في مدينة الخليل القديمة جنوب الضفة الغربية، حيث عبق التاريخ وسحر الماضي البعيد لأحياء وأسواق عتيقة تجثم على أرض المكان منذ خمسة آلاف عام، يتربع الحمام التركي احد اهم الحمامات التاريخية الذي يفصح عن معمارية المدينة وإرثها الحضاري.
هناك، في 'البلدة القديمة'، حيث قداسة الأنبياء، وقبور إبراهيم وزوجته سارة ويعقوب وزوجته، ورائحة التوابل، والسمكرجية، ومطارق الحدادة العربية، وأصوات الباعة المتجولين على امتداد الأسواق المسقوفة.. هناك يتربع الى جانب الحمام التركي، حمام إبراهيم الخليل، وحمام داري، وحمام البركة، وحمام كاتبة بدر، وحمام الشيخ بدير.
ويعبر وجود الحمامات التركية على هذا الطراز عن قدم المدينة وأهميتها التاريخية مثل القدس، ونابلس.
وتشهد الخليل التي تمتلك تراث فريد من نوعه، ورشة ترميم مستمرة لأماكنها التاريخية بموجب مرسوم رئاسي اصدره الرئيس الراحل ياسر عرفات يوم 12 آب/أغسطس 1996، من أجل الحفاظ على موروثها الثقافي وتشكيل جسر سياحي بين عناصرها التاريخية المتمثلة بالسوق القديمة وخان الخليل، والمباني ذات القباب المعلقة، ومتحف الخليل، وقنوات المياه والبرك والأسبلة، كسبيل الطواشي وصحن الحرم وسيف الدين سلار وسبيل وقناة العين الحمراء والرباطات والتكية والزوايا ومسجد ابن عثمان ومسجد القزازين، وصولا الى الحرم الابراهيمي الشريف.
مدير عام لجنة اعمار الخليل عماد حمدان، يؤكد اهمية الحمام التركي الذي يقع في وسط مدينة الخليل القديمة، والذي شيد في العهد المملوكي (1250-1517م)، مبينا ان الخليل وبحكم موقعها الاستراتيجي كانت محطة للوافدين والقوافل العابرة بين بلاد الشام ومصر. وكانت المدينة توفر كل احتياجات تلك القوافل.. هنالك سوق الوكالة المركزي، والخانات، وهي تشبه الفنادق، بغرف منفصلة، بالإضافة الى وجود اصطبلات للخيول والجمال، وبالقرب منها بركة السلطان، والحمام التركي الذي يخدم الاهالي والوافدين.
وأضاف، كان الحمام التركي محط اهتمام لجنة اعمار الخليل بترميميه والمحافظة عليه لأغراض وظيفية جديدة، مستغلة المكان كمتحف أثري نفذت فيه العديد من الانشطة والمعارض التي اضاف عليها المكان تأثيرا مبهرا ولافتا.
وأوضح حمدان أثر الاحتلال واعتداءاته على البلدة القديمة وعلى مسيرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتنفيذ الخطط والمشاريع فيها، وقال: في بداية عام 2000 تم اغلاق المنطقة وإغلاق الباب الرئيسي 'باب الخان' المؤدي الى الحمام التركي بشكل تام، وتم عزل المكان وأصبح من الصعب الوصول اليه لقرب الموقع من مستوطنة 'ابراهام ابينو' التي اقيمت في سوق الخضار القديمة 'الحسبة'، ووضع الاحتلال نقطتي مراقبة على سطح الحمام التركي عبر جسر من المستوطنة الى السطح، مشيرا الى اعتداء المستوطنين على قبابه التي تدخل الإضاءة والهواء الى داخله وتكسير الصحون الزجاجية والفخارية، مبينا ان المياه أصبحت تدخل من تلك الفتحات الى داخل المبنى، ما اثر بشكل سلبي على المبنى وما بداخله، وفي هذه الفترة تمت سرقة الكثير من المقتنيات الاثرية من داخله من قبل المستوطنين على مرأى ومسمع جيش الاحتلال، وسارعت لجنة الاعمار الى نقل الاثار والتحف الى وزارة السياحة لإنقاذها من يد المستوطنين.
وأضاف حمدان، بعد اغلاق الطريق المؤدية الى مدخل الحمام التركي عملت اللجنة على ايجاد مدخل آخر من وسط السوق من الجهة الخلفية للحمام، وأصبح مدخله الرئيسي نتيجة الظروف القهرية من قبل سلطات الاحتلال، وبدأ العمل على ترميمه بشكل ادق لتحويلة الى مركز سياحي من الدرجة الاولى.
وأشار الى تقديم مقترح مشروع الترميم للحكومة الإيطالية، والذي تمت الموافقة علية وكان بمثابة شراكة حقيقية من ناحية فنية، واكتساب مهارات خبرات الايطاليين في مجال الترميم، وتدريب العمال والمهندسين بمدارس حرفية ايطالية لها علاقة بالترميم.
وأشار الايطاليون الى ضرورة فتح باب للطوارئ في المبنى، وكان المنفذ الوحيد له معقدا ويتطلب حل مشاكل مع المالكين، وبهذا تم فتح مدخل خلفي من سوق اللبن، موضحا أنه تم الكشف عن مواقع لها صلة بالحمام، منها: بيت النار، والبئر، ومكان القدور التي تسخن بها المياه، ومكان حفظ الزيت، وأغراض اخرى. وبذلك تم اضافة مرافق الحمام للمبني.
وقال حمدان، في الوقت الحالي نتعامل مع الموقع ضمن خطة لخلق مسار سياحي في البلدة القديمة، مشيرا الى انجازات لجنة اعمار الخليل من انشاء حديقة الصداقة، ومواقف للسيارات، وتأهيل الشوارع وترميم المعاصر القديمة، وتأهيل العديد من الاضرحة الدينية والزوايا، وفندق سياحي ليكمل المسار السياحي.
بدوره شرح المهندس المشرف على ترميم الحمام التركي حلمي مرقة، لـ'وفا' اهم اعمال الترميم التي جرت في الحمام التركي لإبراز العناصر الاساسية له في الوظيفة الجديدة.
وأوضح ان الحمام يتكون من ست حجرات، وساحة اخرى كانت مكانا لتناول الأرجيلة وشرب القهوة، وتبلغ مساحته حوالى 300 متر مربع.
وقدر عمر المبنى ما بين 700 الى 800 عام، حسب الروايات التاريخية التي بحثت بتاريخ مدينة الخليل، مبينا انه صمم على الطريقة القديمة للحمامات الرومانية، وتبدو فيه غرف ذات مياه باردة وأخرى دافئة.
وأوضح ان المنطقة الباردة هي اهم قاعات الحمام وهي المدخل الرئيسي له، وتعتبر الوظيفة المقترحة لهذا المكان متعددة الاغراض من حيث ابراز الوظيفة المعمارية للدخول والخروج، وتوجد في القاعة اماكن توضع فيها الليف، والصابون، والمناشف، وأماكن اخرى للأحذية الخشبية التي يحتاجها مرتادو الحمام.
وتعطي النافورة التي تتوسط القاعة الباردة جمالا، وتعدل درجات الحرارة تمهيدا للانتقال الى المرافق الاخرى، وفي عملية الرجوع لها وظيفة مشابهة في تهيئة الناس قبل الخروج من الحمام، وهنالك امكانية لتناول المشروبات والتحضير الى خروج المرتادين بسلامة وبشكل صحي.
وأشار مرقة الى ان القاعة المتوسطة فيها مرحاضان وحمام، وهي اهبط من المنطقة الساخنة والباردة، ولها مفاهيم، ومكوناتها اساسية من حيث درجة الحرارة والرطوبة والضغط، وهي منطقة انتقال بين الساخن والبارد وتهيئة للمرحلتين.
وبين ان هنالك قنوات تسخن ارضية الحمام وتبرز الاحتراق في المنطقة الساخنة، والحجر يكون ساخنا وعند تلامسه بالماء يظهر البخار، وتظهر البيئة الداخلية في المحافظة على الحرارة، بينما يجر العمل على وضع مجسات لوظيفة كل ركن من الحمام من حيث الرائحة، والأصوات، والبخار، والدخان، مؤكدا ان هناك صورا تبين كل هذه المؤثرات لإبراز الحمام بمفهومه القديم عبر محاكاة لوظيفته الأولى عن طريق استشعار كل هذه المراحل.
©وفا