حكيم عنكر
اليوم، يطوى النقاش حول قضية المرأة العربية، مباشرة بعد "نفوق" يوم 8 مارس، ليعود كل فريق إلى صفه، المطالبون بمزيد حريات للمرأة إلى صالوناتهم، والمدافعون عن بقائها قيد العهود السابقة إلى فللهم الراقية المدوزنة بالأرابيسك. في استطلاع رأي، أبدت شابات عربيات بحجاب ومن دونه، انزعاجهن من تركيز الإعلام العربي على قضية المرأة العربية، وكأنها اكتشاف عجيب أو تحفة أثرية، عثر عليها للتو. الفضاء الإعلامي ضاج بمادة ملساء، تفيض عن الحاجة، والسياسيون ونصراء قضية المرأة منشغلون بإحصاء أضرار ومخلفات ما بعد الربيع العربي على قبيلة النساء، وتناوبوا بمشارط التحليل على الجسد العربي المثخن، وشطروا المجتمع إلى عالمين معزولين، وجزيرتين نائيتين.
واحدة للرجال، لا تتألم حتى ولو فتكت بها الحروب، أو أدمت أقدامها الأنظمة الفاسدة، وجزيرة من جنس النساء، تكابد ظلم الرجل العربي المفروم اللحم، تناضل فيها بنات حواء من أجل مناصفة وحقوق سياسية واجتماعية. إنه التضليل الإنشائي المعهود الذي كان قبل الربيع، ودوزنت أدواته وكليشيهاته أجهزة الاستبداد في أنظمة الحكم والإدارة ومناهج التعليم، ولم تستطع حتى أشد القوى التقدمية وضوحاً فكرياً، أن تقدم النموذج الاجتماعي البديل لكوكب عربي خارج مجرات التاريخ. تقول شابة إنها تشعر بعار الانتماء إلى الوطن، بينما تصرح أخرى: ما معنى هذا القصف في يوم 8 مارس، في حين تطالب شابات مقبلات على تحديات الحياة والشغل بمحو هذا التاريخ من خريطة أيام المرأة العربية، لأنه فارغ ولا يعني شيئاً، والاستمرار في الاحتفال به فضيحة كبرى وبكائيات معادة. السياسيون العرب يتحاذقون في مثل هذه المناسبات، الكرم الحقوقي يندلق من أفواههم، عيونهم في الجهة الأخرى على هذا الكنز الانتخابي والمخزون الخام من الأصوات. أصوات النساء هي الأهم، سواء لدى أنظمة الاستبداد، أو عند سادة الانتقالات "الديمقراطية".
يجدون الطريق إليها سالكاً على أكتاف الأمية المتفشية، ونسب البطالة العالية، وجيوش العاملات اللواتي يكدحن بأدنى الأجور لدى شركات رجال الأعمال العرب، هؤلاء الذين "يحسنون" يوميّاً ترتيبهم في سلم الثروة العالمي. ومن الجامع إلى باحة الجامعة، تتحول المرأة إلى لعبة مسلية، فالتوصيفات جاهزة، وهي تصلح لكل زمان ومكان، واللغة المسطحة تتكلف بإبلاغ الرسالة. إنها المساواة على الطريقة العربية عنوانها: خلط الأصيل بالمعاصر، للحصول على التركيبة السحرية، مثل رائحة العود المزيف.
سائق تاكسي مغربي يبدو منزعجاً، والسبب أن النساء نلن أكثر مما يستحقن من حقوق. أشد ما يزعجه بعض الحقوق المدنية، مثل الحق في التطليق، أو الطلاق الخلعي. يحكي متحسراً، عن أصدقاء له خلعتهم زوجاتهم. أسأله: هل كانوا صالحين؟ يجيب: أخذوا منا كل شيء بالقانون، وماذا تبقى لنا، جعلوا المرأة تدوس على رؤوسنا. يعتقد أن كل ما يجري مؤامرة، وبالطبع، مؤامرة غربية، ولا شك صناعة صهيونية، وعلى المرأة أن تعود إلى البيت، وأن تخلي آلاف الوظائف التي تشغلها للشباب الجالس في المقاهي، والذي تقتله المخدرات والفراغ. أحاول استفزازه: لكن النساء في الغرب يعملن، أيضاً، ويتمتعن بحقوق أكبر، وهن طبيبات ووزيرات ونساء أعمال، ولا أحد من رجالهن خرج ليطالب برجوعهن إلى البيت. ألا ترى معي، يا صديقي، أن الخلل في مكان آخر؟ -شوف خويا، مكان المرا هو دارها، وبلاش تقرا علي زابورك. داس على المكابح بعنف، وأوقف السيارة مخلفاً جلبة وراءه: يلعن أبويا أنا، اللي "خدام" من الفجر... انزل من سيارتي، انزل أحسن لك.
alaraby.co.uk