رئيس التحرير: طلعت علوي

تحديات السفر تزيد الإحباط في غزة

الإثنين | 03/11/2014 - 08:29 مساءاً
تحديات السفر تزيد الإحباط في غزة

 

داوود كتاب 


لقد سافرت ميرال (اسم مستعار) البالغة من العمر 28 عاماً حول العالم ولكنها في كل مرة كانت ترجع إلى مسقط رأسها غزة. غير أن الرحلة الأخيرة التي قامت بها الأسبوع الماضي والتي أطلعت المونيتور على تفاصيلها، شكلت لها صدمة كبيرة لدرجة أنها قد تكون تجربتها الأخيرة خارج غزة.

إن ميرال صحافية مستلقة تعمل مع أهم وسائل الاعلام العالمية وقد دُعيت إلى حضور مؤتمر في العاصمة اللبنانية بيروت. وتقول ميرال إن السفر خارج غزة مهمة صعبة تتطلب تحضيراً قبل أسابيع. وبالأحوال الطبيعية، يُخصِص معبر الرفح الحدودي — الذي لا يزال تحت سيطرة حماس — يومَين للطلاب للعبور، ويومَين آخرين للراغبين بالحج أو العمرة في المملكة العربية السعودية. أما رحلات الأعمال والسياحة فلم يُخصَص لها أيام على الحدود لذلك غالباً ما تتطلب تخطيطاً دقيقاً قبل موعدها المحدد.

وكانت ميرال تدرك أنها بحاجة إلى تأشيرة لدخول الأراضي اللبنانية، وعندما تمّ إبلاغها أنه يمكنها المغادرة بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قررت أن تتوجه إلى القاهرة على أمل أن تصدر التأشيرة، التي سبق لها أن قدمت طلب الحصول عليها منذ فترة طويلة، في خلال مدة انتظارها في مصر لأنه لم يكن معلوماً متى يمكنها مغادرة غزة مجدداً لو رفضت عرض حكومة غزة بالمغادرة في هذا التاريخ. إذ كان بإمكان المسألة أن تطول لمدة أسابيع مما يحول دون حضورها مؤتمر الصحافة والإعلام الاجتماعي الذي كان برعاية قناة فرنسا الدولية (CFI) ومؤسسة سمير قصير.

بدأت رحلة ميرال الساعة الخامسة من صباح 1 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. وكانت الصحافية الفلسطينية قد وصلت إلى معبر رفح الحدودي في وقت مبكرٍ جداً قبل أن تبدأ ساعات العمل الرسمية في المعبر الذي يفتح أبوابه عند الساعة 7:30 صباحاً. إلا أنها لم تتمكن من مغادرة الجانب الفلسطيني قبل الساعة العاشرة صباحاً في أول حافلة نقتلها إلى الجانب المصري من المعبر.

وعندما تت التحقق من جواز سفرها أخيراً، قيل لها أن تنتظر. عند الظهر تم إبلاغها أنه لم يُسمح لها بدخول مصر. أما أختها رانيا التي كانت متوجهة إلى السفارة الأميركية في القاهرة، فقيل لها أنه يمكنها دخول مصر لمدة 72 ساعة فقط.

قررت ميرال الاحتجاج والتحدث مع مسؤولين مصريين ومناشدة ممثل عن السفارة الفلسطينية في مصر ومسؤول من حماس للتدخل ولكن من دون جدوى. وقد سُمح لها أخيراً التحدث إلى ضابط مصري سخر من رسالة الدعوة المرسلة من المؤسسة اللبنانية.

لكنه وافق على السماح لها بالسفر إلى مطار القاهرة الدولي وفقاً لما يُشار إليه "بالترحيل". ولكن ميرال قد سمعت قصصاً كثيرة من قَبل عن أشخاصٍ ظلوا محتجزين في المطارات لعدة أيام، لذا قررت البحث عن حل آخر.

وقالت لضابط مصري: "أنا متزوجة من صحفي تركي"، على أمل أن تستطيع الدخول إلى مصر. وقد أظهرت له جواز سفرها لإثبات ذلك. غير ان ذكر تركيا لم يكن فكرة سديدة نظراً إلى التحديات السياسية بين مصر وتركيا.

تم أخذ تصريحها للسفر بتأشيرة عبور وطُلب منها العودة إلى غزة. وفي محاولة أخرى للمناشدة، قالت لهم أن منزل عائلتها في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة قد دُمر خلال الحرب بتاريخ 2 آب/أغسطس الماضي. ولكن كل ذلك لم يجدِ أي نفع. وأخيراً عند الساعة الخامسة مساءً قبل أن يقفل المعبر بقليل، قيل لها أن ليس أمامها سوى خيارين: الترحيل أو العودة إلى غزة.

وبما أنها أدركت أنها لن تتمكن على الأرجح من حضور المؤتمر في بيروت، قبلت على مضض بخيار "الترحيل". وبعد ثماني ساعات، عند الساعة الثالثة من فجر الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، تم نقل ميرال وآخرين كانوا في نفس الوضع إلى قبو بناء بلا نوافذ في مطار القاهرة الدولي. تمكنت من شراء بطاقة SIM مصرية وتعبئة هاتفها والاشتراك بخدمة الانترنيت لتتمكن من التواصل مع بقية العالم وخصوصاً رانيا التي كان لديها 72 ساعة من الحرية في القاهرة.

ولدى وصولها، التقت ميرال عائلة سورية فلسطينية كانت لا تزال محجوزة في هذا المكان منذ شهرين. قاموا بإعطائها بطانية من بطانياتهم التي لم تكن نظيفة جداً بحسب قول ميرال. لم يكن هناك أماكن للنوم او الاستحمام وحتى الطعام لم يتوفر بشكلٍ منتظم إذ كان عليهم تقديم الرشوة للحراس المصريين بغية الحصول على شيء يأكلونه من الكافتيريا. وتقول ميرال أنها عاشت أسؤ اللحظات عندما رأت السياح الأوروبيين الذين كانوا يقضون عطلتهم في منتجع شرم الشيخ على الجهة الجنوبية لشبه جزيرة سيناء، يتوجهون إلى منطقة الترانزيت عبر قبوهم الذي يخلو من أي نوافذ. لقد تذكرت كيف نظر إليهم الأوروبيون المُسمرين نظرة تعجب من حالتهم البائسة.

بعد مرور ثلاثة أيام، نجحت ميرال في الحصول على التأشيرة المطلوبة لدخول الأراضي اللبنانية وتذكرة طائرة صالحة وهما كل ما كان يلزمها لعبور منطقة الترانزيت في مطار القاهرة الدولي. عند الساعة الخامسة مساء من يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر أي بعد أربعة أيام على مغادرتها منزلها في غزة، كانت ميرال على متن رحلة إلى بيروت بعد ان تلقت معاملة مثل "معاملة الكلاب"، على حد قولها.

وقالت ميرال أن السياسة المصرية تجاه الفلسطينيين أصبحت أكثر صرامة خصوصاً للراغبين منهم بالسفر إلى بلدان عربية، وذلك منذ تأسيس حكومة الوحدة الوطنية. وتم تأجيل كافة الجهود لنشر الحرس الرئاسي والأوروبي في الجهة الفلسطينية من معبر رفح لأن حماس ترفض التخلي عن سلطتها وسيطرتها هناك.

ميرال التي لطالما كانت تقول أنها لن تقوم أبداً بمغادرة غزة من غير رجعة، تتفهم اليوم لما يقوم عدد كبير من الشبان الفلسطينيين بالانضمام إلى جماعات متطرفة أو يخاطرون بحياتهم على متن زوارق تهاجر بطريقة غير شرعية إلى البلدان الأوروبية.

ورددت ميرال أهمية حصول الفلسطينيين على مطارهم الخاص بحيث لا يضطرون إلى التعرض إلى كافة هذه الممارسات التمييزية من قبل الشرطة على المعابر الحدودية. وهي الآن تفكر جدياً بالانتقال للعيش إلى تركيا وزيارة عائلتها في القطاع عندما تتحسن ظروف السفر.

 

التعليـــقات