رئيس التحرير: طلعت علوي

أزمة رواتب موظّفي غزّة تتسبّب بتدهور العلاقات الإجتماعيّة

الأربعاء | 15/04/2015 - 10:20 صباحاً
أزمة رواتب موظّفي غزّة تتسبّب بتدهور العلاقات الإجتماعيّة

رشا أبو جلال

 

 

 

 خلّفت أزمة رواتب موظّفي القطاع الحكوميّ في غزّة، مظاهر إجتماعيّة سلبيّة للغاية، كان ضحيّتها الموظف الّذي أغلقت أمامه كلّ الأبواب لتدبير حاجات أسرته الغذائيّة في ظلّ تراكم الديون على كاهله ومطالبات الدائنين المستمرّة بسدادها.

وهناك نحو 42 ألف موظّف عيّنتهم حركة "حماس" خلال فترة حكمها قطاع غزّة بين عامي 2007 و2014، يعانون حياة معيشيّة صعبة، نتيجة عدم صرف حكومة الوفاق رواتبهم منذ تولّيها الحكم في حزيران/يونيو من عام 2014.

ورأى المتخصّص الإجتماعيّ درداح الشاعر أنّ أزمة الرّواتب في غزّة واستمرار الانقسام الداخليّ، جعلت معظم الموظّفين مقيّدين بديون كالجبال، الأمر الّذي أجبرهم على اتّخاذ طرقاً وأساليب غريبة لحياتهم، لتجنّب الوقوع المستمرّ في الإحراج مع الدائنين، وقال لـ"المونيتور": "هذه الطرق والأساليب تتّسم بالهروب من الدائنين والانغلاق والانعزال عن المجتمع، ممّا أدّى إلى تقويض العلاقات الإجتماعية للموظّفين وأسرهم، وجعلهم يفضّلون عدم الاختلاط بالآخرين".

وفضّل الموظّف الحكوميّ مهنّد الشيخ (29 عاماً)، الّذي يسكن في مدينة غزّة ويعيل 6 أفراد، عدم المشاركة في المناسبات العائليّة مثل حفلات الزفاف أو العزاء، تجنّباً لمقابلة أقرباء له يطالبونه بتسديد ما عليه من ديون، وقال لـ"المونيتور": "منذ تولّي حكومة الوفاق الوطنيّ مسؤوليّتها في غزّة، ونحن نطالبها بصرف رواتبنا في شكل منتظم، إلاّ أنّها لم تستجب لمطالبنا، الأمر الذي جعلنا نتّجه إلى استدانة الأموال من أجل إعالة أسرنا وسدّ جوع أطفالنا، حتّى تكدّست الديون على كاهلنا".

وأشار إلى أنّ الموظّفين كانوا يأملون أن تحلّ الأزمة في وقت قصير حتّى يتمكّنوا من سداد الدائنين، وقال بصوت مختنق: "إنّ استمرار هذه الأزمة جعلنا نغلق الباب على أنفسنا في وجه المجتمع، ونبقى رهن الإقامة الجبريّة المنزليّة، حتّى لا نلتقي بالأشخاص الذين يطالبوننا بتسديد الأموال المستدانة".

وفي هذا السّياق، تلقّى الموظّف هيثم البحطيطي (42 عاماً)، الّذي يعيل 9 أفراد، تهديدات عدّة من صاحب محلّ البقالة المجاور لمسكنه في حيّ الصبرة بوسط مدينة غزّة، بالتوجّه إلى الشرطة وزجّه في السجن، بسبب تراكم ديونه حتّى بلغت 6000 شيقل (نحو 1500 دولار)، مقابل موادّ غذائيّة وتموينيّة، وقال لـ"المونيتور": "أصبحت أشعر بالخجل الشديد بسبب مطالبات صاحب البقالة المستمرّ من أجل تسديد الأموال المستحقّة، ولكن ليس في اليدّ حيلة، وبتّ تجنّباً للحرج أسلك طرقاً التفافيّة لتفادي المرور من أمام بقالته للوصول إلى منزلي".

وأوضح أنّ الخلافات السياسيّة بين حركتي "فتح" و"حماس"، جعلت الموظّفين يشعرون بالإنهاك، وحوّلتهم إلى مطاردين من قبل أصحاب الدّين، مشيراً إلى أنّ أزمة الرّواتب حوّلت الحياة إلى "جحيم" بالنّسبة إلى الموظّفين.

ومن جهته، فضّل الموظّف الحكوميّ مراد جبر (37 عاماً) الإغلاق على نفسه في غرفته داخل منزله، هرباً من مطالبات زوجته له بإعطائها المال لشراء الحاجات الغذائيّة الضروريّة، وتجنّباً لتوسّلات أطفاله بمنحهم بعض الشواكل لشراء الحلويات، إضافة إلى مطالبات صاحب المنزل المستمرّة بسدّ قيمة الإيجار، وقال لـ"المونيتور": "زادت مشاكلي الزوجيّة بصورة خطيرة تشكّل تهديداً لأمن أسرتي واستقرارها، بسبب عدم توافر المال في حوزتي لتدبير حاجات المنزل. كما بتنا لا نزور أحداً من عائلات أشقّائي وأقاربي لأنّ ليس لديّ المال لشراء (هديّة الزيارة)، الأمر الّذي جعلنا منعزلين عن المجتمع".

وبالنّسبة إلى درداح الشاعر، فإنّ تكبيل ربّ الأسرة بالديون وتهديدات الملاحقة القضائيّة والشرطيّة الّتي يطلقها الدائنين، تزيد من نسبة المشاكل الإجتماعيّة والزوجيّة، الّتي قد تؤدّي إلى حدوث الطلاق، ووضع ربّ الأسرة في حال عزلة وانطواء وعدم الرّغبة في مخالطة الآخرين.

وكان وكيل وزارة المال في حكومة "حماس" السّابقة يوسف الكيّالي، أعلن في السابع والعشرين من مارس/آذار صرف دفعة ماليّة لجميع الموظّفين الحكوميّين الّذين عيّنتهم "حماس" في غزّة.

وقال الكيّالي في تصريح مقتضب نشره على صفحته على موقع "فيسبوك": "رغم الضائقة الماليّة الخانقة وصعوبة توفير السيولة، سنبدأ بصرف دفعة ماليّة لجميع الموظفين بما يعادل الـ40 في المئة من راتب شهر فبراير/شباط".

من جهته، أشار مصدر مطّلع في حكومة "حماس" السّابقة إلى أنّ "حماس باتت أخيراً [منذ شهر تشرين الأول 2014] تصرف دفعات صغيرة من الرّواتب الشهريّة للموظّفين في محاولة للتّقليل من الأضرار الإجتماعيّة الّتي أصابتهم وأسرهم"، وقال المصدر الّذي رفض عدم الإفصاح عن اسمه لـ"المونيتور": "هذه الأموال تجمعها حركة حماس من الضرائب في غزّة. وبسبب عدم تولّي حكومة التّوافق مسؤوليّة غزّة وتركها من دون الرّعاية المطلوبة، ترفض حماس إرسال هذه الضرائب لها، وقرّرت دفعها كأجزاء لرواتب موظفيها".

وكانت نقابة "الموظّفين في القطاع العام"، في غزّة، أعلنت في بيان نشر في السادس والعشرين من مارس/آذار، إتّفاقها مع رئيس حكومة التّوافق رامي الحمد الله، على تشكيل لجنة لحلّ أزمة رواتب الموظّفين.

وقال رئيس النّقابة محمد صيّام: "إنّ وفداً من النّقابة التقى الحمد الله (خلال زيارته لغزّة في الخامس والعشرين من مارس/آذار)، للبحث في مشاكل موظّفي حكومة غزّة السّابقة. وكان اللّقاء إيجابيّاً، وتمّ الإتّفاق على تشكيل لجنة لمعالجة قضيّة الموظّفين".

وبالنّسبة إلى الموظّف جبر، فإنّ هذه الدّفعات الماليّة الّتي تصرفها "حماس" لموظّفيها "لا تغيّر من الواقع شيئاً، فهي تخفّف قليلاً من حدّة الأزمة، ولكن لا تحلّها. كما أنّها لا تكفي لسدّ الحاجات الضروريّة لأيّ أسرة"، متمنيّاً أن تتمكّن اللّجنة الحكوميّة المشكّلة لحلّ قضيّة الموظّفين، من إنجاز مهامها سريعاً وإتمام عمليّة دمج موظّفي حكومة "حماس"، وفق السلّمين الإداريّ والماليّ التّابعين للسّلطة الفلسطينيّة

 

.al-monitor.com

 

التعليـــقات