بقلم: رامي مهداوي
علاقة الحضور والغياب كعلاقة الموت والحياة كعلاقة النجاح والفشل، ليس بالضرورة حضورك له دلالة الحياة والنجاح وكذلك غيابك قد لا يكون موت وفشل. ونحن - الجمهور، الشعب، المواطن - نضع آراء ما يتلاءم مع المزاج والمصلحة الشخصية أولاً وأخيراً، لتفريغ الشحنات العاطفية، لإثبات الذات التائهة التي تسعى لإثبات الوجود من خلال تدمير عزيمة الآخر دون الأخذ بعين الاعتبار أنه منطلق لتحقيق طموح وهدف ربما يؤول إلى أهداف أخرى. خلال الأيام الماضية كانت هناك أخبار سعيدة وحزينة على مستوى الحضور والموت والنجاح، قمت بالتركيز على أربع شخصيات قريبة على ذاتي من خلال المتابعة على صعيد القراءة أو الاستماع والمشاهدة، ومن خلال المعرفة الشخصية التي أفتخر بها. مع إيماني بأن كل شخصية بحاجة الى مقال منفرد إلاّ أنني وجدت ما يجمعهم ولا يفرقهم في زمن أصبح الشاعر، الإعلامية، الفنانة، الصحافي عبارة عن كافر.. مرتد.. سكير.. عاهرة.. زنديق.
هيثم خلايلة: ابن مجد الكروم المتسابق في برنامج محبوب العرب، لن أتغنى بصوته الجبلي الشامخ برائحة السنديان، الزعرور، الزعتر. ما أنظر له هو حالة الحضور بكوفيته والعلم الفلسطيني المُعلق فوق قلبه بشكل دائم وهو على خشبة المسرح. حضوره الجسدي الذي يعبر عنه من خلال صوته له مدلولات أخرى أهمها بالنسبة لي بأن يعلم العالم بأن أهلنا الصامد في مناطق 1984 هم نسيج أساسي في خارطة الجسد الفلسطيني، هناك في الجليل.. المثلث.. النقب بقي لنا جذور تحمي بقايا الوطن الذي أنجب اميل حبيبي .. توفيق زياد.. سميح القاسم والمظلوم فينا راشد حسين، حضور هيثم أعاد للكثير سر الحكاية للأجيال العربية، العام الماضي بمشاركة الفنان محمد عساف كانت تطرح القضية الفلسطينية بشكل عام وبجزئية الأسرى بسبب إضراب الأسرى في ذلك الوقت، وهنا جاء الحضور بصوت هيثم ليطرح قضية مختلفة. كل الدعم والتوفيق لحضورك الدائم الذي ينبض بكل حياة نحو النجاح. رضوى عاشور: حينما يرحل الكاتب فالخاسر الوحيد هو القارئ، هنا استخدمت كلمة رحيل وليس كلمة موت، لسبب بسيط وهو ليس فقط مخزون الإنتاج الأدبي، وإنما ما اكتسبناه من كل ذلك لتكون كلماتها فينا بالفكر والممارسة والوعي والتجربة من أول رواية "الرحلة" وحتى "الطنطورية". رضوى ليست مثقفة تكتفي بالكلمة فقط، وإنما هي مناضلة بالفعل المجتمعي بين الطلاب والأساتذة في المظاهرات الاحتجاجية بشوارع وميادين مصر. لن أناقش الوجودية وأدخل في متاهات، لكن إيماني بأن روح رضوى منتشرة في الوطن العربي وعند كل قارئ غير عربي قرأ أعمالها الأدبية والنقدية. غياب الجسد الذي أنتج كتباً ودراسات لا يموت، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ليس كل من أنتج/ ينتج هو حاضر حتى ولو ما زال يتنفس بيننا.
طلعت علوي: هو لم يحطم الرقم القياسي العالمي في فئة أطول حوار إذاعي لمدة 50 ساعة متواصلة على الهواء مباشرة فقط!! وإنما جعل الوطن مستيقظاً 50 ساعة، طلعت له بصمة واضحة في الأثير الإذاعي فهو ليس مجرد مذيع يتحدث فقط كونه مذيعاً، صاحب رسالة يطرح قضايا المجتمع من الأغورة حتى حقيبة السفر. معرفتي به الشخصية خصوصاً في الحياة العملية المهنية هو دائم التمرد في الإطار العام ليقفز خارج الصندوق ويأتي واقفاً على قدميه. هناك من لم يعجبه النجاح واكتفى ببث الروح السلبية كحالة من الانهزام. طلعت لم يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية فقط!! فهو دخل في وجدان كل شاب فلسطيني وعربي مجتهد، حضور ونجاح طلعت جعل من البعض في حالة غياب وربما موت ليس على صعيد الإذاعات المحلية والدولية وإنما أكبر من القطاع الإعلامي، الحضور هو حيز زماني ومكاني إما أن تكون فيما تريد أو تجلس على هامش الطريق.
الصبوحة الشحرورة: تاريخ فني لم يرحل أو يغيب بسبب الموت، جميع أعمالها الفنية ستبقى تنبض في عروق الأجيال القادمة، كان تمسكها بالحياة رسالة لنا جميعاً بأن نستمر كل في طريقه، وإذا ما استمعنا لمختلف أعمالها الفنية سنجد بأن محور الحياة والنجاح والحضور المتألق هو محور أعمالها الفنية المختلفة، حتى ابتسامتها منذ انطلاقتها بقيت معها وحتى في مواجهة أهم الصعوبات التي ربما كانت مع ابنتها هويدا تعاملت بعطاء وحب الأم لحياة ابنتها فتخلت عن أشياء كثيرة من أجل أن تعيد نفخ الحياة لها. ما بين الماضي والحاضر زرعت لنا الصبوحة معاني مختلفة في عشقها للحياة فتمردت على العادات والتقاليد، فكان هناك من لا يعجبه زواجها ولا يعجبه تشبثها في الحياة كيفما هي تريد، حتى في رحيلها ووداعها كانت أفواه الناس تتحدث عن جنازتها، جنازة الصبوحة أبهج من أفراح الكثير منا ... جنازة الصبوحة اعتبرها البعض رقصاً ودبكة وغناء فقط ... لكني اعتبرتها الدرس الأخير لنا منها في حب الحياة. للتواصل: بريد إلكتروني [email protected] فيسبوك RamiMehdawiPage