رئيس التحرير: طلعت علوي

التخمَّة الوظيفية.. نَزّْوَة المسؤول لبهْجة الأب وشقاءِ الإبن

الإثنين | 22/09/2014 - 06:48 مساءاً
التخمَّة الوظيفية.. نَزّْوَة المسؤول لبهْجة الأب وشقاءِ الإبن

الكاتب: د. لؤي الشيخ
أدّى تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية التي تعصف بالشعب الفلسطيني الى تنامي غير مسبوق في معدلات البطالة والفقر، ليس فقط نتيجة انعدام الآفاق السياسية في التوصل الى حل سلمي والانقسام البغيض وماتبعه والمخاوف المصاحبة لذلك عند قطاع الأعمال، بل لاسباب في السلوك التوظيفي والتشغيلي العبثي عند المؤسسات ذات الاختصاص وعند اصحاب القرار والاختصاص في القطاع العام.

ووفقا للأحصاءات الرسمية، فإن معدل البطالة تجاوز 28.5 في المائة مع نهاية العام الماضي، ويتوقع المراقبون أن تتزايد هذه النسبة الى اكثر من 30% مع نهاية العام الجاري، وعليه؛ فإن أكثر من 280 ألف فلسطيني هم حاليا عاطلون عن العمل، في وقت تمتنع فيه السلطة الفلسطينية عن توفير فرص عمل جديدة بسبب التكدّس الوظيفي لديها والعجز الحاصل في موازنتها أصلا. وتشكل فئة الشباب الفلسطيني الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، نحو 60 في المائة من تركيبة المجتمع الفلسطيني، بحسب أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وتشير التقديرات الى أن الجامعات الفلسطينية تخرج سنويا حوالي 38 ألف طالب وطالبة وهو ما يشكل معضلة كبيرة تهدد بتضاعف معدلات البطالة في ظل عدم توفر سوق عمل لاستيعابهم ولا خطط استراتيجية لاستحداث فرص عمل جديدة.

يتوقع المتخصصون في سوق العمل والعمال أن إنتاجية الموظف الحكومي في أفضل حالاتها في الوطن العربي بما فيها دولة فلسطين لا تزيد عن ساعة يومياً من اصل سبع ساعات عمل وأن المرضيات والاجازات غير المرضية تكلف كل دولة من هذه الدول الدول مئات الملايين سنويا، وأنه يجب تغيير النظرة للعمل الحكومي وثقافة العمل فيه، الامر الذي لم يعد يتحمل تكدساً وظيفياً أكثر مما يحدث الآن وتوزيعاً للموظفين غير عادل، حيث هناك غالبية الإدارات متخمة بهم وقليل منها تعاني نقصاً شديداً، وأن رؤساء هذه الدول ورؤساء حكوماتها وحاشياتهم والمتنفذين ومستشاريهم ممن هم على قارعة الطريق هم السبب الرئيسي وراء ذلك.

تعد مشكلة التكدّس الوظيفي "الازدحام الوظيفي" في القطاع الحكومي وعدم استغلال طاقات الشباب في أعمال تنمّي قدراتهم الوظيفية بمثابة انتحار جماعي للابداع الوطني الذي يضيع وسط غياب التوزيع التشغيلي العادل للمواطنين بمختلف قطاعات الدولة لأنه بالنهاية تعتبر البطالة المقنعة هي هدر حقيقي للثروة البشرية وتبذيرا مقصودا لمواردها المالية, ويلاحظ ان هناك مدير ادارة على سبيل المثال وتجد اعداد العاملين في مكتبه يزيد عن عشرة افراد, بينما هو لا يحتاج سوى موظف واحد فقط, وعلى النقيض تماما من ذلك، نجد نقصاً شديداً جدا في الوظائف التي يكون فيها تعامل مباشر مع الجمهور أو في الادارات التنفيذية، او في قطاعات تلامس حاجة غالبية المواطنين مباشرة والتي من اهمها قطاعات الصحة والتعليم.

عربيا؛؛؛ يفسر حدوث التضخم الوظيفي والبطالة المقنعة عندما يكون عدد الموظفين أكثر من حجم العمل ومتطلباته واحتياجاته, وعدم الرقابة وتطبيق قوانين ولوائح الدوام والغياب والتأخير على الموظفين وشجعت الموظفين على عدم الالتزام بالدوام وعدم الانتاجية، عوضا عن زيادة الاجازات المرضية والطارئة والاضرابات، وأظهرت دراسة متخصصة بهذا العنوان أن معدل انتاجية الموظف الحكومي العربي تتراوح في المتوسط بين 18 و25 دقيقة يومياً من أصل سبع ساعات عمل, وهناك دراسات أخرى مشابهة تفيد أن معدل انتاجية الموظف الحكومي لا تزيد عن ساعة في اليوم, رافضة هذه الدراسات إتباع سياسة التعميم على كل الموظفين لأن هناك موظفين يعملون بجد وبانتاجية ساعات عمل مناسبة وخاصة في ميادين الصحة والتعليم.

فلسطينيا؛؛؛ تدفع الحكومة حوالي 2 مليار دولار سنويا لرواتب مايقارب 162 الف موظف حكومي أي ما يعادل تقريبا 50% من قيمة الموازنة التي تبلغ حوالي 4 مليار دولار، وسيضاف على ذلك رواتب 40 الف موظف في قطاع غزة كانت تتكفل بدفعها حكومة حماس وهم الآن من النقاط الخلافية في سبيل احقاق المصالحة الوطنية وانهاء الانقسام لاتمام البدء بعمل حكومة الوحدة الوطنية، وعليه ستبلغ فاتورة الرواتب الفلسطينية حوالي 2.5 مليار دولار سنوايا وسيقترب عدد موظفي القطاع العام من ال 205 الاف موظف بحيث سيكون هناك لكل 21 مواطن فلسطيني موظف حكومي وسيخصص حوالي 64% من قيمة الموازنة العامة لذلك وسيكون ترتيب دولة فلسطين الثالث عربيا بعد الكويت ومصر وعالميا ستكون حتما من أول عشرون دولة، علما انه لم يتم احتساب موظفي البلديات وهيئات الحكم المحلي من ضمن القائمة رغم احتسابها في كثير من الدول.

لم تكن التخمة الوظيفية "البطالة المقنعة" لوحدها العبء الاكبر على موازنة الحكومة الفلسطينية بل شكل نثر الدرجات الوظيفية والرتب العسكرية العالية على غير مستحقيها عبئاً أكبر، مما تطلب استحقاقات مالية كبيرة جدا على مجمل فاتورة الرواتب، وقد كان ذلك بسبب جماعات الضغط والكيانات الفارغة والنفوذ الوهمي لبعض الاشخاص على السلطة التنفيذية على مرِّ الحكومات المتعاقبة واستعطاف ثعلبي لسلطة الرئاسة في حقبة الشهيد القائد ياسر عرفات او في حقبة الرئيس ابو مازن، وقد ترتب على هذه التخمة الوظيفية غيابا غير مباشرا (الاضرابات والتعليقات و...الخ) عن الوظيفة وتدني واضح في انتاجية الموظفين وانخفاض في كفاءتهم وادائهم الوظيفي، ويعزي هذا التدني في الانتاجية والانخفاض في الكفاءة والاداء الى القانون العقيم الذي يتساوى أمامه من لايعمل بمن يعمل ومن لا يبدع بمن يبدع ومن هو غير موجود بمن هو في الميدان ومن هو مسافر منذ عشرات السنين بمن هو على مكتبه ومن هو ميت بمن هو حيّ ومن هو موجود اصلا بمن هو وهمي وغير موجود منه الا الاسم المالي، حيث عجز تماما قانون الخدمة المدنية المتوفى قبل ان يولد عن تشجيع ودعم الموظف المنتج والملتزم بالعمل وعن منح مكافاءات وعلاوات يقوم على نظام قياس الأداء والكفاءة الذي يهدف الى توزيع عادل لزيادة الراتب السنوية حسب مستويات الأداء والانتاجية بين الموظفين ويفرق بين الجيد والجيد جدا والممتاز والسيء والذي يستحق الطرد، رغم ماورد في نصوص مواده مايجملها ورغم مايدعي المدافعون –المستفيدون- بعدم وجود ميزانيات لتطبيق الافضل فيه.

لقد وصلت البطالة المقنعة "التكدّس الوظيفي" في الاجهزة والادارات الحكومية الفلسطينية الى حدود غير مقبولة ولاتطاق على الاطلاق, حيث تتكدس اعداد كبيرة جدا من الموظفين في عمل يمكن ان يقوم به عدد قليل من الموظفين لا يزيد عن اصابع اليد الواحدة, ما يستدعي تغيير الفلسفة والثقافة والنظرة الاجتماعية للعمل في القطاع الحكومي الذي اصبح لا يتحمل اكثر من ذلك، حيث ان عملية التكدّس المبالغ فيها في القطاع الحكومي لها سلبيات عديدة, ابرزها ان الموظف الذي يريد التفوق سوف تنتابه حالة من الخمول نظرا لكثرة الذين يقومون بنفس وظيفته، أو أن مسؤوله في العمل أقل منه تعليما او خبرة أو كفاءة او أداءً، فلا يعقل ان يكون المستشار لايحمل اي شهادة علمية، ولايعقل أن من يحملون الشهادات الجامعية والشهادات الجامعية العليا يعملون بتوجيهات شخص لم يكمل الابتدائية أو انه حصل على شهادته الجامعية بحكم موقعه الوظيفي لاغير ومن دون أن يعرف اسم تخصصه الدقيق او اسم جامعته بالكامل، ولايعقل أن نرى الاعلان عن وظائف لجهة بعينها وقطاعات مثل الصحة والتعليم تتعطش لريِّها بموظف واحد وكأننا قطب من اقطاب الحرب العالمية الثالثة المنتظرة.

إن الحقيقة التي لايمكن انكارها هي ان القطاع العام اصبح متخما بالعنصر البشري وهي المشكلة الكبرى ويعتري ذلك غياب سياسة توزيعية جيدة حيث نجد ان هناك نقصاً في بعض القطاعات الاستراتيجية مثل الصحة والتعليم وتخمة في قطاعات أخرى يعتقد البعض انها استراتيجية، ولااريد هنا ان اتطرق الى الاسباب الحقيقية التي ادت الى ذلك لانها لاتخفى على أي منا وكلنا يعرف مئات الحالات التي اصبحت جزءاً من هذه المعضلة، وكلنا يعرف من هو المسؤول ومن هو المعني ولكن القليل منا يعرف ان هذا المنهج اصبح يمس كل واحد منا حتى من تم توظيفهم وتعيينهم بطرق غير شرعية وعلى اساس غير سليم وذلك لعدم توافر فرص عمل لا لأبنائنا ولا لأبنائهم، فالهدف من وراء هذه الاساليب العبثية في التوظيف ومهما كان القصد منها فقد اصبحت شراً لابد من مواجهته، وأن يتم نسف المنهج المتبع في التعيين وخصوصا لاؤلئك من اصحاب السعادة والعطوفة، ويتم ذلك تشاركا مابين القطاع العام والخاص والاهلي وأن يقف كل قطاع عند مسؤولياته الوطنية والاجتماعية والاخلاقية، وأن يضع القطاع العام صوب عينيه حجما كبيرا من التغييرات الاستراتيجية سواءً في الموجود حاليا او منهجية عمله في المستقبل وذلك لأن التسلم بالبطالة المقنعة "التخمة الوظيفية" هي حل الحكومات العاجزة، ولأنه يطول البحث في الاسباب الحقيقية التي ادت الى ذلك فإن البحث في تقديم حلول لهذه المعضلة هو ذات اولوية ويجب تقديم الحلول على الاسباب وعلى الاشخاص اصحاب الشأن لان من الاسباب والاشخاص منهم من هو في رحمة رب العالمين ومن الاسباب لن يحلها الا رب العالمين، ومن وجهة نظر متخصصة ارى مايلي:-

1- إمساك كبار المسؤولين وعليّة القوم عن القيام بالتعيينات العشوائية والارضائية وبمسميات هلامية على خلفيات لا علاقة لها بأبجديات التوظيف، فعملية التوظيف ليست حصاد نضالي ولا واجب حزبي أو شأن اجتماعي بقدر ماهي احتياج لمتخصصين ومتعلمين لتقديم او المساعدة بتقديم خدمات عامة بغض النظر عن الاصول والجذور.

2- العمل الجاد على اصدار التشريعات والقوانين والقرارات واللوائح الخاصة بالتقاعد المبكر وتنفيذها على الموظفين العسكريين والمدنيين بما يضمن توفير حياة كريمة لهم وتمكينهم من الانخراط بالقطاع الخاص من خلال تحفيزهم على إنشاء مشاريع انتاجية.

3- اعادة توزيع الموظفين بين الادارات المختلفة في جميع الوزارات بحيث يتم حقن الفائض في بعض الوزارات في احتياج بعض الوزارات الاخرى والادارات الفرعية في المديريات والمحافظات وحسب الاختصاص ولصغار الموظفين.

4- ايجاد هيكل تنظيمي فعّال وكفؤ ينظم العلاقة الوظيفية العمودية والافقية لجميع موظفي السلطة بحيث يندرج كل موظف عام في احد مستوياته ويوصف فيه عمل كل مستوى.

5- تشديد الرقابة الادارية وتطوير بنودها والصرامة بتطبيق اجراءاتها والتدريب المستمر لطواقمها والاعتماد على ماهو مستجد وحديث من اساليب رقابية في مواجهة معضلة الترهل الاداري الحاصل في القطاع العام والتخمة الوظيفية المصاحبة له.

6- رصد الموازنات الخاصة بتغيير ثقافة الموظف العام وجعل ولائه وعطائه لعمله لا لجسم نقابي يجمعه ولا لعصابة تحكم داخل منظمة عمله ولا لواسطة هنا ومحسوبية هناك، وما التجربة والمدرسة اليابانية ولا السنغافورية ببعيدة عنا.

7- تخطيط التعليم العالي وضبط مخرجاته بحيث يكون للوظيفة العمومية حصة من التخصصات الدقيقة والتخصصات النادرة، وتشجيع المخرجات ذات التخصصات المهنية واستيعابها في أماكنها الصحيحة.

8- إنشاء مركز وطني للتدريب وصقل المهارات، يدار من جهة عليا ويستفيد منه كل موظفي الدولة سواء كانوا في القطاع الخاص او العام او الاهلي.

9- إقرار نظام مرن يعتمد على المكافأة والعقاب حسب الاداء الوظيفي والانتاجية والتخلص من نظام التساوي في المكافآت.

10- على القطاع الخاص الوقوف عند مسؤولياته فيما يخص استحداث فرص عمل جديدة وعلى الحكومة ان تكون داعمة وموجهة وراعية لذلك من خلال قوانين تشجيع الاستثمار ودعم حاضنات الاعمال ومايختص بها.

11- يجب ان يكون لسلطة النقد الفلسطينية كلمتها على البنوك العاملة في فلسطين لتسهيل منح القروض الانتاجية للشباب وللقطاع الخاص على حد سواء، سواءً كان ذلك من أجل القيام بمشاريع جديدة او تطوير ماهو موجود اصلا، هذا بالاضافة الى تقييد التسهيلات الممنوحة للقروض الاستهلاكية.

التعليـــقات