رئيس التحرير: طلعت علوي

أَضواء على الصحافة الاسرائيلية 17 تشرين أول 2014

الأحد | 19/10/2014 - 08:08 صباحاً
أَضواء على الصحافة الاسرائيلية 17 تشرين أول 2014

 

ابو مرزوق: لم تتم مناقشة تبادل الأسرى مع إسرائيل

نقلت "هآرتس" تصريح موسى ابو مرزوق، المسؤول القيادي في حركة حماس، لموقع "معا" امس، بأن اسرائيل وحماس لم تناقشا حتى الآن مسالة تبادل الأسرى، وان الموضوع ليس مطروحا على جدول الأعمال حاليا. واكد ان المحادثات التي ستستأنف بين اسرائيل وحماس في القاهرة، في نهاية الشهر الجاري، ستركز على تفعيل المطار والميناء البحري ولن يتم تأجيل هذين الموضوعين لأنه تم الاتفاق عليهما في اطار اتفاقيات اوسلو.

وقالت "هآرتس" ان تصريح أبو مرزوق بشأن تأجيل موضوع التبادل الى المستقبل، يتعارض مع ما قاله المسؤول الآخر في حماس، محمد نزال، قبل عدة أيام، وهو ان اسرائيل وحماس تقتربان من التوصل الى صفقة في الموضوع. مع ذلك، اوضحت حماس ان كل موضوع يتعلق بهذه المسالة سيناقش مع الحركة فقط وليس مع الوفد الفلسطيني المشترك الى محادثات وقف اطلاق النار. وعلم ان جماعة الاخوان المسلمين في الأردن توجهت الى خالد مشعل وطلبت شمل الأسرى الأردنيين في اي صفقة للتبادل مع اسرائيل.

في سياق آخر نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" نقلا عن رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله، قوله امس، ان "اعادة اعمار قطاع غزة لن يبدأ قبل قيام اسرائيل برفع الحصار عن القطاع". وجاء تصريح الحمدالله هذا خلال اجتماع عقده في رام الله مع وفد من صندوق النقد الدولي.

 

مقتل طفل فلسطيني بنيران الجيش في بيت لقيا

كتبت صحيفة "هآرتس" عن مقتل الطفل الفلسطيني بهاء سمير بدر (13 عاما)، امس، بنيران الجيش الاسرائيلي، خلال مواجهات وقعت في قرية بيت لقيا، شمال – غرب رام الله، ونقلت ادعاء الجيش الاسرائيلي بأن الجنود ردوا بإطلاق النار بعد تعرضهم الى الرشق بالزجاجات الحارقة من مسافة قصيرة، فيما قالت مصادر فلسطينية ان المواجهات بدأت في أعقاب دخول قوة عسكرية الى القرية.

وقال شهود عيان ان الفتى، بهاء سمير بدر، اصيب بعيار ناري في صدره، وتم نقله في وضع حرج الى مستشفى رام الله، حيث توفي متأثرا بجراحه. وحسب رواية الجيش فقد وصلت قوة عسكرية من كتيبة الجبهة الداخلية الى بيت لقيا، بعد رشقها بالحجارة، وأثناء مغادرتها للقرية اوقف الجنود سيارتهم وخرجوا منها لمعالجة خلل فني فتعرضوا للرشق بالزجاجات الحارقة، وقام قائد الكتيبة بفتح النيران باتجاه راشقي الزجاجات ما ادى الى قتل بدر.

يشار الى ان مواجهات وقعت خلال أيام عيد العرش في مدينة القدس الشرقية، واصيب شرطي من حرس الحدود بجراح بين طفيفة ومتوسطة جراء اصابته بمفرقعة نارية في حي راس العامود. وكما في السابق برزت مشاركة الأولاد والفتية في خرق النظام. وكانت المواجهات قد اندلعت في البلدة القديمة مساء يوم الثلاثاء بعد قرار قائد شرطة لواء القدس، يوسي فراينتي، تقييد جيل المصلين المسلمين الذي سمح بدخولهم الى الحرم القدسي.

واندلعت مواجهات صباح يوم الجمعة بين الشرطة ومئات الشبان الذين منعوا من دخول الحرم. ورشق الفلسطينيون قوات الشرطة بالمفرقعات النارية والحجارة والزجاجات، فردت الشرطة بإطلاق رصاص الاسفنج وقنابل الصدمات، واعتقلت اربعة شبان. وخلال ساعات النهار امتدت المواجهات الى حي العيسوية وجبل المكبر، واعتقلت الشرطة في العيسوية ثلاثة اطفال في جيل 11 و13 و14 عاما، بعد قيامهم برشق الحجارة.

وتواصلت المواجهات يوم امس الخميس، ووقع الحادث الأخطر في ساعات الصباح، عندما حاول عدد من الطلاب مهاجمة مستوطنة "معاليه زيتيم" في حي الطور. وبدأت قوة من حرس الحدود بتفريق الطلاب، فأصيب احد افرادها في رقبته جراء رشقه بمفرقعة نارية، وتم نقله الى مستشفى هداسا في حالة متوسطة. واعتبرت الشرطة الحادث شديد الخطورة كون "البالغين يشاركون القاصرين في النشاطات العنيفة".

وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد عقد، الأسبوع الماضي، جلسة طارئة لمناقشة ازدياد الاحداث العنيفة في القدس، وتقرر تعزيز قوات الأمن في مناطق المواجهات والعمل بصرامة ضد خارقي النظام. وقال نتنياهو انه "يجب معالجة هذه الظاهرة ليس فقط خلال فترة الأعياد وانما بشكل اساسي".

بينت واردان يهاجمان كيري على خلفية دعوته لاستئناف المفاوضات

كتب موقع "واللا" ان وزير الاقتصاد نفتالي بينت، ووزير الاتصالات غلعاد اردان، هاجما (الجمعة) وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على خلفية تصريحه بأن المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين حيوية لمحاربة الدولة الاسلامية (داعش).

وقال بينت انه "عندما يقولون ان الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني يعزز داعش، فانهم يشجعون بذلك الارهاب العالمي". واقترح الوزير بينت "الاصغاء الى داعش وتصديقها، وقال: هؤلاء ارهابيون يريدون السيطرة على الشرق الاوسط كله من سوريا وحتى الأردن ولبنان، واعادة انشاء الخلافة الاسلامية. يمكن محاربة ذلك او تسويقه، والقرار في ايدي العالم وهو سيتحمل نتائجه. الارهاب لا يتم تبريره وانما محاربته، ويتضح انه عندما يقوم بريطاني مسلم بقطع رأس بريطاني مسيحي، فسيكون هناك دائما من يتهم اليهود".

كما هاجم وزير الاتصالات غلعاد أردان وزير الخارجية الأمريكي، وكتب على صفحته في الفيسبوك: "انا احترم كيري وجهوده، ولكني استصعب احترام اقواله في كل مرة يحطم فيها رقما قياسيا في عدم فهمه لمنطقتنا ولجوهر الصراع في الشرق الاوسط".

وتساءل اردان: هل نتحمل نحن، ايضا المسؤولية عن قتل 200 الف شخص في سوريا واغتصاب نساء اليزيديين على ايدي البرابرة من داعش؟ هل يحدث هذا بسبب المستوطنين في معاليه ادوميم او البناء في غبعات همطوس في القدس؟" وسأل اردان: "هل ابلغ احدهم وزير الخارجية بأن إسرائيل مستعدة لاستئناف المفاوضات؟ ان الرفض والتحريض الفلسطيني فقط هما من يمنع أي محاولة لاستئناف المفاوضات. هل يصدق احد ان مجرمي داعش سيتوقفون عن فظائعهم اذا تم استئناف المفاوضات؟

يشار الى ان كيري دعا، امس، الى استئناف المحادثات بين الجانبين وادعى انها حيوية لمحاربة المتطرفين في المنطقة. وقال: "يجب ايجاد الطريق للعودة الى المفاوضات، وعلينا انشاء دولتين تستطيعان التعايش معا، جنبا الى جنب، وتحقيق طموح الشعبين". وقال "ان الجمود في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين يحث الناس على الانضمام الى داعش، ولم يبق أي زعيم التقيته في المنطقة الا وطرح علي بمبادرته الحاجة الى تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لأن الوضع الحالي يشجع على الانضمام الى داعش، وعلى الغضب الواسع والغليان".

مقالات وتقارير

كيشنييف إلى الأبد

يقارن الكاتب ب ميخائيل، في مقالة ينشرها في "هآرتس" بين سلوك إسرائيل في ترسيخ ذكرى مذبحة كيشنييف التي استهدفت اليهود قبل اكثر من قرن، وسعيها الى دفن حقيقة قتلها لأكثر من الفي فلسطيني في غزة قبل اقل من شهرين. ويكتب ميخائيل عن الذكرى الـ 109 لمذبحة كيشنييف "الصغيرة" التي وقعت في اكتوبر 1905، بعد عامين ونصف من مذبحة كيشنييف الكبيرة التي هزت العالم والشعب، ويقول انه لا يوجد أي فتى عبري لم يتم ترسيخ مصطلح "مذبحة كيشنييف" في وعيه، وبحق، لأن تلك كانت حملة قتل وحشية، قامت على معاداة السامية بشكل واضح، وحتى في السنوات الأخيرة، يصعب العثور على طالب لا يعرف، عن "الذبح" و"مدينة القتل" التي كتب عنها الشاعر نحمان بيالك في أعقاب المذبحة.

وقبل ثلاثة أسابيع نشر مكتب التنسيق الانساني التابع للأمم المتحدة (OCHA) التقرير الأخير (ولكن ليس النهائي) حول حرب غزة. خلال العقود الأخيرة لم أجد أي مبرر لتصديق بيانات الناطق العسكري، او المؤسسات السلطوية الاسرائيلية الأخرى. فالتهرب والتضليل والدعاية واحيانا الأكاذيب، تشكل بالنسبة لها فرضيات. ولذلك، وحسب رأيي، من المفضل الاعتماد على معطيات الأمم المتحدة. انها تخطئ احيانا، ولكنني لم اضبطها حتى الآن في أي محاولة للتضليل.

حسب هذا التقرير، وصل عدد القتلى الفلسطينيين خلال 50 يوما من الحرب في غزة الى 2104 قتلى، تم التعرف من بينهم على 1475 مدنيا، من بينهم 257 امرأة، و506 أطفال. أما هوية الآخرين، 629 انسانا فلم تتضح بعد. لقد قتل 1475 انسانا على ايدينا عبثا. ولبالغ الدهشة فانه رغم عدم مضي حتى شهرين على مقتلهم، فقد أصبحوا شفافاً، مفقودين وحلقة منسية، اختفوا في الرماد، ولا احد يتحدث عنهم، ولا أحد يستغرب ولا أحد يحقق، ولا أحد يبدي رأيه. لقد تم اخفائهم جميعا وراء اكثر الذرائع قذارة وصفاقة: “اخفوا المخربين"، "شكلوا درعا واقيا لحماس". وكانت هذه الادعاءات بائسة ووقحة بشكل خاص كونها جاءت من قبل دولة تقوم قيادتها العسكرية وسط مدينة مزدحمة وعلى مسافة بصقة من مستشفى ضخم.

في مذبحة كيشنييف، قتل 49 يهوديا بشكل وحشي، ولم تنجح 100 سنة بإخفاء العمل الكريه، اما في غزة فقد قتل 1475 مواطنا بأناقة محوسبة، ولم يمض اكثر من شهرين حتى تبخروا، كأنهم لم يتواجدوا. وفي غياب بيالك كي ينشد نشيدهم ونشيدنا، قررت السماح لنفسي باقتباس عدة سطور من قصيدته "في مدينة القتل" لأنني اراها تناسب الأموات وحتى الأحياء:

شهداؤكم سقطوا عبثا، وكذلك أنا وأنتم/ لم نعرف لماذا متم وعلى ماذا متم/ ولا فائدة من موتكم كما لا فائدة من حياتكم.. / الألم كبير جداً، والعار كبير جدا/ ومن هو الأكبر من بينهما – قل أنت أيها الانسان!/ او الأفضل من ذلك – اصمت!/ دمهم كان شاهدي/ بأنك وجدتني في عاري وستراني في يوم حزني/ وحين تعود إلى ابناء شعبك، لا تعد إليهم خالي الوفاض/ لأنك ستحمل معك خجلي الأخلاقي لتدفنه معهم. / والآن، ما الذي تبقى لك هنا أيها الانسان، قم واهرب الى الصحراء/ واحمل معك إلى هناك كأس الأسى/ ومزق نفسك هناك لعشرة اجزاء/ واجعل قلبك طعاما للغضب والعجز/ واسكب دمعتك الكبيرة هناك على رؤوس الصخور/ واطلق صرختك المريرة لتضيع في العاصفة".

تحقيق "هآرتس":

بدون مخططات وتدريبات ومعدات – هكذا واجه الجيش الأنفاق

ينشر عاموس هرئيل وغيل كوهين تقريرا في "هآرتس" يلخص جانبا من الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة، خاصة المصاعب الكبيرة التي واجهت الجيش الاسرائيلي، في تدمير الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس باتجاه اسرائيل، بسبب الفجوات الكبيرة في التدريب والتأهيل والمعدات.

وجاء في التقرير الموسع: "خلال الحرب سيطر الجيش على مساحة كيلومترين على اطراف المنطقة المأهولة، من شمال القطاع وحتى جنوبه، كي يدمر 32 نفقا هجوميا أشارت الأذرع الأمنية الى مواقعها. ولكن هذه الفجوات، الى جانب الخطط العسكرية الجزئية، التي تم تعديلها واستكمالها في اللحظة الأخيرة، ادت الى اطالة أمد الحرب البرية اكثر مما خطط له الجهاز الأمني. لقد نجم التأخير، ايضا، عن حقيقة تخبط المجلس الوزاري طويلا في المصادقة على العملية ضد الأنفاق، على خلفية التحفظ في الجهاز الأمني نفسه. ومن المفارقات، ان الهجوم الجوي المسبق على فتحات الأنفاق صعّب على قوات الجيش العمل منذ توغلها البري في القطاع، لأنه أعاق العثور على مسار الأنفاق. واذا لم يكف ذلك، فقد كانت القوات البرية تفتقد الى الوسائل المناسبة لتفجير الأنفاق بعد العثور عليها.

يعتمد التحقيق الحالي على محادثات مع حوالي 20 مسؤولا رئيسيا كانوا على علاقة بالعملية العسكرية والمصادقة عليها، ومن بينهم وزراء في المجلس الوزاري المصغر، ضباط كبار في الجيش، رجال استخبارات وضباط وجنود شاركوا في تدمير الأنفاق. عندما تبين حجم تهديد الأنفاق، تركز النقاش العام على مصاعب العثور على حل تكنولوجي يساهم في كشف الأنفاق، وحول مسألة ما الذي كانت تعرفه الاستخبارات. وتعتبر الصورة المتبلورة حاليا واسعة جدا، وتكشف فجوات في سلسلة من المجالات. ويفترض مواصلة فحص الاستعدادات ومعالجة الانفاق بشكل أساسي من قبل لجنة الخارجية والأمن البرلمانية.

المشروع الاستراتيجي:  لقد استخدم الفلسطينيون الأنفاق لأول مرة في عملية اختطاف الجندي غلعاد شليط في عام 2006. وبين عملية "الرصاص المصبوب" في يناير 2009، و"عامود السحاب" في نوفمبر 2012، سرعت حركة حماس عملية حفر شبكة الأنفاق والأقبية الجوفية في شتى أنحاء القطاع، ولكنها ركزت في المرحلة الاولى على الأهداف الدفاعية. وقبل ايام قليلة من عملية "عامود السحاب"، انفجر نفق مفخخ اثناء قيام قوة من الجيش الاسرائيلي بتمشيط الجانب الغربي من السياج في وسط القطاع. وتطايرت سيارة عسكرية مدرعة في الهواء جراء قوة الانفجار، لكن الجنود كانوا قد غادروها قبل دقائق من الانفجار ولذلك لم تقع اصابات في الحادث.

في ذلك الوقت عززت حماس مخططاتها العسكرية، وعاد محمد ضيف لتسلم رئاسة الذراع العسكرية للتنظيم، بعد اغتيال احمد الجعبري من قبل اسرائيل في بداية العملية. والى جانب زيادة مخزون الصواريخ قرر ضيف استثمار الجهود الخاصة لدفع مشروع الأنفاق الهجومية، التي اعتبرها مشروعا استراتيجيا. وتم حتى صيف 2014 حفر أكثر من 30 نفقا هجوميا، بتكلفة اجمالية تصل الى مئات ملايين الدولارات. ونجحت شعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك بتحديد اكثر من 32 نفقا، لكنه جرت بين التنظيمين خلافات حول عدد الأنفاق التي تم حفرها تحت الأراضي الاسرائيلية (تمحورت التقديرات حول ما بين ثلث ونصف الرقم الشامل).

خلال العام والنصف السابقين لعملية "الجرف الصامد"، كشف الجيش الاسرائيلي ثلاث فتحات للأنفاق في الجانب الشرقي من السياج، داخل الأراضي الاسرائيلية. وفي نوفمبر الماضي، دخلت قوة عسكرية الى القطاع لتفجير احد الانفاق، فتم تفعيل عبوات ناسفة زرعت داخل النفق، ما اسفر عن اصابة ستة ضباط.

وقال ضابط في سلاح الهندسة، شارك في العملية، لصحيفة "هآرتس" ان الكشف عن الأنفاق الثلاثة وفر للجيش النسب الصحيحة. “لقد تعرفنا في السابق على انفاق للتهريب والمتفجرات، كانت ضيقة ويمكن السير فيها منحنيا فقط، لكن الأنفاق التي اكتشفناها في العام الماضي اوضحت اننا امام شيء مختلف: لقد كانت انفاقا واسعة، مرتبطة بمنظومات اتصال داخلي، وتم حفرها عميقا تحت الارض وتغطية جدرانها بالباطون. وكان يمكن السير فيها بقامة منتصبة دون أي مصاعب. وفي هذه المرحلة فهمنا ان المقصود ليس تهديدا تكتيكيا عينيا لقوات الجيش على امتداد السياج، وانما جزء من شيء أخطر بكثير. لقد شاهدنا فجأة انه تم التخطيط لعملية على عمق 300 متر داخل اراضينا. وعندما تدخل الى النفق تدرك انه لا يهدف الى اختطاف جندي من منطقة السياج فقط، وانما يمكن استخدامه لنقل قوات كبيرة من العدو خلال فترة زمنية قصيرة الى الجبهة الداخلية وشن هجوم هناك".

وتم في حينه بلورة مفهوم يقول ان محمد ضيف يخطط لخطوة كبيرة حين تصدر الأوامر. فقد كان يمكن استخدام الأنفاق الهجومية لشن هجمات على عدة أهداف كضربة اولية في المواجهة مع الجيش، او لشن هجوم مفاجئ على مؤخرة الجيش بعد هجومه على غزة. وتم في حينه تركيز الجهود الاستخبارية والعسكرية لفهم مشروع الأنفاق.

منذ مطلع 2013 ولاحقا، اعدت شعبة الاستخبارات العسكرية تقريرا قدمته الى رئيس الحكومة ووزير الأمن وقادة الجهاز الأمني، شمل استعراضا لكل الأنفاق الهجومية المعروفة، والمسار المعروف لكل واحد منها. وتم تخصيص موارد كبيرة لقيادة الجنوب، لمعالجة الأنفاق. وقال احد الضباط الذين خدموا في كتيبة غزة: “تم ممارسة الضغط علينا كي نعالج الموضوع. قالوا لنا: اعملوا كل ما يمكنكم عمله، شريطة ان تنهوا هذا الموضوع بسلام. لقد تحولت الأنفاق الى الهدف الأول في سلم عمل الكتيبة".

لكن العمل ضد الأنفاق لم يخرج بشكل كبير عن مجالات عمل القيادة الجنوبية او الاستخبارات. ولم تحقق سلسلة الاختبارات التي اجرتها ادارة تطوير وسائل الحرب في وزارة الأمن لمنظومات تكنولوجية لكشف الانفاق أي رد يمكنه ان يسمح بكشف فتحات الأنفاق في الجانب الاسرائيلي. كما ان السياسة التي املتها القيادة السياسية والقيادة العامة، رفضت اي علاج هجومي للجيش في الجانب الفلسطيني من السياج. ولم تقم اسرائيل بقصف مسار الأنفاق التي كشفت عنها في اراضي القطاع، ولم ترسل قوات برية لتدميرها، خشية ان تؤدي خطوة كهذه الى مواجهة عسكرية مع حماس.

مشاكل في التدريب: ما تم فهمه في قيادة اللواء الجنوبي وكتيبة غزة وشعبة الاستخبارات، لم يتم ترجمته الى خطوات عملية بما يكفي في بقية أقسام الجيش. لقد بدأت القيادة العامة الحديث عن الحرب الجوفية داخل الأقبية والأنفاق، منذ حرب لبنان الثانية. ولكن الجيش اكتفى عمليا، بإنشاء انفاق ضيقة في ثلاثة مواقع تدريب في الشمال والمركز والجنوب. ولم يكن بالإمكان الانطباع منها بشكل كبير، خلال زيارة قمنا بها الى احداها، قبل سنة. فقد بدت كخندق حربي اعتيادي تم تغطيته بسقف، دون توفير مجال حرب معقد.

لقد تم اشراك غالبية كتائب المشاة النظامية والوحدات الخاصة لفترات قصيرة، لم تنطو تقريبا على أي جوهر ملموس. وقال جنود من كتيبة دورية المشاة: “تم انزالنا بواسطة حبل عبر فتحة الى منطقة ظهرت كمحمية طبيعية، او موقع عسكري لحزب الله في منطقة مفتوحة. وهذا كل ما تدربنا عليه في الحرب الجوفية". لقد كانت استعدادات وحدات الاحتياط، بل وحتى كتائب الهندسة القتالية، التي اعتمد عليها الجيش الى حد كبير في حرب غزة، بين سطحية وغير قائمة بتاتا.

وقال ضباط وجنود يؤدون الخدمة الاحتياطية في كتائب الهندسة ان التدريبات التي اجتازوها، مرة كل عام أو عامين، لاءمت الدور التقليدي للجيش، كاختراق حقول الغام. ولم يجرّ الحديث عن انفاق ولا حتى في كتائب الاحتياط التي تم دمجها مسبقا في العمليات المحتمل تنفيذها في اطار عملية لاحتلال غزة. وعندما كان الجنود يلفتون انتباه قادتهم الى ان برامج التدريب لا تلائم التحديات العسكرية التي يمكنهم مواجهتها، كان يقال لهم ان المشكلة معروفة.

المجلس الوزاري ليس في الصورة: لقد ولد الكشف عن الأنفاق في العام الماضي، الكثير من الفرص لتصويرها من قبل وسائل الاعلام. وقام وزير الأمن وقادة الجيش بزيارتها والتقطت لهم الصور في داخلها. واجرت القناة الثانية في التلفزيون لقاء مع قائد المنطقة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان، الى جانب النفق، وقام بوصف النفق على اعتبار انه يشكل تهديدا مركزيا يحتم على القيادة الجنوبية مواجهته.

وكان المجلس الوزاري المصغر هو المنتدى الوحيد الذي لم يجر أي نقاش حول تهديد الأنفاق آنذاك. فغالبية اعضائه، حسب افادتهم، لم يعرفوا عن المشكلة بتاتا. ذلك ان نصف اعضاء المجلس الوزاري المصغر تسلموا مهامهم بعد انتخابات 2013 فقط، وامضوا غالبية الوقت في النقاش حول الخطر النووي الايراني والتطورات على الحدود السورية واللبنانية. اما مشكلة الأنفاق في غزة فلم يتم طرحها، وان تم ففي افضل الحالات كبند متأخر في "تقييم الاوضاع"، حسب ما قاله الوزير نفتالي بينت، احد أعضاء المجلس الوزاري، قبل شهر. ولم يعرف الوزراء عن التقرير الاستخباري الشهري الذي كان يتسلمه نتنياهو ويعلون.

صحيح ان رئيس الحكومة عين مستشار الأمن القومي في تلك الفترة، الجنرال (احتياط) يعقوب عميدرور، لرئاسة الطاقم الذي كلف فحص مشكلة الأنفاق، لكن عميدرور نفسه اعترف في مطلع الشهر، خلال لقاء مع اذاعة الجيش، بوجود فارق بين المعرفة عن وجود الأنفاق وبين استيعاب كامل خطورتها. وقال: “لم يتوفر لدينا ما يكفي من المعلومات". وشبه هذا التهديد بالمفاجأة التي سببتها صواريخ "ساجر" التي اطلقها المصريون على الدبابات الاسرائيلية خلال حرب يوم الغفران.

كما تعترف شعبة الاستخبارات، في نظرة الى الوراء، بأنه كما يبدو كانت هناك حاجة الى تحديد مسألة الأنفاق في التقارير التي كان يتم تقديمها الى المجلس الوزاري، رغم ان المعلومات الاستخبارية المفصلة كانت متوفرة لدى رئيس الحكومة ووزير الأمن". منذ شهر نيسان 2014، ولاحقا، اتضح تدريجيا ان حماس تعد لعملية كبيرة بواسطة نفق تم حفره في منطقة "كرم ابو سالم"، في الجانب الجنوبي من القطاع. واصدر الجيش تحذيرا مفاده ان حماس قد تحاول اختطاف جنود ومدنيين عبر النفق، بهدف اختراق الحصار الاسرائيلي – المصري المفروض على القطاع. وبذلت القيادة العامة وقيادة اللواء الجنوبي واذرع الاستخبارات جهودا كبيرة لكشف النفق. وقامت كتيبة غزة بتركيز اكثر من 30 آلية هندسية في محاولة للعثور على فتحة النفق في الجانب الاسرائيلي، ونشرت حواجز هدفها منع الوصول من الحقول القريبة من السياج الى كرم ابو سالم. وعندما لم تجد اعمال التفتيش في الجانب الاسرائيلي نفعا، صودق للجيش على القيام بعملية هجومية. والقى سلاح الجو حوالي 30 قذيفة "جي دام" دقيقة في الجانب الفلسطيني من السياج بهدف تدمير مسار النفق.

ورغم ذلك فقد نزل في السادس من تموز ستة من محاربي وحدة النخبة في حماس الى النفق، وقتلوا جراء الانهيار الذي نجم عن احدى القذائف. وشكل هذا الحادث الدفع الأخير باتجاه اندلاع الحرب بين اسرائيل وحماس. فقد ردت حماس على مقتل رجالها بقصف صاروخي مكثف اتسعت أهدافه تدريجيا، وقررت الحكومة الاسرائيلية في ليلة 7 و8 تموز شن عملية "الجرف الصامد" على قطاع غزة، وهكذا بدأت الحرب التي استغرقت 50 يوما.

لقد بدأ التصعيد في القطاع مع انتهاء عملية "عودوا ايها الأخوة" التي شنها الجيش في الضفة إثر اختطاف وقتل الفتية الثلاثة غيل عاد شاعر ونفتالي فرانكل وايال يفراح. وحسب ما قاله الوزير نفتالي بينت لوسائل الاعلام، قبل شهر، فقد كان هو من طرح لأول مرة مسالة الحاجة الملحة الى معالجة الأنفاق. واعتمد بينت على منظومة العلاقات القوية مع قادة الوية الجيش، ابناء جيله الذين يعرفهم منذ خدمته العسكرية في الوحدات الخاصة. وتعرف من خلالهم على خطورة التهديد وسمع عن تركيز الجهود للكشف عن النفق في كرم ابو سالم.

لقد طرح بينت الموضوع لأول مرة في 30 تموز، خلال محادثة شخصية مع نتنياهو، ومن ثم في جلسة المجلس الوزاري المصغر. وقال ان شن هجوم على الأنفاق سيشكل ردا ملائما على قتل الفتية، وفي الوقت ذاته سيشكل فرصة لإزالة التهديد الملموس الذي تواجهه بلدات محيط غزة. وفي الأيام التي تلت ذلك عقد المجلس الوزاري جلسات يومية، اطلع خلالها على التوتر في الضفة وفي اوساط العرب في إسرائيل واستمرار التمشيط بحثا عن النفق في كرم ابو سالم. وعاد بينت الى طرح مطلبه بمعالجة الأنفاق، لكن وزير الأمن يعلون وقادة الجيش ردوا بتحفظ، وقالوا في البداية ان استعدادات حماس في كرم ابو سالم تدل على استعداده لتنفيذ عملية مخططة، وليس من المؤكد متى سيتم تنفيذها. وبعد ذلك اعتقدوا انه يكفي انتهاج سياسة الاستيعاب والتهديد والتحذير، كي تفهم حماس بأن الجيش اكتشف مخططاتها. وبعد ذلك وافقوا على تصعيد الخطوات لشن هجمات بواسطة قذائف "جي دام". ولكن التوجه العام استهدف تشويش مخططات حماس وليس احباطها، وكان يكفي، حسب رأي قادة الجهاز الأمني، القيام بعمليات دفاعية لمنع العملية. ولم يرّ القادة ضرورة تنفيذ عملية هجومية واسعة.

لقد حاول بينت في كل نقاش الحفر والحفر، ولكنه وجد نفسه في موقف أقلية. اما شريكه في الجانب الصقري، افيغدور ليبرمان، فطالب باحتلال قطاع غزة او جزء منه، وابدى اهتماما أقل بموضوع الأنفاق، فيما اصغى بقية الوزراء الى المخاوف من الغوص في وحل غزة. وفي حينه كانت الجبهة ضد العملية البرية موحدة وواسعة. وعلى الرغم من قيام نتنياهو بتوجيه اسئلة هنا وهناك، الى الجيش، لكنه لم يخرج عن رأي الغالبية في المجلس الوزاري. فالصيغة التي استمع اليها الوزراء قالت ان حماس لا تنوي تفعيل الأنفاق قريبا، رغم ان حماس ارسلت في تلك الفترة الكوماندوس البحري لتنفيذ العملية الفاشلة في شاطئ زيكيم.

وتواصل النقاش حتى بعد مقتل رجال حماس في كرم ابو سالم. وحددت الأهداف التي انيط بالجيش تحقيقها، توجيه ضربة صارمة الى حماس واعادة الهدوء الى الجنوب. ولم يتم التطرق الى الأنفاق بتاتا. لقد اكتفت اسرائيل بين الثامن والخامس عشر من تموز بشن الهجمات الجوية ردا على القصف الصاروخي لجنوب ومركز البلاد. وقام الجيش بتركيز قواته البرية والمدفعية على حدود غزة، وشكل طواقم حرب لوائية. لكنه لم يتم ارسال أي جندي الى الجانب الفلسطيني. وبشكل تدريجي تكشف امام الوزراء تهديد الانفاق بكامل خطورته، وادركوا انه تم حفر عشرات الانفاق على امتداد القطاع وان فتحات قسم منها تصل الى الاراضي الاسرائيلية، على مقربة من مواقع عسكرية وكيبوتسات المنطقة.

ورغم ذلك فان بعض الوزراء واصلوا الاعتقاد بأن المسألة ليست جدية. وقال بعضهم ان قادة الجيش تعمدوا الادلاء بتصريحات غامضة كي لا يعرضوا الصورة الكاملة امام المجلس الوزاري. وتم الاكتفاء بقصف بعض فتحات الانفاق في الجانب الفلسطيني جوا، الأمر الذي سبب ضوائق كبيرة للجيش عندما توغل برا في القطاع. في 15 تموز قرر المجلس الوزاري بمعارضة بينت وليبرمان، المصادقة على المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار. لكن المبادرة المصرية انهارت بعد رفض حماس للاقتراح الذي تم تنسيقه مسبقا بين القاهرة والقدس.

لكن حتى لو كان نتنياهو ويعلون قد تكهنا برفض حماس للمبادرة، الا انه يصعب تجاهل معنى القرار. فالقيادة الاسرائيلية، التي كانت تعرف كامل حجم مشروع الأنفاق الهجومية، كانت مستعدة لوقف اطلاق النار بعد سبعة ايام من الحرب، دون ان تدمر الورقة الأساسية لحماس. ويرد يعلون على هذا الادعاء قائلا: "كنا نلك الرد على التهديد والذي تمثل بالهجمات الجوية وتعزيز الدفاع، من خلال مواصلة تمشيط المنطقة بحثا عن فتحات الأنفاق. لقد تجاوبنا مع المبادرة المصرية كي نحظى بالشرعية الدولية لخطواتنا القادمة. وطالما حاولنا التوصل الى وقف اطلاق النار في تلك المرحلة، لم يكن أي مكان لتنفيذ العملية البرية التي كانت مبررة وكلفتنا 66 جنديا".

المخططات لم تكن ملائمة: لقد طرأ التحول المركزي بعد يومين، تحديدا في صباح 17 تموز عندما ارسلت حماس 13 مسلحا عبر نفق هجومي الى الأراضي الاسرائيلية، على بعد مئات الأمتار من كيبوتس صوفا. وقامت طائرة بدون طيار بالتقاط شريط يصور المسلحين وهم يخرجون من باطن الأرض. وتسبب نشر الشريط من قبل الناطق العسكري باثارة غضب ورعب شديدين في صفوف الجمهور والقيادة. وطالب حاييم يلين رئيس مجلس اقليمي اشكول، احد قادة البلدات المحيطة بغزة، الحكومة بإصدار اوامر الى الجيش بالعمل فورا ضد الانفاق. وبعد سلسلة من المشاورات بين نتنياهو ويعلون وقادة الجهاز الامني والوزراء، تقرر العمل. وفي ساعات الليل المتأخرة صدر الأمر بالتوغل البري في قطاع غزة لمعالجة الأنفاق.

لكن المخططات العسكرية التي سبق للجيش اعدادها للعملية البرية لم تستكمل بعد، كما ان الخطة الأصلية التي اعدتها قيادة الجنوب للتوغل البري لم تأخذ الانفاق في الحسبان، وانما شملت عمليات مرحلية للسيطرة على مناطق داخل القطاع. وكان الهدف الأساسي توجيه ضربة الى حماس، من خلال انتزاع ممتلكاته وردعه وضرب مناطق راجمات الصواريخ، بهدف منع وصول نيرانها الى الجبهة الداخلية الاسرائيلية. وقد وردت امكانية تدمير بعض الأنفاق الهجومية، القريبة نسبيا من البلدات الاسرائيلية، ولكن ليس كمهمة ذات اولوية عالية. وتم ارسال ثلاث كتائب عسكرية على الأقل لمعالجة الانفاق التي احتلت الاولوية بعد التوغل البري، وعملت تحت امرتها عشرة طواقم قتالية وكتائب مشاة ومدرعات وهندسة. وتمت صياغة المخططات الجديدة على عجل، من خلال اجراء تغييرات كبيرة على المخططات الأصلية.

وتولت الكتيبة 162 مسؤولية العمليات في شمال القطاع. وقال قائدها الكولونيل نداب فدان لصحيفة "هآرتس" انه تم تعديل المخططات بشكل تدريجي لمعالجة الأنفاق، منذ اللحظة التي بدأت فيها كتيبته بالاعداد للعملية في القطاع في بداية تموز وحتى التوغل البري. وقال ان الجيش دخل الى عالم الانفاق في العاشر من تموز.  واضاف انه فهم المشكلة بكامل خطورتها بعد سماعه من قواته لوصف شامل حول الانفاق داخل القطاع. "لقد كنا نسمع عنها نظريا من قبل، ولم نملك تجربة عسكرية، هناك شيء ما في الاحتكاك، في التجربة، يسرع الفهم. لقد استوعبنا الأمور حتى النهاية فقط خلال معالجة مسألة الأنفاق".

لم تتوغل القوات في عمق القطاع، وانما ركزت انتشارها على مسافة كيلومترين من السياج الحدودي، ومن هناك بدأت العمل لكشف الانفاق وتدميرها. وتم تأجيل عملية لواء جولاني في حي الشجاعية لمدة يومين، حتى يوم السبت 19 تموز. فقد كانت تجهيزات حماس هناك قوية جدا، وكانت هذه المنطقة هي اكثر المناطق اكتظاظا التي هاجمها الجيش.

لقد غابت عن خطوة جولاني، وغيرها من الطواقم الحربية الأخرى، العناصر الجوهرية للمفاجأة والخديعة. وواجهت قوات جولاني مقاومة شديدة وخارقة من قبل حماس. وخلال اليوم الأول من العملية قتل 16 جنديا من الكتيبة، واصيب قائدها وقائدين آخرين خلال العملية. واحتاجت جولاني الى خوض معارك بطولية بمرافقة الهجمات الجوية المكثفة والقصف المدفعي الثقيل، كي تحطم المقاومة في الشجاعية. وتركز العمل في هذا القطاع، كما في القطاعات الأخرى على الأنفاق فقط. ولم تتلق القوات توجيهات بخوض مناورة عميقة وتدمير منظومة حماس. وفي الاماكن القليلة التي تم فيها عمل ذلك، - الناحل ولواء المدرعات 401 في بيت حانون، جبعاتي في رفح بعد اختطاف الضابط هدار غولدين – فوجئ القادة بسهولة توغلهم في اعماق منظومة العدو.

تدمير الأنفاق: في غياب نظرية حرب مفصلة ومجربة بما يكفي، ومع الحد الأدنى من المعلومات والمخططات العملية، التي تم اعدادها خطوة بعد خطوة، ومع كمية غير كافية من المعدات لتدمير الانفاق، توغلت القوات في القطاع. وكالعادة غطت على الفجوات، قدرة الجيش العالية على الاختراع، ورح المحاربة والاصرار في صفوف القادة والجنود. لكن المصاعب اطالت أمد معالجة الأنفاق، اكثر من المتوقع.

في 20 تموز، وبعد بدء التوغل البري، قال يعلون ان تدمير الأنفاق سيستغرق يومين او ثلاثة، لكنه بعد مرور اسبوعين ونصف تبين ان التقييمات التي سمعها المجلس الوزاري من الجيش كانت متفائلة جدا. لقد تأخر استكمال المهمة، ايضا، بسبب انهيار وقف اطلاق النار بعد اختطاف غولدين في مطلع آب.

صحيح ان قرار عدم التوغل عميقا منع سقوط المزيد من الضحايا في الجيش، ولكنه "استدعى" الى حد ما، هجمات حماس على القوات التي عملت في البحث عن الأنفاق. وفي هذه الاثناء تمكن ضيف من ارسال ثلاث خلايا اخرى عبر الانفاق، والتي تمكنت من قتل 11 جنديا، من كتيبة قيادة الألوية 188، ومقر قيادة كتيبة مدرسة الضباط وقوة الحراسة في مدرسة قيادة الصف الذين فاجأهم رجال حماس داخل موقعهم العسكري قرب ناحل عوز. ونظر الضباط بإحباط الى المفاجأة التي انزلتها بهم حماس.

في الأسابيع التي سبقت العملية العسكرية حققت الاستخبارات العسكرية اختراقا في كشف الانفاق في الجانب الفلسطيني. ولكنه مع بداية التصعيد في الثامن من تموز، قصف سلاح الجو فتحات الأنفاق بشكل منهجي، خشية قيام حماس باستخدام الانفاق. ويبدو ان الهجمات الجوية لم تدمر الانفاق بشكل يمنع استخدامها. وقد اعترف القائد العام للجيش بيني غانتس لاحقا بأن تدمير مداخل الانفاق صعب عملية كشف مساراتها بعد التوغل البري. وتحدث احد الضباط عن فجوات استخبارية، وقال "ان الاستخبارات قامت بعمل رائع، ولكنه لم يكن لدينا في كل مكان معلومات دقيقة حول مسار النفق".

لقد فوجئ الجنود بعدد فتحات الانفاق التي اكتشفوها، وتفرعاتها الداخلية التي حتمت القيام بعمليات تمشيط متواصلة. كما ان الجيش لم يملك ما يكفي من الاليات الهندسية لمعالجة هذا العدد الكبير من الانفاق في آن واحد. وقال ضابط كبير في سلاح الهندسة ان كل طاقم بدأ بمعالجة نفق او نفقين ومن ثم انتقل الى نفق ثالث في قطاعه. وبسبب النقص في المعدات عملنا بالتناوب بدل ان نعمل في آن واحد. لم نملك ما يكفي من الآليات لعملية بهذا الحجم. لم يكن بإمكاننا معالجة 32 نفقا في آن واحد".

لقد اضطر الجيش خلال الحرب الى تجنيد عدد كبير من الجرافات بشكل طارئ، من القطاع الخاص. ومن المفارقات ان عددا كبيرا من هذه الجرافات كان يتبع لشركات بناء يملكها مواطنون عرب من اسرائيل. وقد واجه الجيش المشكلة الأكبر في تفجير الأنفاق. فالطرق والوسائل التي يملكها كانت تلائم الانفاق الاقصر والأقرب الى سطح الأرض. لقد امتلك الجيش في العقد الماضي منظومة تحمل اسم "امولاسيا" لتدمير الأنفاق. وتقوم هذه المنظومة بنشر كمية كبيرة من المواد الناسفة داخل النفق دون ان يضطر الجنود الى دخوله. لكن المشكلة هي ان الجيش كان يملك منظومتين كهذه فقط في بداية الحرب. وكبديل لها اضطر الجيش الى استخدام قرابة نصف مليون لغم ومواد ناسفة اخرى. ولكن انزال الالغام الى الانفاق وتفجيرها غالبا ما اسفر عن تدمير جزئي للنفق.

وقال جنود من الاحتياط ان المرة الأولى التي خاضوا خلالها تجربة تدمير نفق كانت عندما تلقوا الأوامر خلال الحرب. واضافوا: "تلقينا تدريبا بسيطا من وحدة النخبة في سلاح الهندسة وفجرنا الانفاق بواسطة انزال سلسلة من الالغام الموصولة ببعضها. ان التجربة الوحيدة التي امتلكناها كانت تفجير البيوت في لبنان وغزة، وهذا لا يشبه بتاتا تفجير الأنفاق".

وقال جنود من سلاح الهندسة انهم شاركوا خلال العامين الأخيرين في تدريبات على الحرب البرية، لكنها لم تشبه بتاتا ما واجهوه في غزة. واوضحوا بأنهم اضطروا الى اختراع نظريات محاربة مختلفة عن التدريبات. وقال بعض رجال الاحتياط انهم دخلوا الى غزة مع مستوى منخفض من الجاهزية العسكرية، دون ان يتمكنوا من التدرب على اطلاق النيران، بل وحتى تزودوا باليات اصابها التلف، ناهيك عن نقص آليات اخرى. ورغم ذلك فان رجال الاحتياط يفاخرون بعملهم في القطاع. وعرض بعضهم علينا اشرطة صوروها خلال تفجير الأنفاق. وهناك جنود من وحدات الهندسة قالوا انهم خرجوا من القطاع بمشاعر من الاحباط بسبب عدم الجاهزية لمعالجة هذا العدد الكبير من الانفاق. وهناك ضباط يقولون ان حماس كانت تمتلك رصاصة واحدة مفاجئة في بندقيتها وهي الانفاق الهجومية وقد تم انتزاعها منها. ومن هنا يسري الشعور بانتهاء الحرب بانجاز كبير.

لنقل الحقيقة: لم يكن أبداً سلام حقيقي

بمناسبة الذكرى العشرين  لتوقيع اتفاق السلام الاسرائيلي - الأردني، تنشر سمدار بيري تقريرا في "يديعوت احرونوت" عن رحلة قامت بها الى الأردن، مؤخرا، للوقوف على التطورات التي حدثت بين زيارتها قبل 20 عاما، الى الأردن  لإجراء لقاء مع الملك حسين، حيث وجدت حتى الأشخاص الذين شاركوا في المفاوضات التاريخية آنذاك، يشعرون بخيبة الأمل، فيما تقلص واختفى المؤيدون للاتفاق وصدت ابواب القصر في وجهها.

وتصف الكاتبة رحلتها عبر جسر الملك حسين والذي سمح لها بعبوره، رغم انه لا يسمح للاسرائيليين بدخول الأردن عبر هذا المعبر. وكانت قد اجتازته لأول مرة في اكتوبر 1994، قبل ثلاثة ايام من توقيع الاتفاق الاسرائيلي الاردني.

كما تصف وصول السفير الاسرائيلي وابنته الى المعبر وقافلة السيارات الثقيلة المكتظة بالحراس والمسلحين لمرافقته الى مقر السفارة في عمان. وتكتب عن العناق الحار على المعبر بين رجال الأمن الأردنيين والسفير قبل مغادرته في سيارته الى السفارة تحت حراسة مشددة.

وتنتقل الى الحديث عن اضطرار رجال السفارة الى الاستيقاظ من نومهم فجر كل صباح، لعدم تعودهم على صوت المؤذن في المسجد المجاور الذي يدعو الى الصلاة. ومن هذا المسجد، تكتب، تخرج كل يوم خميس تظاهرة تطالب بإغلاق السفارة الاسرائيلية وطرد السفير والغاء اتفاق السلام. وبعد ربع ساعة من الهتاف الصارخ يغادرون المكان. لكنهم في الشهر الماضي، وفي اليوم الذي تم فيه التوصل الى وقف اطلاق النار في غزة، تمكن 300 اردني من الاقتراب من السياج الأمني المحيط بالسفارة، لاستفزاز الدبلوماسيين الاسرائيليين والهتاف بأن حماس انتصرت عليهم.

آنذاك، في اكتوبر 1994، كانت الأمور تبدو مختلفة. فرغم الخريف الدامي الذي شهد العمليات الانتحارية في إسرائيل، ومأساة اختطاف الجندي نحشون فاكسمان، كان يمكن العثور على بوادر أمل خلال مراسم توقيع الاتفاق الاسرائيلي – الأردني. وفي حينه رحب رجال السياحة في الجانبين الاسرائيلي والأردني بالزوار الذين سيجتازون الحدود في الاتجاهين، والتزم الأردن بتصفية كل الدعاية المعادية لإسرائيل خلال ثلاثة اشهر، وتبادل الحسين ورابين الاطراء على بعضهما، وظهرا كصديقين حميمين ليس امام الكاميرات فقط. وفي اليوم المشهود، ترك 40% من الاسرائيليين اعمالهم في ساعات الظهر وجلسوا امام شاشات التلفزة لمتابعة المصافحة بين الزعيمين وتطيير البالونات. وفي الأردن كان الفرح والأمل كبيرين، ايضاً، بحدوث التغيير والنهوض الاقتصادي الكبير، ولكن الاحتجاج هدد منذ ذلك الوقت بتفجير الفقاعة. لقد اعلنت الحكومة الأردنية عن يوم عيد قومي، بينما انتشرت قوات الامن بالآلاف في شوارع الأردن خشية التعرض لمؤسسات السلطة والسفارة والمؤسسات الأمريكية. ومنع الأردن تنظيم مظاهرات معادية للحكومة، لكن اعضاء التنظيمات المهنية الحرة، رفعوا الاعلام السوداء على شبابيك بيوتهم.

وتتحدث بيري عن أحد الشخصيات الأردنية التي تعرفت عليها في حينه، وهو د. دريد محاسنة، احد المسؤولين الذين شاركوا في طاقمي المفاوضات بين الجانبين تمهيدا لتوقيع الاتفاق. في حينه كان متحمسا للقاء الاسرائيليين، وزار القدس وتل ابيب مرارا، لكنه عندما التقته الكاتبة هذا الشهر قال: "لم يتم استكمال عملية بناء الثقة. انتم لم تهتموا ببناء السلام معنا في الجانب السياسي ولا الاقتصادي. قبل 20 سنة تأثرنا جميعا وطورنا توقعات كبيرة، وكنا على ثقة برؤية ثمار السلام، ولكنكم وعدتم واختفيتم. لم تحلوا المشكلة الفلسطينية، وقمتم فقط بتعقيد الأمور من خلال البناء في المستوطنات والمس بالأماكن المقدسة في القدس. نثرتم لدينا مخططات لبناء المصانع والمشاريع الاقتصادية، وانشاء معبر مفتوح للبضائع، ومنطقة تجارة حرة، فما الذي تحقق من ذلك كله؟ لا شيء تقريبا. من المذنب؟ انتم تتحملون الذنب، لأن اسرائيل هي الجانب القوي والأردن هو الجانب الضعيف. خلال الـ20 سنة الماضية استنتجنا انه لا يهمكم ما الذي يشعرون به عندنا، وما الذي نريده، وان السلام مع الأردن لا يهمكم بتاتا".

في حينه كان محاسنة مديرا لميناء العقبة، وكان رئيس الطاقم الأردني الخاص بالتعاون الاقتصادي. ومقابله كان في الجانب الاسرائيلي الوزير السابق يوسي سريد. ويقول محاسنة ان "لدي ذكريات جيدة عن الحوار مع سريد، وتجنده العاجل، عندما ساد التخوف من تلوث البحر الميت. ولكن ما الذي يحدث اليوم؟ اذا ضبط معارضو السلام في الأردن أي تاجر او رجل اعمال او صحفي يجري علاقات مع اسرائيل فانهم سيعتبرونه خائنا ويضيفون اسمه الى القائمة السوداء. الأشخاص الذين يوافقون على مواصلة العلاقات معكم، من خارج السلطة، يتقلصون ويختفون، فلماذا يتورطون؟ حتى العلاقات بين الملك عبدالله ورئيس الحكومة نتنياهو تتوقف على اقل المطلوب. بشكل عام، الاتصالات ناجحة فقط في العلاقات الأمنية، بسبب المصالح المشتركة".

وتتحدث بيري عن رجل اعمال اردني تحمس في حينه للسلام واقام مع شريك اسرائيلي مصنعا وفر اماكن عمل لآلاف الاردنيات والأردنيين، وكان المصنع يصدر انتاجه الى الولايات المتحدة. لكن رجل الاعمال هذا، التقى سرا بالكاتبة هذه المرة، في احد البيوت شريطة أن لا تذكر اسمه "لأنني لا اريد التورط مع معارضي التطبيع" حسب قوله. وتحدث بخيبة أمل عن المصنع الكبير الذي تقلص والعاملات اللواتي خضعن للضغط وتخلين عن العمل. اما هو فلا يزال يدعم ويحلم بالسلام الذي يراه يبتعد.

ويقول: "لقد تقلص عدد المؤيدين للسلام في الاردن، كي يتوقفوا عن ازعاجنا. وفي احدى المرات وصل التهديد حد تشكيل خطر على حياتي فتدخل القصر الملكي ووجه تحذيرا للمهددين". ويضيف: "عندما انظر الى السنوات التي مرت منذ توقيع الاتفاق، اتوصل الى الاستنتاج المحزن، وهو ان الطرفان لم يعملا من اجل بناء السلام الحقيقي بين الشعبين. كانت هناك فرصة، وتم تفويتها. لا يبدو لي ان هذه الفرصة ستتكرر".

ويضيف رجل الأعمال هذا ان لا احد يعرف ما الذي سيحدث، في المستقبل، فالاتفاق مستقرا، حسب رأيه، "ولكن السلام ليس ما فكرتم به وليس كما كنا نأمل، وكما يبدو فانه لن يكون ابدا حقيقيا".

وتتحدث بيري عن اول لقاء منحه الملك حسين للصحافة الاسرائيلية، وكانت هي التي حظيت بإجرائه، تقديرا منه لرسائل كانت تبعث بها اليه في السابق وتطرح فيها تطلعاتها كإسرائيلية الى السلام بين البلدين. بل تقول انه خلال خطابه في مراسم توقيع الاتفاق اقتبس من رسائلها وعرضها "كأفكار مواطنة اسرائيلية". وبعد ذلك توجهت اليه بواسطة صديقة امريكية، فوعدها بمنحها اول لقاء لصحيفة اسرائيلية. وفي 23 اكتوبر 1994 سافرت الى الأردن لإجراء اللقاء، وكانت اول مرة تجتاز فيها الحدود الأردنية وبجواز سفر إسرائيلي. وتشير الى العنوان الذي منحه لها الملك حسين لذلك اللقاء والذي جاء فيه "سيكون السلام مميزا بيننا". واعتبر في حينه بان اتفاق السلام سيكون اكبر انجاز يحققه في حياته.

وتقول انها حافظت على علاقتها مع الملك حسين حتى ايامه الأخيرة، لكن حالة النشوة في الشارع الاردني خفتت مع مرور الزمن. والان في 2014، يجري الرد على كل توجهاتها الى الملك عبدالله لاجراء لقاء معه بمناسبة مرور 20 عاما على اتفاق السلام، بانه "مشغول جدا". مع ذلك، تقول، يحاولون في القدس اقناع الملك عبدالله بالاحتفاء بالذكرى العشرين للاتفاق من خلال الموافقة على لقاء نتنياهو في بيت غابرئيل، في إسرائيل،  على شاطئ بحيرة طبريا.

وتتساءل بيري: كيف يشعر الاسرائيلي في عمان اليوم؟ هناك تحذيرات من السفر، من قبل وحدة مكافحة الارهاب، وهناك شعور بأن العيون تتعقبك عندما تعرض جواز سفرك او تحكي لعابر السبيل بانك جئت من اسرائيل. هكذا في المتجر وفي السيارة. وتحكي عن تحذير صديقتها لها بأن لا تقيم في مكان واحد، وعن سائق السيارة الفلسطيني من نابلس، الذي له اقرباء في غزة، والذي قال لها عندما غادرت سيارته انه لو كان يعرف بأنها إسرائيلية لكان قد القى بها خارج السيارة.

وتنقل بيري ما قاله لها احد الرجال المخلصين للملك عبد الله حين التقت

التعليـــقات