لسنوات عديدة ظل السوق العقاري القطري يشهد حالات مد وجزر، شأنه في ذلك شأن كثير من الأسواق العقارية في كل بلدان العالم، لكن اللافت للنظر هو توجه قطاع ليس بالقليل من المستثمرين القطريين نحو شراء وحدات سكنية خارج قطر في وقت تشهد فيه البلاد طفرة عقارية بدأت ارهاصاتها منذ بداية النصف الثاني من العام الحالي.
التوجه للاستثمار الخارجي قد يعتبره البعض جديدا على ثقافة المجتمع خاصة بين صغار المستثمرين الذين كانت كل تداولاتهم واستثماراتهم تدور في فلك السوق المحلي لكن في السنوات القليلة الأخيرة تغيرت قبلة الاستثمار وتحولت من الداخل إلى الخارج، وواكب هذا التوجه بعض الشركات العقارية الكبرى التي بدأت منذ العام الماضي في طرح مشاريع عقارية سكنية وتجارية خارج الحدود، بعضها في تركيا والبعض الآخر في دول أوروبا لاسيما في لندن.
ترى ما سبب هذا التوجه؟ وهل هو نتيجة طبيعية للارتفاع المبالغ فيه في أسعار الأراضي التي انعكست بدورها على صناعة العقار بشكل عام في قطر، والتي أضحى الاستثمار العقاري فيها أمرا محفوفا بالمخاطر ولا يحقق هامش الربح المطلوب؟ أم الأمر لا يعدو أن يكون تنويعا للاستثمار من جانب، والحصول على مزايا الإقامة في بلد أوروبي من جانب آخر؟
الكثير من الاستفسارات والأسئلة التي يجيب عنها التحقيق التالي:
بداية، كان لافتاً هذا الإقبال الكبير من صغار المستثمرين على فرص عقارية جديدة خارج الحدود، وتمثل ذلك في تدفق عشرات المواطنين والمقيمين للاستعلام وشراء وحدات سكنية في مشروع "سي بيرل أتاكوي" الذي تنفذه شركة الديار القطرية في تركيا، والذي يطل على بحر مرمرة ، ويتألف من 1474 شقة سكنية فاخرة وفندق فئة خمسة نجوم يجمع عددا من المطاعم الراقية والمتاجر.
أما شركة بروة فقد استشعرت توجه السوق العقاري مبكرا بإطلاقها العام الماضي مشروع "أوتوماري" في تركيا الذي يضم 391 وحدة سكنية فاخرة وتم بالفعل بيع أكثر من 90 % من وحدات المشروع، الأمر الذي يعكس مدى نزعة الاستثمار في قطاع العقارات الخارجية لدى شريحة ليست بالقليلة في المجتمع القطري.
ظاهرة صحية
ويقول السيد أحمد العروقي المدير العام لشركة روتس العقارية، إن تنويع الاستثمارات ظاهرة صحية سواء للشركات أو الأفراد، كما أن المشاريع العقارية الخارجية تقوم بطرحها وتسويقها شركات محلية ذات ثقة مثل بروة والديار القطرية، وبالتالي فإن عامل الأمان متوفر بشكل كامل بخلاف التعامل مع شركات خارجية يخشى منها في أي تقلبات اقتصادية.
وأضاف انه في السنوات الأخيرة ارتفع أقبال البعض على شراء البيت الثاني في دولة خارجية مثل تركيا أو لندن أو غيرها من دول أوروبا، سواء كان هذا البيت لقضاء شهور الصيف أو للاستثمار، ونتيجة لهذا التوجه فقد لجأت كبرى الشركات العقارية القطرية إلى الاستثمار في بعض البلدان الخارجية لتوفير منتج عقاري متميز للمواطنين والمقيمين في قطر.
وأكد العروقي على ترحيبه بهذا التوجه من جانب الشركات العقارية القطرية لأنها في ذلك تحمي سكان الدولة من التعامل مع شركات أجنبية قد لا تستطيع الالتزام بمواعيد تسليم وحداتها السكنية، أو الالتزام بشروط المواصفات والتشطيبات التي قدمتها للمشترين وقت التعاقد.
واستبعد المدير العام لشركة روتس العقارية حدوث خسارة مالية من عمليات شراء العقارات خارج قطر، مؤكدا أن مثل هذه العمليات تخضع لقواعد التجارة سواء كانت داخل قطر أم خارجها.
وأضاف إن السوق العقاري داخليا وخارجيا يتعرض باستمرار لفترات شد وجذب وارتفاع وانخفاض، وهذه سمة القطاع العقاري في كل أرجاء العالم، وبالتالي فإن القاعدة الذهبية للتجارة في المجال العقاري تقول إنه لا بد من توزيع المخاطر من خلال تنويع الاستثمارات في الداخل والخارج.
ولفت إلى أن الذين يتجهون لشراء العقارات خارج قطر هم فئة محدودة، والشركات العقارية تستهدفهم من حيث المساحات التي تتميز بها الوحدات السكنية، ومن حيث المواصفات التي تلائم المستثمر القطري، مؤكدا أنه مع مرور الوقت وازدهار الاستثمار العقاري في الخارج سوف تقوم الشركات القطرية بطرح وحدات سكنية تلبي متطلبات شرائح جديدة في المجتمع القطري من الفئات المتوسطة الدخل.
الاستثمار الرابح
أما الخبير العقاري السيد عبد العزيز الحمادي، فيرى أن الاستثمار في داخل قطر ما زال هو الاستثمار الرابح، فالسوق العقاري في قطر يتطور باستمرار رغم حالة الركود التي يعانيها حاليا جراء ارتفاع أسعار الأراضي المبالغ فيه، ما يقلل من هامش الربح بعد اكتمال المشاريع العقارية، فمثلا كان هامش الربح من قبل يصل إلى 12 %، أما اليوم فقد انخفض ليصل إلى حدود 4.5% .
وقال انه لتنويع المخاطر في الاستثمار العقاري لا يعني بالضرورة التوجه لشراء عقارات في الخارج ولكنه يستلزم تعميق ثقافة الاستثمار، متى تشتري ومتى تبيع؟ فالشراء والبيع خلال فترة وجيزة لا يسبب خسائر للمستثمر، وهذا دأب التاجر الذي ينشط مع نشاط السوق، بخلاف الذي يدخل السوق لأول مرة ويشتري عقارا وينتظر كثيرا حتى يأخذ قراره بالبيع وهذا ما يعرضه لخسائر أو عدم تحقيق الأرباح التي كان يصبو إليها.
وأضاف الحمادي إن من يشتري وحدة سكنية في مشاريع عقاري في الخارج بغرض قضاء فصل الصيف فهو لا يعرف كيف يدير استثماره، بل يزيد من كلفة هذا الاستثمار وربما لو قرر بيعه فيما بعد سيحقق خسائر، ذلك لأن الصيف لا يزيد عن شهرين أو ثلاثة في أقصى تقدير، وتظل طوال العام الوحدة مغلقة مع إضافة تكاليف الصيانة والحراسة إلى آخر تلك النفقات، في حين يمكن استثمار قيمة شراء الوحدة السكنية هذه في مشروع آخر والتمتع في ذات الوقت بقضاء الصيف في أكثر من دولة دون التقيد بدولة معينة.
مزايا الجنسية
ويؤكد السيد محمد نظمي مدير مؤسسة الضفاف العقارية، أن الأقبال على شراء وحدات عقارية في الخارج ليس بغرض الاستثمار فقط ولكن للحصول على مزايا أخرى متنوعة طبقا لقوانين كل بلد، فهناك من يرغب في الحصول على الجنسية من تلك البلد التي يستثمر فيها.
وقال إن السوق العقاري في قطر حاليا أصبح متقلبا جدا لاسيما مع الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الأراضي الفضاء التي أصابت السوق بالركود، وتسببها في تخفيض هامش الربح المتوقع من الاستثمار العقاري بل هناك بعض المشاريع لحقت بها خسائر نتيجة هذا الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي، وكل هذه العوامل تحفز بعض المستثمرين إلى الاستثمار في السوق العقاري في بلدان أخرى.
وأضاف إن سعر الفيلا في الخيسة وأم صلال محمد وصل إلى 3.5 مليون ريال وهذا رقم كبير يصيب السوق بالشلل ويؤدي إلى توجه المستثمرين إلى الخارج خاصة مع وجود سيولة جيدة في البنوك وتيسير حركة الإقراض من البنوك، وكلها عوامل تؤدي إلى تشجيع المستثمرين لتنويع استثماراتهم في قطر وخارجها.
وكانت شركة الديار القطرية قد أطلقت الشهر الماضي حملة المبيعات للمرحلة الأولى لمشروع "سي بيرل أتاكوي" الجديد الذي يقع في أحد أرقى المناطق السكنية في تركيا وأكثرها طلباً، ويقام على مساحة 128 ألف متر مربع، ويتألف المشروع من 1474 شقة سكنية فاخرة وفندق من فئة خمسة نجوم يجمع عددا من المطاعم الراقية والمتاجر التي تضم أشهر الماركات العالمية.
وقد شهد مركز الزوار بالشركة إقبال كثير من المواطنين والمقيمين الراغبين في شراء وحدات سكنية بالمشروع، حيث قالت الشركة أنها تقدم فرصة فريدة للاستثمار في تركيا مع مشروع "سي بيرل أتاكوي" الذي يتمتع بإطلالة بديعة على بحر مرمرة في مدينة إسطنبول التركية العريقة، وهو مشروع يجسد كل معاني الرقي والفخامة والابتكار، ويقدم للعملاء الحياة الحافلة بالرفاهية والعيش الهانئ، ما يجعله وجهة مثالية لكل من السائحين والمستثمرين.
ونظرا لدراستها للسوق القطري فقد أتاحت الديار القطرية فرصة حصرية لتملك الوحدات السكنية في هذا المشروع العقاري المتميز حيث أطلقت أولى حملاتها في الدوحة أولا قبل طرحها على مستوى العالم.
فيما طرحت شركة بروة مشروع أوتوماري في تركيا خلال انعقاد معرض سيتي سكيب دبي في العام الماضي والذي بيعت وحداته بالكامل، والذي يتألف من 391 وحدة سكنية فاخرة.
وبحسب ما جاء في تقرير لشركة المزايا القابضة، فقد استحوذت دول منطقة الشرق الأوسط على مواقع متقدمة في الاستثمار المحلي والخارجي، إذ أصبحت مصدّرة للاستثمارات إلى الخارج وملاذاً آمناً للاستثمارات الأجنبية في قطاعاتها الاقتصادية.
وأشار التقرير إلى تباين جاذبية الدول لرؤوس الأموال، تبعاً لقدرتها على تطوير آليات العمل فيها والتخطيط الجيد وإدخال تعديلات جوهرية على قوانين الاستثمار والتملك والأنظمة الضريبية، الداخلة في صلب قرارات المستثمرين.
واعتبر أن مرونة القوانين والتشريعات المتعلقة بالتملك الأجنبي والضرائب من أهم العوامل التي تحدد قدرة الدول على استقطاب الاستثمارات الخارجية، فضلاً عن توافر الفرص الاستثمارية الواعدة في كل بلد.
وبحسب التقرير، تبدو التجربة التركية في هذا المجال أكبر دليل على نجاحه، إذ تفيد معلومات الحكومة التركية بأن المستثمرين الأفراد من دول الخليج استثمروا بمليارات الدولارات في شراء عقارات منذ بداية إقرار قانون تملك الأجانب.
ولفت التقرير، إلى اتجاهين ساهما في دعم تزايد استثمارات الخليجيين في السوق التركية، الأول يرتبط بالمؤشرات الاقتصادية الواعدة للسوق العقارية التركية وقدرتها على تحقيق نمو في العائدات السنوية للمستثمرين، وتوقع دخول الشركات العالمية إلى السوق ما يعني ارتفاع القدرة التنافسية للعقار وزيادة الطلب عليه، أما الاتجاه الثاني فيرتبط بالمرونة التي يتمتع بها النظام الاقتصادي والقانوني وقدرته على خدمة الخطط والمتطلبات المالية والاقتصادية الحالية والمستقبلية للدولة في جذب الاستثمارات الخارجية.
© Al Raya