رئيس التحرير: طلعت علوي

التهريب يصيب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل .

الخميس | 20/08/2015 - 09:21 صباحاً
التهريب يصيب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل .

 

لا يكاد يمر يوم على طواقم حماية المستهلك الفلسطينية من دون التعرض لقضية تهريب منتجات إسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية، وإعادة تصديرها أحيانا على أنها منتجات فلسطينية، لسهولة تمريرها إلى الأسواق التي ترفض استيراد منتجات إسرائيلية، كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي التي تحظر منتجات المستوطنات.
وتقول الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الفلسطينية إنها ضبطت 108 أطنان من منتجات الاحتلال الإسرائيلي، خلال شهر يوليو/تموز الماضي.
بينما تفيد البيانات الصادرة عن الوزارة بأن النصف الأول من العام الجاري شهد ضبط وإتلاف 850 طنا من المواد المخالفة، أكثر من نصفها منتجة في إسرائيل أو مهربة منها.
وتتنوع المضبوطات بين مواد التجميل والأغذية، والحيوانات الحية، والتبغ والمشروبات، ومشتقات الوقود والمواد ذات الصلة، والزيوت النباتية والحيوانية، والمنتجات الكيميائية، والمعدات وأدوات النقل.
ويقول مراقبون إن انتشار التهريب يعكس غياب الإجراءات الرادعة، ويشير إلى حجم الاستفادة الإسرائيلية من استمرار إدخال منتجات الاحتلال الزراعية والصناعية أو منتهية الصلاحية إلى السوق الفلسطينية بطرق غير شرعية.
وتعود ظاهرة التهريب بالأساس لغياب سيطرة السلطة الفلسطينية فعليا على المنافذ الحدودية، و62% من مساحة الضفة المسماة مناطق "ج"، بموجب اتفاقيات سياسية.
ويخلق التهريب أضرارا مركبة للفلسطينيين، فمن جهة يستغل بعض السماسرة الفرصة السانحة لإدخال منتجات غير مطابقة للمواصفات، ويلحق أضرارا بالقطاعين الزراعي والصناعي، ويحد من الفرص التسويقية لإنتاجهما، فضلا عن آثار سلبية على المالية العامة، بسبب إدخال بضائع خارج المظلة الجمركية.
وبرغم إعلان الجهات الرسمية الفلسطينية تباعا عن ضبط مواد مهربة أو فاسدة، إلا أن أغلبية المنتجات التي يجري إدخالها للسوق الفلسطينية من إسرائيل ومستوطناتها بالضفة تشق طريقها إلى المستهلكين. ويقول خبراء اقتصاديون إن قيمة المواد المهربة لا تقل عن مليار دولار سنويا.

غياب الردع

يعزو مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، إبراهيم القاضي، استفحال ظاهرة التهريب إلى تكامل عوامل سياسية، مثل غياب السيطرة الأمنية الفلسطينية على المعابر الحدودية ومناطق "ج"، وعوامل ذاتية تتمثل في غياب الردع العقابي للمهربين بعد ضبطهم وإحالتهم للقضاء الفلسطيني.وكانت السلطات أحالت 300 تاجر إلى القضاء بتهمة التهريب في النصف الأول من 2015

والمناطق "ج" هي المناطق الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنيا وإداريا، وتشكل نحو 61% من مساحة الضفة الغربية.
وقال القاضي: "رغم مناشداتنا المستمرة للقضاء لتطبيق القوانين السارية، لم تصدر حتى اللحظة أحكام رادعة في ملف الجرائم الاقتصادية، ولو كان هناك محكمة مختصة بهكذا جرائم ستكون أكثر قدرة على تقدير الأحكام لمعرفتها بحجم الخطر الذي يشكله التهريب على الاقتصاد الفلسطيني".
ويعاقب قانون حماية المستهلك الفلسطيني بالحبس لمدة تصل في أقصاها إلى 10 سنوات، وتغريم حده الأعلى 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار)، من يقوم بترويج بضائع فاسدة أو منتهية الصلاحية عمدا.
وكان مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني وعد، بداية العام الجاري، بتنظيم العمل عبر إيجاد محاكم مختصة، لكن ذلك لم يحصل.
وكشف القاضي عن إحالة دائرة حماية المستهلك 144 تاجرا في عام 2014 إلى القضاء من خلال نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية، بعد ضبطهم أثناء عمليات التهريب، في حين تمت إحالة 300 تاجر في النصف الأول من العام الجاري، "من دون أن يصدر حكم رادع واحد، وكل ما صدر كانت مخالفات مالية بالحد الأدنى"، معتبرا في حديثه مع "العربي الجديد" أن عدم إصدار أحكام رادعة كما ورد في القانون يعني أن "التشريعات حبر على ورق". وحول من يقوم بالتهريب، أوضح القاضي أنهم أفراد متنقلون، وآخرون يحملون الهوية الإسرائيلية، وتجار مسجلون في الغرف التجارية.

مفارقة

وفي وقت لا تجد فيه منتجات زراعية فلسطينية فرصة تسويقية، في ظل إغراق السوق المحلية بالمنتج الإسرائيلي، تقول وزارة الزراعة إنها لا تمنح أية تصاريح استيراد منتجات زراعية من أي جهة، بما فيها إسرائيل، إلا في حال عدم وجود منتج محلي أو عدم قدرته على تلبية كافة الاحتياجات المطلوبة.
"
 

" ويعزو الوكيل المساعد للشؤون الفنية في الوزارة، زكريا سلاودة، وجود المنتجات الزراعية الإسرائيلية في السوق الفلسطينية، في ظل عدم وجود تصاريح رسمية باستيرادها، لعمليات التهريب المنظمة التي يقوم بها سماسرة فلسطينيون لديهم ارتباط بسماسرة إسرائيليين.
وأوضح في حديثه مع "العربي الجديد" أن تكلفة مدخلات الإنتاج المنخفضة على المزارع الإسرائيلي، خاصة الثمن المنخفض للمياه، تتيح له بيع منتجاته بسعر أقل من المزارع الفلسطيني الذي يعاني من سيطرة الاحتلال على معظم مصادر المياه في الأراضي الفلسطينية.
ولفت إلى أن هذا الواقع يجعل التهريب مجديا، خاصة في ظل إقبال المستهلك الفلسطيني على المنتج الأقل ثمنا، نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة للشريحة الأكبر من المجتمع.
ويتهم رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، صلاح هنية، في مقابلة مع "العربي الجديد"، الجهات التنفيذية بالتراخي أحيانا في مكافحة التهريب "على اعتبار أن هذا يتم في مناطق مصنفة (ج) لا تتواجد فيها قوات الشرطة الفلسطينية".

ثغرات

ومن الملاحظ وجود مرجعيات عديدة في عمليات ملاحقة المهربين وضبط المواد المهربة، ما بين طواقم حماية المستهلك (وزارة الاقتصاد)، والرقابة الزراعية، والضابطة الجمركية، والشرطة الفلسطينية. ولمعالجة هذا الواقع تدعو مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية إلى توحيد الجهود تحت مظلة واحدة كما هو قائم في العديد من الدول، بحيث تتولى "مؤسسة الغذاء والدواء" مسؤولية سلامة الأغذية والأدوية لجمهور المستهلكين.

©العربي الجديد
 

التعليـــقات