رئيس التحرير: طلعت علوي

المسوؤلون الفلسطينيون لا يخطئون أبدا !!

الأربعاء | 08/10/2014 - 08:59 صباحاً
المسوؤلون الفلسطينيون لا يخطئون أبدا !!


محمد خضر قرش – القدس 


من الصفات المميزة للمسوؤلين الفلسطينيين على كافة مستوياتهم من قادة ووزراء وأمناء عامين للأحزاب والفصائل ورؤساء المؤسسات الاقتصادية والمهنية أنهم لا يخطئون أبدا حالهم بذلك حال أقرانهم المسوؤلين العرب.فالحاكم العربي بغض النظر فيما إذا كان رئيسا أو ملكا أو أميرا أو شيخا لا يخطأ أبدا فهو صاحب العقل السديد والرأي الرشيد والحكم المميز والفريد، حتى ولو كان لا يحمل شهادة ابتدائية ولا يعرف قراءة جملة واحدة بغض النظر فيما إذا كانت مفيدة أو غير مفيدة. وما ينطبق على الحاكم ينطبق على رؤساء الوزارات والوزراء ورؤساء مجالس الإدارة والمؤسسات بأنواعها المصرفية والتجارية والخدمية والصناعية والمالية والمدراء العامين ورؤساء المؤسسات والمعاهد البحثية فكل هؤلاء لا يخطئون،لا بأقوالهم ولا بأفعالهم ولا بسلوكهم ولا بكتاباتهم.

وبالقياس على ذلك فالآباء والأمهات والأبناء والأحفاد لا يخطئون أبدا أيضا فهم منزهون ومعصومون عن الخطأ. فحينما تختلف مع شخص فهو الخاطئ وأنت على حق وحينما تكتب مقالا عن سلوكيات خاطئة قام بها مديرا عاما أو وزيرا أو محافظا أو رئيسا لمجلس إدارة أو شخصية عامة فكاتب المقال مشاكس وعلى خطأ وكل المسوؤلين على حق، رغم أن أخطائهم واضحة وساطعة كالشمس حين تمركزها في كبد سماء شهري تموز وآب.وهذه الثقافة المتوارثة أبا عن جدِ منغمسة ومتغلغلة في عقولنا وتصرفاتنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا،لا سبيل للخروج منها أو مغادرتها أو التخلي عنها.

فهي باتت جزءا أصيلا من تصرفاتنا وعلاقتنا مع الغير.ولا أعلم حقيقة فيما إذا كان واقعيا ومعقولا القول أنه بإمكاننا التخلص من هذا الإرث الجاهلي أم لا. فنحن على الدوام نجيد تقديم التفسيرات والمبررات والأعذار ونحمل الغير دوما نتائج أفعالنا وقراراتنا السيئة بما فيها تلك التي تتخذ بحق مستقبل وطننا واقتصادنا وأنفسنا وثرواتنا ومصيرنا.فالمسئولون الفلسطينيون لم يعتادوا على الاعتذار والاعتراف بالخطأ، فهذا وفقا لثقافتنا من الكبائر والفظائع والمحرمات والمحظورات رغم انه يتناقض مع ما جاء في الدين الحنيف "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" وما قاله الرسول الكريم "كل ابن آدم خطاء وخير الخاطئين التوّابون" .كل البشر والمسؤولين في العالم يخطئون ويعترفون بأخطائهم ويعتذرون ويصححوا مساراتهم إلا نحن ، فلدينا تفاخر وغرور غير عاديين بكل ما نفعله ونتفوه به.

ورغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، إلا أننا وللأسف الشديد تأخذنا دائما العزة بالإثم ونصر على أننا على حق وغيرنا على باطل.ولا تتوقف الأمور عند حد عدم الاعتذار والاعتراف بالخطأ، وإنما يقوم قادة أحزابنا وحركاتنا وفصائل منظمة التحرير بتلقين قواعدها الحزبية بثقافة أننا على حق والغير على خطأ من خلال سلسلة التعاميم والنشرات والتصريحات والكتيبات التي تصدرها بين الفينة والأخرى وتوزعها على نطاق واسع .فقبل أيام قرأت تعميما يقول نصه " لقد أكدت التطورات المحلية والإقليمية والدولية صدق وصوابية النهج الذي خطه حزبنا /حركتنا /جبهتنا " وحينما تفتش أو تبحث على هذا الحزب تجده قد تلاشى وأضمحل أو كاد وانشق ستة أو سبع مرات متتالية ولم يعد يحكم في أي بلد أو قطر عربي  وما ينطبق على هذا الحزب ينطبق على أحزاب أخرى عديدة. فالحزب الشيوعي الفلسطيني أنشق مرات عديدة وغير أسمه خجلا وربما ندامة أو تخلصا من ماضيه وبات كمن ضيع في الأوهام عمرا.

والجبهات اليسارية والفصائل والحركات جرى لها ما جرى للحزب الشيوعي وربما أشدة وطأة وتأثيرا وإيلاما.فعلى حدود علمي وعمري لم أرَ أو أشاهد جبهة يسارية واحدة لم تنشق مرتين أو ثلاثة. ورغم كثرة المصائب والهزائم والنكسات والانشقاقات تخرج علينا هذه الأحزاب بتعميم يقول "بأن التطورات والتحولات والأحداث المحلية والإقليمية والدولية تؤكد صدق وصوابية الخط السياسي الذي انتهجته حركتنا/ جبهتنا /حزبنا ؟.فإذا كانت الثقافة السائدة والتقاليد الحزبية تقول بعدم الاعتراف بالخطأ، إلا انه من العار أن نتخلى أو نفقد أو نبتعد عن الأخلاق الثورية والوطنية والصدق في وصف تطور الأحداث لتبرير أخطائنا في محاولة لتخدير القواعد الحزبية.فالقارئ والمواطن بما فيهم أعضاء الحزب /الحركة/ الجبهة، يعيشون في تناقض مستمر مع النفس ومع الواقع.فهم يرون بأم أعينهم يوميا حجم العجز والترهل والفشل والضعف والتفكك وتفشي الفساد الذي لحق بالحزب وخاصة لجهة فقدانه التأثير الجماهيري وضعف قدرته على الحشد وتغيير الواقع البائس الذي بلغته الحركة الوطنية الفلسطينية جراء سلسلة الأخطاء التي قامت بها هذه القيادات طيلة العقود التي استأثرت بها في القرار.

لقد تسلل الغرور والتباهي بالمواقف الفكرية والنظرية غير المصحوبة بالفعل الثوري التغييري لدرجة بتنا فيه على بعد أمتار قليلة من الاستسلام شبه الكامل لمخططات الاحتلال ولن نقول لمخططات الامبريالية، والتي بات عدم محاربتها من الثوابت المتفق عليها حيث لا قدرة لنا على مواجهتها وبتنا نبرر بضرورة التعامل معها والسكوت على إقامتها القواعد في أرضنا ومنطقتنا لحمايتنا من أوباش داعش والنصرة ومن لف لفهما.أوليس من السخف بمكان أن يكون قادة الحزب الشيوعي العراقي والتنظيمات اليسارية من المؤيدين والمرحبين باستباحة القوات الأميركية للعراق؟ وان يكون أمين عام الحزب ضمن القيادة التي شكلها بول برايمر الحاكم العسكري الأميركي! أليس هذا هو الخزي والعار بعينه! فهل هذا ما كنا نسعى إليه من خلال تثقيف قواعدنا بأن "التطورات والتحولات والأحداث المحلية والإقليمية والدولية تؤكد صدق وصوابية الخط السياسي الذي انتهجته حركتنا/ جبهتنا/ حزبنا؟ هل هذا ما كنا نناضل من اجله طيلة العقود الماضية وهو دعوة الامبريالية الأميركية وأخواتها لإعادة استعمار الأرض العربية مجددا وتمكينها من تقسيمنا وتجزئتنا واحتلال كل فلسطين ومن ثم فرض اتفاقيات ومعاهدات أسوأ من سايكس بيكو!! لقد أكدت الأحداث والتطورات المحلية والإقليمية والدولية أننا لم نكن مخطئين فحسب في سياستنا ونهجنا وخطنا السياسي وأسلوب عملنا ونضالنا بل ومجرمين بحق مبادئنا وثوابتنا وأرضنا وعروبتنا وديننا.لقد فشلنا في وضع الخطط والبرامج الكفيلة بالخروج من هذه المصائب والكوارث وفي اختيار الأدوات والأشكال النضالية المناسبة لمواجهة أعداء الوطن.لقد ارتكبنا الفواحش السياسية والاقتصادية والتنظيمية والمالية ولم نسجل في كل المعارك التي خضناها انتصارات ذات شأن، رغم أن الظروف الموضوعية لم تكن كلها ضدنا بل كانت في بعضها مواتية ومساعدة سواء في الأرض المحتلة أو لبنان أو سوريا أو العراق وغيرها.

فلم نتمكن من إعادة صياغة البرامج النضالية التوحيدية الديمقراطية رغم كثرتها والتغني والتفاخر بها،مما سمح لسفلة وأوباش داعش والنصرة بالتحكم في رقابنا. فالأحزاب والجبهات والحركات والفصائل لم تستطع منذ العودة المستعجلة وبالأدق غير الموفقة عام 1994 إلى أرض الوطن من تطوير وسائل النضال وتسجيل مكاسب جزئية صغيرة من خلال مراكمة النضالات ضد الاحتلال وأدواته ووسائله.

لقد أضاعت قيادات العمل الوطني في الداخل الفلسطيني كلها دون استثناء فرصا عديدة لتطوير حالة النضال والنهوض بالحركة الوطنية لتقريب ساعة التحرير والتخلص من الاحتلال، بدءا من أحداث النفق عام 1996 والانتفاضة الثانية ومصادرة الأراضي والاستيطان وبناء الجدار العنصري ومواجهة قطعان المستوطنين وتهويد القدس والتقسيم الزماني والمكاني للحرم الإبراهيمي في الخليل وإعادة أو نسخ نفس التجربة في المسجد الأقصى وهدم البيوت. لقد أوجد الاحتلال الإسرائيلي بتصرفاته الرعناء فرصا ذهبية لتطوير حركة النضال والمواجهة (نعلين كمثال) لكننا فشلنا في تطويرها وتحويلها إلى انتفاضة شاملة.لقد ساهم في الفشل انكشاف القيادات للاحتلال بالإضافة إلى عوامل ذاتية يتعلق بعضها بالامتيازات التي تحصل عليها (سهولة تحركهم عبر المعابر والحواجز وبطاقة ال VIP) وعدم وجود أي فرصة لاستبدال هذه القيادات مما دفعها للركون إلى الكسل وتمييع النضالات وتركها حتى تخبو وتضمحل. لقد بات بمقدور جيب عسكري إسرائيلي واحد لا يزيد عدد أفراده عن 4 جنود من الدخول إلى وسط رام الله أو نابلس أو الخليل أو أي زقاق ضيق في مخيم واعتقال ما يريد والخروج سالما غانما دون رشقة حجارة واحدة إلا ما ندر،رغم توفر السلاح في المخيم واستعراضه في المناسبات والأفراح والاقتتال الداخلي والاغتيالات .

لقد أوصلتنا هذه القيادات التي لا تخطأ أبدا ولا تعرف الاعتذار إلى وضع مأساوي ومخزي. فقد أجهضت كل محاولات الجماهير في بناء منظومات نضالية محلية من خلال التخلي عن دعمها وتمويل نشاطاتها أثناء المواجهات ،القدس مثال صارخ على ذلك، إثر خطف وحرق الفتى المقدسي محمد أبوخضير في شعفاط وقبلها وبعدها العيسوية وسلوان وواد الجوز والصوانة وغيرها كثير. لقد وقفت هذه القيادات موقف المتفرج ولم يكن في وسعها أو في مقدورها غير إصدار بيانات الشجب والإدانة والاستنكار وكأنها أحزاب صديقة موجود في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، فحتى تاريخه لم تستطع هذه الأحزاب والفصائل والجبهات من وضع برامج أو الحلول بكيفية التعامل مع فشل المنظمة والسلطة الوطنية معا في الخروج من المأزق الذي بلغناه بعد عقدين كاملين من مفاوضات عبثية والفشل في بناء الاقتصاد حيث تحول شعبنا إلى متسول يقف على أبواب الدول المانحة في نهاية كل شهر مستجديا لدفع الرواتب.كما عجزت هذه القيادات التي لا تخطأ أبدا ولا تعرف الاعتذار عن مواجهة الفساد والتشويه المتعمد للهياكل الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية والدينية بحيث باتت عاجزة وغير قادرة عن استئصال بذور التطرف الذي بدأ ينخر بالجسم الوطني الفلسطيني.

لم يسجل التاريخ السياسي والنضالي أن تمكنت حركات تحرر من تحقيق انتصارات إذا لم تعترف بأخطائها وتقيم تجربتها وتعتذر عنها لشعبها.فالاعتذار يحمي ويحصن النفس من الزلل ويحول دون التمادي في الخطيئة. فالشعب الفلسطيني يتمنى أن يرى يوما رئيسا فلسطينيا أو أمينا عاما لحزب/لحركة /لجبهة يعترف بخطئه ويعتذر عنه ويستقيل.ولأن قياداتنا لا تخطأ أبدا ولم تمارس الاعتذار يوما،فلن نحقق أهدافنا.وما ينطبق على السياسة ينطبق بالكامل على الاقتصاد والثقافة.

لم تعد هذه القيادات تحظى بحد أدنى من الاحترام لدى شعبها، فقد ملها ولفظتها تماما. فهي لم تجلب له سوى الهزائم والفساد والإحباط.فقد تجاوزت أعمار معظمهم ال75 عاما ومنهم من بات على بعد خطوات من ال90 عاما وما زال عضوا في اللجنة التنفيذية.على المسوؤلين الفلسطينيين في القطاعين السياسي والاقتصادي أن يخجلوا من أنفسهم ويعترفوا بأخطائهم ويعتذروا  لشعب فلسطين عما قاموا به من أخطاء كبيرة وما تسببوا به من هزائم متتالية ونشر النفاق والفساد وزيادة الفقر فقد فشلوا في تحقيق أية انتصارات وطنية ذات شأن على الأرض وبعدها عليهم أن يغادروا ساحة النضال. وبدون الإطالة فيكفي مقارنة الوضع الذي كان سائدا قبل عام 1994 وما هو قائم حاليا على الأرض وفي مناطق الشتات، لندرك حجم المأساة التي تسببت بها القيادة الفلسطينية الحالية لقضيتنا الوطنية في الأردن ولبنان وأرض الوطن. فهل من معترف بأخطائه ومعتذر ؟

التعليـــقات