رئيس التحرير: طلعت علوي

هل يزدهر قطاع غزّة قريباً؟

الإثنين | 20/10/2014 - 08:44 مساءاً
هل يزدهر قطاع غزّة قريباً؟

 

بقلم عمر شعبان

 

 مع إنتهاء مؤتمر المانحين الذي عقد في القاهرة في 12 أكتوبر 2014 وإنتهى بتعهدات مالية وصلت إلى 5.4 مليارات دولار خصص نصفها لإعادة إعمار قطاع غزة ، يترقب فلسطينيو قطاع غزة بدء عملية إعادة الاعمار بما سيشكل علامة فارقة في بداية إنهاء معاناتهم . قطاع غزة يخضع لحصار إسرائيلي منذ العام 2007 ، ,مع تخفيف ملحوظ من منتصف العام 2010 و تعرض خلالها لثلاثة حروب ، آخرها تواصلت 51 يوما وكانت الأكثر...

 

في وثيقة مصاغة بلغة إنجليزيّة راقية ومكوّنة من 76 صفحة، وبتنسيق لغويّ وفنّي رائع، قدّمت السلطة الوطنيّة لمؤتمر المانحين الذي عقد في القاهرة في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر 2014، خطّة إعادة إعمار قطاع غزّة بكلفة وصلت إلى 4.030 مليون دولار. وتضمّنت الخطّة أربعة محاور هي:

· الحماية الاجتماعيّة: خصّصت لها موازنة بقيمة 701 مليون دولار، وتشمل الرعاية الاجتماعيّة، والخدمات الصحيّة، والتعليم، ومنظّمات العمل الأهلي.

· البنية التحتيّة: خصّصت لها موازنة قدرها 1.911مليار دولار. وتغطّي تكاليف إزالة المخلّفات الناتجة عن التدمير، وتقدّر بـ2.5 مليون طنّ، وقطاعات الطاقة والمياه والطرق والإسكان.

· التنمية الاقتصاديّة: خصّصت لها موازنة قدرها 1.235مليار دولار، وتشمل قطاعات الزراعة والصيد والصناعة، والخدمات التجاريّة، وبرامج فرص العمل للعاطلين، وتعزيز الاستثمار.

· الحكم ومؤسّسات الدولة: خصّصت لهما موازنة قدرها 183 مليون دولار. وتتضمّن تطوير أداء المؤسّسات الحكوميّة وقطاع البلديّات، وسيادة القانون.

استغلّت السلطة الفلسطينيّة مؤتمر المانحين المخصّص للنظر في إعادة إعمار قطاع غزّة، الفرصة لتطلب تمويلاً لدعم الموازنة، وتمويل مشاريع استراتيجيّة. فقد تضمّنت خطّة السلطة الوطنيّة المقدّمة إلى المؤتمر ما يلي:

· أربعة مليارات دولار لإعادة إعمار قطاع غزّة.

· أربعة مليارات ونصف دولار أخرى لدعم موازنة السلطة الفلسطينيّة في الثلاثة أعوام المقبلة 2015 و2016 و2017.

· 7 مليارات دولار لتمويل تنفيذ مشاريع طويلة المدى، منها إعادة بناء مطار غزّة ومينائها وتشغيلهما، وبناء محطّة ضخمة لتحلية المياه، إضافة إلى استغلال حقلي الغاز في بحر غزّة.

سيكون من الصعب جدّاً أن ينجح مؤتمر المانحين، والذي يستمرّ ليوم واحد، في تجنيد مبلغ ضخم يصل إلى 15.5 مليار دولار، في ظلّ الأزمة الماليّة التي ما زالت تعصف ببعض دول أوروبّا وأميركا، وفي ظلّ تفجّر صراعات دمويّة وكوارث إنسانيّة في مناطق عدّة من العالم، وفي ظلّ مخاوف الدول المانحة، من أنّ تبرّعاتها السابقة قد ذهبت أدراج الرياح، حيث دمّرت الحرب الأخيرة الكثير من هياكل البنية التحتيّة التي أعيد بناؤها بأموالها سابقاً. كذلك، تنتظر الجهّات المانحة تفعيل حكومة الوفاق الوطنيّ عملها في قطاع غزّة، كشرط أساسيّ لتقديم التبرّعات.

فلسفة تصميم خطّة السلطة وتنفيذها

تربط خطّة السلطة الفلسطينيّة بين ثلاث مراحل من التدخّلات، وهو ربط منطقيّ حيث سيتمّ العمل على ثلاثة محاور بالتوازي:

1- مرحلة الإغاثة العاجلة، وتشمل التدخّلات السريعة والقصيرة. وقد خصّص لها مبلغ 414 مليون دولار.

2- مرحلة الإنعاش المبكر، وهي تدخّلات متوسّطة المدى، من شهر إلى 12 شهراً. وقد خصّص لها مبلغ 1.184 مليار دولار.

3- مرحلة إعادة الإعمار والتنمية، وتستمرّ لسنوات عدّة. وقد خصّص لها مبلغ 2.432 مليار دولار.

تنطلق الخطّة في تحديد نمط التدخّلات، وتقدير الأموال اللازمة لها، من منظور معالجة الحاجات ومواجهتها، وليس من منظور تحقيق أهداف تنمويّة معيّنة، أي أنّها تتبنّى التخطيط من أسفل إلى أعلى، وليس من منظور: "أين نريد أن نكون؟ وكيفيّة الوصول إلى هناك". فتطرح الخطّة مثلاً إعادة ترميم60.000 وحدة سكنيّة وبنائها، وهي موزّعة على الشكل التالي: 10.000 منزل (تدمير كامل)، و 10.000منزل (تدمير جزئيّ كبير) و40.000 منزل (تدمير جزئيّ بسيط)، لكن من دون التطرّق إلى النتائج المتوقّعة على الاقتصاد الكليّ، في حال تمّ تنفيذ هذه المقترحات. لذا، فالخطّة، تفتقر إلى معايير قياس التقدّم وتحقيق الإنجاز.

تجنيد الأموال قد يكون أسهل من صرفها

يبدو أن التاريخ سيعيد نفسه، فالحصول على أموال المانحين سيكون أسهل من صرفها. فقد رصد مؤتمر المانحين في شرم الشيخ في آذار/مارس 2009 أموالاً ضخمة لإعادة إعمار غزّة، بعد الحرب الإسرائيليّة الأولى عامي 2008 و2009، لكنّه، لم يقم بمجهود يذكر لرفع الحصار، ممّا أبقى على معظم تعهّدات المانحين حبراً على ورق، وأطال معاناة المتضرّرين لسنوات عدّة لاحقة.

وهذه المرّة، بدأت الحكومة الإسرائيليّة بتقديم تسهيلات مرموقة، حتّى قبيل انعقاد مؤتمر المانحين. فقد سمحت بدخول موادّ البناء لبعض المؤسّسات الدوليّة، وسمحت لوزراء حكومة الوفاق بدخول قطاع غزّة يوم الخميس في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر، حيث صادف عيد مقدّس جدّاً لدى اليهود، ممّا أعطى إشارة هامّة على موافقة إسرائيل على المصالحة الوطنيّة. كذلك، أعلنت الحكومة الإسرائيليّة عن موافقتها على دخول آلاف العمّال من غزّة وغيرها للعمل لديها. صحيح أنّها تسهيلات مرموقة، مقارنة بحالة الحصار الشديد المفروض منذ عام 2007، إلاّ أنّ هذه التسهيلات تبقى قاصرة للوفاء بمتطلّبات إعادة الإعمار.

وقد قامت الأمم المتّحدة، ومن خلال مبعوثها لعمليّة السلام في الشرق الأوسط السيّد روبرت سيري، بتطوير آليّة مفصّلة تسمح للجنة ثلاثيّة مكوّنة من الأمم المتّحدة والسلطة الفلسطينيّة والجيش الإسرائيليّ، بالرقابة التامّة على الموادّ الخامّ اللازمة، مع تركيب كاميرات للمراقبة على مخازن الموادّ الخامّ، ومتابعة سير كلّ شاحنة تحمل موادّ خام، وذلك بهدف التأكّد من أنّ حركة حماس لن تحصل على أيّ منها، كي تستخدمه في بناء الأنفاق أو ترميم تجهيزاتها العسكريّة.

ولم يتمّ الكشف عن هذه الآليّة لغاية الآن، ممّا يعزّز الشكوك التي أثيرت حولها. وأشار بعض التقارير أنّ هذه الآليّة تعني أنّ الأمم المتّحدة قد قنّنت الحصار الإسرائيليّ على غزّة وشرّعته، بدلاً من أن تعمل على رفعه، كما ينصّ عليه ميثاقها. المؤكّد أنّ الآليّة المقترحة من الأمم المتّحدة، والتي تتضمّن توظيف جيش هائل من الخبراء الأجانب من 25 إلى 400 خبير، ستمثّل عبئاً ماليّاً وأمنيّاً وإداريّاً ضخماً، ممّا سيطيل عمليّة إعادة الإعمار لسنوات طويلة. وتجعل هذه الآليّة من الأمم المتّحدة، قائدة لعمليّة الإعمار، بدلاً عن السلطة الفلسطينيّة، وسيسبّح فلسطينيّو قطاع غزّة بحمد الأمم المتّحدة، بدلاً من امتنانهم لسلطتهم الوطنيّة.

 

 

التعليـــقات