية مزمنة، ما يقوض سنوات طويلة من الجهد لإحلال السلام في الشرق الأوسط.

من الواضح إن الدعاوي المرفوعة ضد السلطة ومنظمة التحرير في الولايات المتحدة من قبل إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية قتل أو أصيب أقارب لهم في هجمات شنت ضد جنود ومستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية بين عامي 2002 و2004، وتحميل السلطة والمنظمة مسؤولية هذه الهجمات، بدعم مباشر ومفضوح من قبل إسرائيل وجماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة، إنما محاولة لتسييس القضاء الأميركي ووصم الفلسطيني بالإرهاب، وما موقف الإدارة الأميركية، وهو الأول من نوعه في تاريخ القضاء الأميركي، إلا دليل على ذلك، ومسعى منها لإبقاء القضاء الأميركي متوازنا وبعيدا عن الصراعات السياسية، وهكذا كان بالقرار الذي اتخذه القاضي الفيدرالي جورج دانيلز الاثنين الماضي.

في خلفيات القضية، إن مجموعة من العائلات اليهودية ذات الجنسية المزدوجة، ممن قتل أو أصيب أقارب لها في تلك الهجمات، رفعوا في العام 2008 دعاوى ضد السلطة ومنظمة التحرير أمام القضاء الأميركي مطالبين بتعويضات ضخمة، وفي شباط الماضي أصدرت محكمة فيدرالية في نيويورك حكما يقضي بإلزام السلطة دفع مبلغ 216 مليون دولار تعويضات لهذه العائلات، يرتفع الى ثلاثة أضعاف بحكم القوانين الأميركية المتعلقة بـ'الإرهاب'، أي إلى 655 مليون دولار، إضافة إلى مطالبة المدعين بمبلغ 450 مليون دولار فوائد تأخير، ليرتفع اجمالي المطالبات إلى أكثر من مليار دولار.

لكن السلطة سارعت إلى تقديم استئناف على هذا الحكم، وبما أن القوانين الأميركية تقضي بأن يودع المدعى عليه مبلغ يعادل 110% من أصل المبلغ المحكوم به في حال الاستئناف، كان مطلوبا من السلطة إيداع نحو 700 مليون دولار على الأقل، إلى حين البت بالاستئناف بعد حوالي 12 شهرا، ما يعني إفلاسها، إضافة إلى كون ذلك خضوعا لمحاولات استغلال القضاء الأميركي لابتزاز السلطة، وهذا ما سعت الإدارة الأميركية إلى منعه، ونجحت في ذلك بتفهم وتجاوب من القضاء الأميركي، وبدلا من ذلك، فقد حكم القاضي دانيلز، في جلسة عقدتها المحكمة للنظر في استئناف السلطة، بخفض المبلغ الواجب إيداعه إلى 10 ملايين دولار فقط، يغذى بمليون دولار شهريا لمدة 12 شهرا، ما يعني أن كامل المبلغ المطلوب إيداعه من قبل السلطة، وهو مسترد عند البت في الاستئناف، انخفض من نحو مليار دولار إلى نحو 22 مليون دولار فقط، رافضا مطالب محامي المدعين إلزام السلطة دفع مبلغ 200 مليون دولار فورا وتغذيته بـ30 مليونا شهريا إلى حين البت في الاستئناف.

الأهم من ذلك، أن القاضي أوقف تنفيذ الحكم ضد السلطة بالكامل مع عدم إتاحة المجال للمدعين بتقديم أية اعتراضات جديدة خلال فترة الاستئناف، وقطع الطريق نهائيا أمام المدعين بالمطالبة بأية مبالغ إضافية تحت مسمى فوائد تأخير أو غيرها من المسميات، كما رفض مطالب محامي المدعين بأن يتضمن قراره أيه صيغ يفهم منها أن الحكم ضد السلطة سينفذ في نهاية المطاف، وفي هذا دالة قوية أن القرار النهائي للمحكمة الأميركية سيكون لصالح السلطة.

في حيثيات قراره، قال القاضي دانيلز، إنه أخذ بالحسبان تحذير وزارة الخارجية الأميركية من مغبة إلزام السلطة الفلسطينية بدفع كفالة مالية عالية نظرا لوضعها المالي الصعب.

وصدر الأمر بعدما طالبت حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما القاضي دانيلز بأن يضع في الاعتبار الوضع المالي للسلطة لدى تحديد قيمة الكفالة المالية، قائلة إن تحديد كفالة كبيرة جدا قد يعرض قدرتها على العمل للخطر.

وقال نائب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في إخطار إلى المحكمة في وقت سابق من الشهر الحالي إن انهيار السلطة الفلسطينية سيقوض عدة عقود من السياسة الخارجية الأميركية ويضيف عاملا جديدا لزعزعة الاستقرار بالمنطقة.

وقال القاضي دانيلز إنه راعى بشدة موقف وزارة الخارجية أثناء إعداده للأمر الذي أصدره على الرغم من اعتراض المدعين واعتبارهم أن المبلغ أصغر بكثير من اللازم، مؤكدا أن الحكم الكامل سيظل موقوفا أثناء نظر الاستئناف ما دام يتم دفع المبالغ الشهرية المطلوبة (مليون دولار).

مداخلة الإدارة الأميركية كانت مثار ارتياح ومحل ترحيب فلسطيني، وقال وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة معلقا على ذلك 'لأول مرة تنجح جهة مدعى عليها بهذا النوع من القضايا بحشد جهد الإدارة الأميركية لضمان عدم تسييس القضاء والحفاظ على توازنه'.

وفي رسالة تلقاها بشارة صباح الثلاثاء الماضي، اليوم التالي لقرار القاضي دانيلز، اعتبر المحامي ميتشيل برجر المكلف بالملف نيابة عن السلطة هذا القرار 'نصرا' وقال 'إنه يدلل على قوة مرافعة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية والأدلة التي قدمتها، رغم اعتراضات المدعين، وسنستمر في الدفاع بقوة عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ونتطلع إلى الحصول على الحكم النهائي على الجانب الصحيح من التاريخ'.

©وفا 

التعليـــقات