رئيس التحرير: طلعت علوي

أضواء على الصحافة الإسرائيلية 30-31 أكتوبر 2020

السبت | 31/10/2020 - 12:36 مساءاً
أضواء على الصحافة الإسرائيلية 30-31 أكتوبر 2020


في التقرير:
أشكنازي يتهم الفلسطينيين برفض فرص السلام!
الخارجية الأمريكية: 50 ألف أميركي ولدوا في القدس سيسجلون كمواليد في إسرائيل
استطلاع: تراجُع قوة الليكود وتعزز "يمينا"
قوة من المستعربين في حرس الحدود اعتقلت مشبوهين بنشاط "إرهابي"
حركة "رجافيم" اليمينية تهدد بتقديم التماس إلى العليا ضد الإدارة المدنية بزعم عدم منع اتساع بلدة فلسطينية في الضفة!
مقالات
ترامب لن يدوم إلى الأبد: الجهاز الأمني يستعد، أيضًا، لسيناريو فوز بايدن
البطاقة المنسية التي تم حرقها فورًا، تشهد على الصورة المغلوطة لشخصية رابين
الهرولة إلى دبي
دموع أخرى
الاغتيال ليس دليلا على ان رابين سعى للسلام
--
أشكنازي يتهم الفلسطينيين برفض فرص السلام!
"يسرائيل هيوم" و"يديعوت احرونوت"
قال وزير الخارجية الاسرائيلي غابي أشكنازي، يوم الخميس، إن "اتفاقات إبراهيم هي نافذة فرص لتجديد الحوار بيننا وبين الفلسطينيين من أجل حل عادل ودائم يقوم على السلام والاحترام المتبادل." وادعى أشكنازي أن قيادة السلطة الفلسطينية هي التي تواصل رفض استغلال نافذة الفرص هذه. وقال إنه طلب من نظيره الإيطالي "استغلال زيارته في رام الله، الجمعة، لإقناع قيادة السلطة الفلسطينية بالعودة إلى طاولة المفاوضات من اجل مستقبل أفضل لأولادنا".
وقالت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية إن أشكنازي وجّه رسالة بهذا الصدد إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع وزير الخارجية الإيطالي ليوجي دي مايو خلال اجتماعهما في القدس يوم (الخميس).
وناقش أشكنازي مع نظيره الإيطالي القضايا الاستراتيجية الإقليمية ودائرة التعاون التجاري والسياحي المستقبلي في ضوء اتفاقيات السلام مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان.
الخارجية الأمريكية: 50 ألف أميركي ولدوا في القدس سيسجلون كمواليد في إسرائيل
"يسرائيل هيوم"
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الخميس، أن مواطني الولايات المتحدة الذين ولدوا في القدس، يمكنهم تغيير مكان ميلادهم في الوثائق الرسمية، بما في ذلك الهوية وجواز السفر، من القدس إلى إسرائيل. وكما يتضح فإن هناك أكثر من 50 ألف أميركي ولدوا في القدس.
وينهي هذا القرار معركة مدنية وقانونية استمرت 17 عامًا، خاضها الحاخام الدكتور آري زيبوتفسكي، الأستاذ في جامعة بار إيلان، وزوجته نعومي، المهاجران الأمريكيان إلى إسرائيل منذ سنوات عديدة. ففي عام 2003، رزق الزوجان بابنهما الأكبر مناحيم، فتوجها إلى السفارة الأمريكية في إسرائيل وطلبا تسجيل ابنهما كمولود في إسرائيل. لكنهما فوجئا عندما اكتشفا أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تعترف بالقدس كمدينة إسرائيلية في ذلك الوقت. وهكذا، تمت الإشارة إلى اسم المدينة في جواز سفره، بدون الدولة المعنية.
وينهي هذا القرار أيضًا، سياسة دامت عقوداً امتنعت خلالها الخارجية الأمريكية عن تحديد القدس كجزء من دولة إسرائيل لأن القدس كانت تعتبر دولية وفقا لقرار التقسيم. وبعد اعتراف إدارة ترامب بها كعاصمة لإسرائيل تقرر إلغاء هذه السياسة. وقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إن تغيير السياسة سيكون ساري المفعول على الفور، وأنه يتوافق مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سنة 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
ويأتي هذا القرار في محاولة من قبل إدارة ترامب، أيضا، لكسب أصوات اليهود في انتخابات الرئاسة التي ستجري الأسبوع المقبل، وكذلك لاسترضاء المسيحيين الإنجيليين الموالين لإسرائيل.
استطلاع: تراجُع قوة الليكود وتعزز "يمينا"
"معاريف"
أظهر استطلاع للرأي العام نشره الملحق الأسبوعي لصحيفة "معاريف"، يوم الجمعة، استمرار تراجع قوة حزب الليكود بقيادة نتنياهو، مقابل استمرار التعزيز لقوة حزب "يمينا". ويستدل من الاستطلاع الذي اجري بواسطة معهد "بانلز بوليتيكس"، أنه لو جرت الانتخابات العامة للكنيست ألـ 24 الآن فستتراجع قوة حزب الليكود برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى 28 مقعداً، مقابل 30 مقعداً في استطلاع الأسبوع الماضي.
ويتم استغلال تراجع قوة الليكود من قبل حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت، الذي يضيق الفجوة ويحصل على 21 مقعدًا في الاستطلاع الحالي، مقابل 20 مقعدًا في الاستطلاع السابق. ويحصل حزب "يوجد مستقبل" بقيادة يئير لبيد على 17 مقعداً في الاستطلاع الحالي – بانخفاض مقعد واحد عن نتائج الاستطلاع السابق.
وتراجعت القائمة المشتركة التي يتزعمها أيمن عودة بشكل كبير للأسبوع الثاني على التوالي، حيث تحصل على 12 مقعدًا مقابل 15 في الكنيست الحالي. وتتأثر قوة القائمة المشتركة بنسبة عالية جدا تبلغ 35٪ من المترددين بين الجمهور العربي الذين لم يقرروا بعد كيف يصوتون في الانتخابات المقبلة.
ووفقاً للاستطلاع، تحصل قائمة حزب "أزرق أبيض" على 10 مقاعد، وتحصل "شاس" و"إسرائيل بيتنا" على 9 مقاعد لكل منهما، وتحصل قائمة "يهدوت هتوراه" على 8 مقاعد، وميرتس على 6 مقاعد.
ولن تتمكن قوائم أحزاب العمل و"البيت اليهودي" و"غيشر" و"ديرخ إيرتس" و"قوة يهودية" من تجاوز نسبة الحسم (3.25%). وشمل الاستطلاع عيّنة مؤلفة من 549 شخصاً يمثلون جميع فئات السكان البالغين في إسرائيل مع نسبة خطأ حدّها الأقصى 4.4%.
قوة من المستعربين في حرس الحدود اعتقلت مشبوهين بنشاط "إرهابي"
"معاريف"
سمحت الشرطة بالنشر، يوم الخميس، أن وحدة من قوات المستعربين في حرس الحدود اعتقلت ليلاً في جنين، مطلوبين للاشتباه بقيامهما بأنشطة "إرهابية"، والتخطيط لعملية بواسطة إطلاق النار.
وتم القبض على المشتبه بهما، وهما من سكان المنطقة وفي العشرينات من العمر، وفي حوزتهما قطعتي سلاح من طراز كارلو ومعدات قتالية تضمنت الهراوات والمقاليع. ويأتي هذا بعد معلومات استخبارية من الشاباك أوصلت المستعربين إلى العملية المعقدة في جنين.
حركة "رجافيم" اليمينية تهدد بتقديم التماس إلى العليا ضد الإدارة المدنية بزعم عدم منع اتساع بلدة فلسطينية في الضفة!
"يسرائيل هيوم"
تعتزم حركة "رجافيم" اليمينية، في الأيام المقبلة، رفع دعوى قضائية في المحكمة العليا ضد الإدارة المدنية بحجة "عدم مراقبة ومنع اتساع البناء "غير القانوني" في قرية بدوية في الضفة الغربية، تنعتها الصحيفة بـ "البؤرة" وتزعم أنها استولت على جزء من أراضي الدولة والأراضي المخطط لتوسيع مستوطنة نوفي برات عليها!!
وتزعم "يسرائيل هيوم" أنه تم، تحت أنظار الإدارة المدنية، إضافة 30 مبنى جديد إلى "البؤرة" في غضون عام ونصف، على الرغم من التزام السكان البدو بعدم الاستمرار في البناء غير القانوني. وتضم البلدة حاليا 150 مبنى. وهذا هو الالتماس الثاني الذي تقدمه هذه الجمعية اليمينية ضد البلدة الفلسطينية.
مقالات
ترامب لن يدوم إلى الأبد: الجهاز الأمني يستعد، أيضًا، لسيناريو فوز بايدن
طال ليف رام/ معاريف
شكلت الأشهر الأخيرة تذكيراً لمن يحتاج إلى ذلك، بأهمية العلاقة الاستراتيجية لإسرائيل مع الولايات المتحدة، وتأثيرها في الشرق الأوسط، إذا ما قررت التأثير. حتى كانون الثاني الماضي كان جهاز الأمن قلقاً من تآكل مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، ومن امتناعها عن استخدام القوة العسكرية، وانعدام سياسة واضحة، مقابل تعزز قوة الروس وازدياد ثقة الإيرانيين بأنفسهم. وكان الهجوم على منشآت النفط السعودية في 2019 نقطة الدرك الأسفل.
وتغيرت الصورة مع تصفية قائد قوة القدس الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني. ويرى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية في المبادرة الأمريكية نقطة تحول، تؤثر على قدرة تعاظم الإيرانيين وحزب الله. أما التوقيع على اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين فيثبت حلفاً آخذاً في تعزيز القوى ضد إيران. هذه الخطوة أيضاً يمكن أن تعزى للولايات المتحدة.
ليس صدفة أن كثيراً من هذه المواضيع طفت على جدول الأعمال قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية. يمكن الافتراض بأن المقربين من الرئيس دونالد ترامب رأوا في هذه الخطوات أوراقاً سياسية مهمة تساعدهم في الانتخابات.
جهاز الأمن على قناعة بأنه إذا لم تجد هذه الخطوات نفعاً لترامب في صناديق الاقتراع، وتم انتخاب جو بايدن للرئاسة، فليس متوقعاً حدوث تغيير في الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل وبطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين. ومع ذلك، فقد سارعت أوساط جهاز الأمن في الأسابيع الأخيرة إلى سد الثغرات الأخيرة في المسائل المتعلقة بالمشتريات الأمنية التي يفترض أن تأتي كتعويض عن صفقات السلاح المتطور التي تنسجها الولايات المتحدة ودول الخليج. تؤمن إسرائيل بأن المقابل الذي يمكن الحصول عليه الآن أعلى مما يمكن بعد الانتخابات، ولا سيما إذا ما انتخب بايدن، وذلك لأنه لن يكون ممكناً الحصول منه على رزمة تعويضات موسعة على اتفاق لم يوقع هو عليه.
تدعي أوساط جهاز الأمن بأنه كان ممكناً العمل للحصول على رزمة تعويضات نوعية أكثر لو عمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفقاً للبروتوكول قبل التوقيع على الاتفاق مع الإمارات. ويقف جهاز الأمن – بقيادة الوزير بيني غانتس – ضد إقصائه عن عملية اتخاذ القرار وعدم اطلاعه على تفاصيل الاتفاق، وكذلك إخفاء نية الولايات المتحدة بيع الطائرات المتملصة للإمارات.
وعلى الرغم من الاتفاقات، فإن الإيرانيين بعيدون عن الاستسلام. فالسنوات الأخيرة تثبت مدى إصرار طهران على مواصلة دفع مخططات التضخم الإقليمي والتموضع في سوريا والعراق قدمًا، وكذلك دفع البرنامج النووي رغم المصاعب الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية الدولية الحادة ضدها.
تقدر أوساط جهاز الأمن بأنه حتى لو اتخذت الولايات المتحدة بعد الانتخابات خطاً واضحاً يدمج الضغط الاقتصادي، بخطوات سياسية وباستعداد لممارسة القوة العسكرية تجاه إيران، فإن كل هذا لن يوقف تطلعاتها.
يمكن لنتنياهو أن يسجل لصالحه أن الولايات المتحدة سارت معه على الخط في موضوع الاتفاق النووي المثقوب، ولكن في اختبار النتيجة، بعد أربع سنوات من ولاية ترامب، ها هي إيران تقترب من القنبلة النووية وتخرق القيود المختلفة التي فرضت عليها، علناً.
من المتوقع للسنوات الأربعة المقبلة أن تكون حرجة في هذا السياق. تنتظر إيران أن ترى من سيكون الرئيس التالي، ويمكن التقدير بأنها تفضل بايدن. ولا يهم من سينزل في الغرفة البيضاء؛ فالتحدي الذي سيكون أمامه هو وقف البرنامج النووي بواسطة اتفاق أفضل من الاتفاق السابق. وإذا لم يحصل هذا، فعليهما أن يكونا مستعدين لصدام عسكري ستكون إسرائيل أيضاً مشاركة فيه.
رفع المستوى في ميدان المعركة
في نهاية المطاف، سيذكر التاريخ ترامب كمن أحدث اختراقاً في الشرق الأوسط فرفع جزءاً مهماً من المقاطعة العربية على إسرائيل. وحتى لو لم تتضمن الخطوة في هذه المرحلة حلًا للقضية الفلسطينية، فثمة افتراض بأن كثيرين من رؤساء الولايات المتحدة السابقين كانوا مستعدين للتوقيع على إنجاز سياسي بمثل هذا الحجم.
وإلى جانب الإنجازات السياسية الهامة، فإن القطيعة الأمريكية عن السلطة الفلسطينية لا تخدم مصالح إسرائيل ولا تساهم في الاستقرار الأمني. الضربة التي تلقتها السلطة الفلسطينية واضحة. فهم يرون في الاتفاق الذي وقعته الإمارات والبحرين والسودان خيانة حقيقية. ولكن دول الخليج ملت أن تكون رهينة الرفض الفلسطيني. لقد فشل أبو مازن في قراءة الخريطة، إذ لم يشخص المصالح الاقتصادية لدول الخليج والمصلحة المشتركة في الصراع ضد إيران.
سياسة إسرائيلية استفزازية تجاه السلطة ليست صحيحة الآن. ورغم عدم وجود تنسيق أمني واستمرار أزمة الفلسطينيين الاقتصادية وبقاء الميدان هادئاً، إلا أن جهاز الأمن يواصل التحذير من أن الوضع قد يتغير. فانهيار السلطة سيتطلب من الجيش الإسرائيلي توظيف قوة بشرية ومقدرات عديدة في يهودا والسامرة.
وفي هذه الأثناء، ثمة تقدير بوجود احتمال صغير لحدوث عملية ضد الجنود من قبل حزب الله. التخفيف في تفشي الكورونا سمح للجيش هذا الأسبوع باجراء مناورة واسعة النطاق تحاكي القتال ضد حزب الله في لبنان. وقد نفذت مناورة “سهم فتاك”، على مستوى القادة أساساً، وكان هدفها فحص الأوامر والمخططات الجديدة للحرب ضد حزب الله. في الاسم الذي اختير للمناورة تختبئ الفكرة العملياتية: فبالمقارنة مع الحروب والحملات السابقة، يخطط الجيش الإسرائيلي في الحرب المقبلة لاستخدام القوة البرية منذ مراحلها الأولى. وسيلقى بمركز الثقل على الألوية المناورة، كل واحد في منطقته المخطط لها قبالة استحكامات الخط الأول لحزب الله.
التغيير المنشود للنتائج الأولية التي حققها الجيش في حرب لبنان الثانية، يركزه الجيش الإسرائيلي على قدرة القوات على العمل بشكل يدمج المناورة البرية مع سلاح الجو بنجاعة أكبر ومع قدرات نارية أخرى، في ظل استنفاد المعلومات الاستخبارية التي تصل حتى مستوى القائد الميداني.
يمر الجيش الإسرائيلي اليوم في ذروة مسيرة تكنولوجية ستسمح في المستقبل للقائد الميداني، وللطيار القتالي، ولمحافل النار المختلفة، ولرجال الاستخبارات، بأن يروا من خلال وسائل تكنولوجية الصورة القتالية ذاتها. وسيؤدي هذا التقدم إلى تحسين مهم في الخطاب المشترك، وفي القدرة على تشخيص العدو الذي يعمل للاختباء تحت الأرض برعاية المناطق المأهولة، وتحسين القدرة على إغلاق الدوائر وضرب العدو بشكل كبير.
الهدف هو: عندما يحدد قائد السرية في جهازه المساعد التكنولوجي هدفاً، فإنه وعلى الفور سيحصل الطيار القتالي على الإشارة، ويكون بوسعه المهاجمة دون أن يمس بأمن القوات.
في ميدان القتال المستقبلي في لبنان أو في غزة لن يكون النصر بإنجاز بري أو باحتلال أرض، بل بضرب قدرات العدو، ووسائله القتالية، وبناه التحتية العملياتية، وعدد مقاتليه المحيدين. في المواجهات الأخيرة، لم ينجح الجيش الإسرائيلي في التعبير عن الفجوة الهائلة بين وسائله القتالية والتكنولوجية مقارنة بمنظمات إرهابية شبه عسكرية تؤسس قدراتها على إطلاق الصواريخ وحرب العصابات في مناطق مبنية وفي الأنفاق. وكانت النتيجة مواجهات طويلة انتهت دون حسم واضح. يفهم الجيش بأنه يجب تغيير هذه المعادلة.
البطاقة المنسية التي تم حرقها فورًا، تشهد على الصورة المغلوطة لشخصية رابين
ألوف بن/ هآرتس
حدث هذا في خريف 1993 بعد بضعة أسابيع من حفل التوقيع على اتفاقات أوسلو في البيت الأبيض والمصافحة التاريخية بين رئيس حكومة إسرائيل، إسحق رابين، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، التي بشرت بـ “سلام الشجعان”. رابين الذي شغل أيضاً منصب وزير الأمن، ذهب لزيارة وحدة المستعربين “شمشون”، التي عملت في قطاع غزة، وهناك أجرى المقاتلون أمامه تمريناً، وبعد انتهائه جلس مع الضباط الكبار في القطاع للتشاور. وعندما ذهبوا في طريقهم تقدم الرقيب الأول في الوحدة من قائد وحدة شمشون، طل شاؤول، وأعطاه قصاصة من صحيفة نُسيت في غرفة الاجتماعات، كان مكتوباً عليها عدة أسطر بخط اليد.
شاؤول المعروف لدى الجمهور كشخصية “رامبو” في فيلم “عملية الجدة” الذي أنتجه شقيقه درور، نظر في الورقة واكتشف قنبلة. وهاكم ما كتب فيها: "قلت لديختر بأنه منذ مصافحتي لعرفات وأنا لا أتجرأ على حك مؤخرتي". لم يكن هناك شك في هوية الكاتب. شخص واحد من بين الحضور في القاعدة التقى عرفات – وهو رئيس الحكومة.
ما العمل؟ اتصل شاؤول مع آفي ديختر الذي كان في حينه رئيس المنطقة الجنوبية في الشاباك وأبلغه عن الرسالة المكتوبة بخط رابين. وعرف ديختر ما يجب عمله. “اتفاق السلام كله على كتفيك الآن”، قال للضابط الذي عرفه جيداً من العمليات المشتركة في قطاع غزة، “عليك أن تتلف هذه البطاقة، لأنه إذا تم تسريبها سينهار اتفاق السلام”. شاؤول امتثل لأقوال ديختر وأحرق البطاقة، وهكذا ضاع إلى الأبد التوثيق التاريخي لأفكار رابين عن شريكه في عملية السلام. منذ ذلك الحين انتقل ديختر إلى جانب بنيامين نتنياهو، وربما يندم اليوم على تفويت فرصة تدمير اتفاق أوسلو منذ البداية.
يعتبر رابين الآن يسارياً كان متحمساً للتنازل عن المناطق وإقامة دولة فلسطينية على أنقاض المستوطنات وحلم أرض إسرائيل الكاملة. هذه الصورة تخدم الطرفين السياسيين: اليسار الذي يحتاج إلى بطل، واليمين الذي يحتاج إلى خائن، ولكن هذا هراء. لقد سعى رابين إلى تعزيز مكانة إسرائيل الدولية بمساعدة صديقه رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون وطور تحالفاً مع الأنظمة “المعتدلة” في المنطقة، مصر والأردن والمغرب وتونس وعُمان وقطر وتركيا قبل أردوغان، كقوة موازية لازدياد قوة إيران. ولكنه كان بخيلاً في إعادة المناطق، وخشي من الاتفاق مع سوريا الذي كان سيأتي بجنود الأسد إلى شاطئ بحيرة طبرية. تقدم ببطء مع الفلسطينيين (“لا توجد تواريخ مقدسة”)، وفضل إعطاء عرفات بادرة حسن نية رمزية مثل صفة “الرئيس” وشرطي على جسر اللنبي بدلاً من مساحة جغرافية كبيرة أو تجميد وإخلاء المستوطنات – التي اتسعت فقط في عهده.
في إحدى المرات سنح لي مشاهدة لقاء بين رابين وعرفات، أنا وصديقي أودي سيغل (الذي كان يعمل في حينه في “صوت الجيش” ويعمل الآن في “القناة 13”). حصل الاثنان على جائزة ما في إسبانيا وجلسا في نهاية الاحتفال لاجراء محادثة سياسية. كانت الحراسة خفيفة كما هي العادة قبل قتل رابين، واستطعنا مشاهدة ما يحدث من وراء ستارة خفيفة. جلس رئيس حكومة إسرائيل يحمل سيجارة وكأس ويسكي في يده، وأمامه جلس زعيم الشعب الفلسطيني. رابين كان يتحدث ويتحدث، وعرفات كان يكتب ويكتب في كراسة. تبادلنا في حينه طرفة مفادها أن رابين قال له “الآن اكتب مئة مرة: سأحارب الإرهاب، بدون أخطاء”. أوراق عرفات لا يعرف مصيرها ومن غير الواضح ماذا كتب هناك. ولكن رابين لم يظهر صداقة أو أخوة تجاهه، وتعامل معه بتشكك حتى يومه الأخير. وقد شعر بصورة أكثر راحة مع الملك حسين، ملك الأردن، ومع الرئيس المصري حسني مبارك.
الاتفاقات التي وقع عليها نتنياهو مع الإمارات والبحرين تعكس إرث رابين أكثر بكثير من فك ارتباط أريئيل شارون مع غزة. ها هي دول عربية تقبل بإسرائيل كجارة مرغوبة وتعمل لصالحها في واشنطن، لا يجب تحريك أي ذرة من الأرض أو أي مستوطن من مكانهما مقابل ذلك، بينما حصل الفلسطينيون على ضريبة شفوية تافهة. بالضبط كما في رحلات رابين المنسية إلى ملك المغرب الحسن أو إلى المؤتمرات الاقتصادية الإقليمية التي بادر إليها شمعون بيرس في كازابلانكا وعمان. لقد عقد المؤتمر الأخير قبل أربعة أيام من قتل رابين؛ واستغرق الأمر 25 سنة حتى تعود إسرائيل إلى المسار الذي قطعه رصاص مسدس يغئال عمير في حينه.
الهرولة إلى دبي
يوآف ليمور/ يسرائيل هيوم
كانت دبي هذا الأسبوع غارقة بالإسرائيليين: رجال أعمال من كل الأنواع والأصناف، وفود رسمية وخاصة، وغيرهم – كلهم هجموا على الإمارات كجزء من “الهرولة إلى الذهب” موديل 2020.
أحياناً يكون هذا مسلياً؛ وفد بنكي يلتقي في مطعم صندوق استثمارات، ويأتي إلى الطاولة رجال تكنولوجيا عليا ومحافل من عالم السياحة الإسرائيلية. كل واحد وجد طريقه إلى هنا حتى قبل أن يعطى الإذن الرسمي، ولجميعهم تطلع مشابه: عقد صفقات، والتمتع بدولة متطورة، ناطقة بالإنجليزية، عاشقة للحياة ووفيرة بالمال والفرص. بعيد جداً عن المستنقع الفلسطيني واللبناني، والتوترات المصرية والأردنية.
من الصعب إدراك هذه الفجوة بين المنطقة القريبة، المعروفة لنا، وتلك التي ستكون منذ الآن فصاعداً في متناول اليد (سياسياً، تجارياً، سياحياً). أجل، سيقع الإماراتيون هذا الأسبوع في حب أصدقائهم الجدد. من جاء إلى هنا استقبل بحرارة كبيرة. يخيل أننا لسنا الوحيدين الذين يسرهم الكشف عن وجود محفل عاقل آخر في المنطقة؛ المحليون أيضاً – من الشيوخ أصحاب المليارات وحتى أصحاب البسطات في سوق التوابل – يشخصون إمكانية كامنة هائلة ومصممون على ألا يفوتوها.
وكما هو الحال دوماً، التكنولوجيا الإسرائيلية هي القاطرة. فأمة الاستحداث صنعت لها اسماً منذ هذه اللحظة، ولكن بقي تحت السطح حتى الآن. عدد غير قليل من الشركات الإسرائيلية كانت تعمل هنا من قبل أيضاً. وقد اعتمدت الإمارات في السنوات الأخيرة على السايبر الإسرائيلي، ولا سيما في المجال الهجومي: فشركات مثل “فارينت” و “NSO” عقدت في الخليج صفقات بمئات الملايين، في محاولة لإحباط ما يعتبر كتهديد على النظام والاقتصاد المحلي. كما أن الصناعات الأمنية تنقلت كثيرا على محور إسرائيل – أبو ظبي.
أما الآن فكل هذا يصعد إلى السطح؛ فلا جوازات سفر أجنبية بعد اليوم، ولا طائرات خاصة أو استخدام شركات مسجلة في دول ثالثة… كل ذلك بات علنياً على الطاولة. ولم تعد هذه عشيقة سرية تتخفى، بل علاقات رسمية ومؤطرة، تفرح الطرفين. والإماراتيون، كما كان يمكن الانطباع هذا الأسبوع، مصممون على أخذ هذه العلاقات إلى أبعد ما يكون ممكناً، ليس في العلاقات الثنائية بين الدولتين فحسب؛ إذ قال أحد رجال الأعمال البارزين في الدولة: “يمكننا أن نكون جسركم لـ 3 مليار يسكنون في محيط ثلاث ساعات طيران من دبي”.
تكنولوجيا الطعام: بوظة من الحمص
قاد أريئيل مرجليت، هذا الأسبوع، وفداً كبيراً إلى دبي من كبار المسؤولين في صندوق استثماراته و13 مديراً عاماً في شركات يستثمر فيها. فإلى جانب شركات سايبر مثل “Secret Double Octopus“، التي توفر الحماية للأجهزة وعامليها، دون حاجة إلى كلمات السر، فإن الشركات التي اجتذبت الاهتمام الأساسي، هي شركات من عالم تكنولوجيا الطعام والزراعة. الإمارات تستورد تقريباً كل موادها الغذائية. تكاد لا تزرع شيئا هنا. عشية الوباء كان كيلو البصل يكلف نصف شيكل، أما اليوم فيكلف 6 شيكل. في التكنولوجيا الإسرائيلية يشخصون المستقبل: الاقتصادي… والغذائي أيضاً.
شركة “اينوبوفرو” مثلاً، اجتذبت في دبي انتباهاً هائلاً، فهذه الشركة التي تأسست في 2015 طورت بروتيناً مركزاً من الحمص أصبح مطلوباً في عالم الغذاء؛ لأنه يسمح بإنتاج طعام صحي ولذيذ أكثر من بدائل أخرى مثل الصويا التي تلوث زراعته البيئة. واليوم يشكل بروتين الحمص أساساً لتطوير البوظة، واللبن بلا حليب، والمشروبات النباتية والمداهين (وفي المستقبل في المخابز) التي ستحل محل منتجات تقوم على أساس البروتين الحيواني.
قفز المحليون على المديرة العامة للشركة، تالي نحوشتان. الحمص، والحل الذي يوفره أقرب كثيراً إلى القلب من الفاصوليا الحمراء التي تزرع في كاليفورنيا. كما أن وجود إسرائيل على مسافة ثلاث ساعات سفر وليست في نهاية العالم، تجعل “اينوبوفرو” جذابة على نحو خاص. كان الاهتمام متبادلاً بالطبع. لم تشخص نحوشتان في الإمارات مستثمرين وسوقاً محتملة فحسب، بل وأيضاً أرضاً لا نهاية لها يمكن أن يزرع فيها قدر لا نهاية له من الحمص، يكون وفيراً وزهيد الثمن.
وثمة شركة أخرى اتفقت في دبي على صفقة أولى هي “أجرينت”، التي طورت جساساً يلتقط مؤذيات الأشجار التي تصيب أشجار النخيل في كل العالم. وهذه الشركة أسستها مجموعة جاءت من عالم السايبر برئاسة يونتان بن هموزيغ في 2016. وفي ماضيه، كان هموزيغ مسؤولاً كبيراً في وحدة الاستخبارات 8200. والجساس الذي طورته الشركة ينجح في عزل وتشخيص الضجيج الذي يحدثه الكائن الطفيلي منذ الأسابيع الأولى ويسمح بمعالجة الشجرة وإنقاذها.
في عالم اليوم نحو 4 مليارات شجرة نخيل من عدة أنواع. 30 في المئة من أشجار النخيل للتمور موجودة في الإمارات. تستغرق زراعة الشجر حتى المرحلة المنتجة نحو أربع سنوات، وعندها تنتج مئات الكيلوغرامات من الثمار في السنة. الضرر الاقتصادي الذي توقعه الجرثومة هائل؛ وجساس “أجرينت” الذي يغرس في كل شجرة بكلفة 12 دولاراً، يسمح للمزارع بأن يتلقى من خلال تطبيق على هاتفه معلومات في الزمن الحقيقي عن الشجرة المصابة – فيعالجها. وفي المستقبل سيستخدم هذا الجساس الخاص لتشخيص مصادر ضرر أخرى.
“التعاون في مجال تكنولوجيا الغذاء سيفتح بوابة هائلة لتوريد غذاء نوعي ومتطور إلى الشرق الأوسط كله”، قال مرجليت في لقائه مع وزيرة الأمن الغذائي في دبي. “حلم قيادة الإمارات لتحويل التكنولوجيا الغذائية إلى مجال رائد يخلق فرصاً كبيرة للشركات الإسرائيلية”. وعلى حد قوله، فإن إمكانيات التعاون بين الطرفين فرصة اقتصادية هائلة للاقتصاد الإسرائيلي، خصوصاً في فترة أزمة كورونا.
“التكنولوجيا العليا هي القاطرة التي تقود اقتصاد إسرائيل. وبالتالي، لنا دور مركزي في قيادة العلاقات والتعاون مع الإمارات، مع التشديد على الشراكة. شركاتنا في علاقة تجارية مع الإمارات منذ بضع سنوات، والآن نشأت الفرصة لتوسيع اليراع. هذه ليست فرصة تجارية فقط، بل فرصة سياسية لصفحة جديدة بين مجتمع التكنولوجيا العليا الإسرائيلية والشرق الأوسط كله”، أضاف مرجليت.
في الأحاديث معهم، ما كان يمكن الفرار من موضوعين بارزين: نفورهم من الشرق الأوسط القديم (ولا سيما من الفلسطينيين، وكذا من حزب الله وإيران)، واستعدادهم ليكونوا منصة وثب لصالح إسرائيل في كل المنطقة. من المجدي للقادم إلى هنا أن يستمع، وبعد ذلك يتحدث، ولا سيما كي يتعلم. هذا ليس صحيحاً فقط لرجال الأعمال، بل أولاً وقبل كل شيء للوزراء ولموظفي الحكومة؛ فسبب نجاح الإمارات – التي يفوق اقتصادها اقتصاد إسرائيل بست مرات – لا ينحصر بالمقدرات الطبيعية، بل ثمة دمج صحيح بين المبادرات الحكومية والتجارية. بينما القطاع التجاري في إسرائيل هو القاطرة التي تحرك الاقتصاد. وتلعب الحكومة هنا دوراً مركزياً في شق الطريق والتعاون، مما جعل الإمارات قاطرة اقتصادية عالمية رائدة.
إمكانية إبعاد الحرب
سيكون العالم التجاري في جبهة العلاقات مع الإمارات، ولكن جوهرها كان وسيبقى سياسياً – أمنيا. المسؤول الكبير سابقا في الموساد، دافيد ميدان، الذي رافق وفد مرجليت، هو أحد رجال الأعمال الإسرائيليين النشطاء وذوي الارتباطات في الإمارات. فالإماراتيون مثل إسرائيل، يشخصون إيران العدو الأساس للسلام في المنطقة. هناك 11 شركة سايبر تابعة للنظام في طهران تعمل ضد أعداء النظام؛ وقد كانت مسؤولة عن الهجوم على البنى التحتية النفطية في السعودية والبنى التحتية للمياه في إسرائيل، وتهدد الإمارات.
إسرائيل ستساعد الإمارات في الدفاع عن نفسها بالسايبر، ولكن الإمكانية الكامنة أكبر بكثير. فالشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل الآن، يقسم الطرفين بشكل حاد وواضح بين “الأخيار” و “الأشرار”. وهذا سيسمح بإقامة تحالفات دفاعية موضعية أو واسعة أمام تهديدات مشتركة، وعند الحاجة العمل ضدها أيضاً. الإمكانية الكامنة هنا لا نهاية لها، ومن التدريبات المشتركة لأسلحة الجو والبحر، وحتى الاستعانة بالإماراتيين ومالهم وعلاقاتهم – لتطوير مشاريع مدنية – اقتصادية، تجلب الرفاه للفلسطينيين في الضفة وغزة، وضمناً تبعد الحرب.
في هذه الأثناء، على خلفية كورونا والعالم “الأحمر”، ستصبح الإمارات هدفاً شعبياً للإسرائيليين. دبي بجملة مواقعها ستجتذب الكثيرين ممن يبحثون عن قفزة قصيرة إلى الخارج. وسيكتشفون في الإمارات شريكاً وصديقاً حقيقياً، ولكنه بعيداً عن أن يكون إمعة. إذا ما حافظت إسرائيل هنا على وجهها الجميل، فسنشهد قصة حب تتجاوز الحدود.
دموع أخرى
يوسي بيلين/ "يسرائيل هيوم"
​لقاؤنا الأول كان من طرف واحد. وقد جرى في أيام الانتظار اللامتناهية، قبل حرب الأيام الستة. كنت نفرا، مع لواء 8 بقيادة ألبرت ماندلر، الذي انتشر في صحراء فاران، على حدود سيناء. لم تكن لدينا فكرة عما يحدث. ثلاث مرات تلقينا أمرًا بطي شبكات التمويه عن السيارات، وثلاث مرات أمرونا بنشرها من جديد. سمعنا "خطاب التأتأة" لليفي أشكول، في الترانزستور الذي اشتراه أبي لي، وحاولنا ان نتشجع بسماع تحليلات حاييم هرتسوغ، ولكن كانت هذه أيام طويلة من انعدام اليقين وانعدام الفعل. وعندها انتقل، من الفم إلى الأذن، النبأ بان رئيس الأركان اسحق رابين سيزور مقر قيادة اللواء.
​لم يطلبوا منا المشاركة في طابور خاص أو في أي احتفال. ربما بسبب الانضباط في استخدام الماء والذي منعنا من أن نحلق ذقوننا التي نمت. وربما لأنه لم يكن يستطيب الاحتفالات. أتذكر أننا وقفنا قرب مركبة الاتصال ورأينا رابين من مسافة غير قصيرة، يعتمر قبعته، ويدخل خيمة القيادة. أتذكر الإحساس بان هناك أحد ما يعرف عنا، يعرف ما يفعل ويمكن الثقة به. ولعلنا رغبنا جدا في أن نؤمن بانه يوجد أحد ما كهذا.
في 1973 عاد من واشنطن، بعد أن أنهى ولايته كسفير. كنت في حينه صحافيا في “دفار”، وأرسلت لمقابلته انطلاقا من التقدير بانه سيحل في مكان واقعي في القائمة للكنيست التالية. كانت غولدا تكن محبة خاصة له. وصلت إلى بيته في تساهلا، وأردت معرفة رأيه في مجالات الدولة والمجتمع. وقد رد على الأسئلة في المقابلة الصحفية كما لو أنه مجبر على ذلك. بعد سؤال أو اثنين، طلب منه قائمة الأسئلة التي سجلتها في دفتري. هذا لم يحصل لي أبدًا ولم اعرف كيف أرد بالضبط ولكن في نهاية الأمر أطلعته عليها. فبعد كل شيء، كان هو الرجل ذو القبعة الذي زار لواء 8.
​نظر رابين إلى الأسئلة، أعاد إليّ الدفتر وقال لي: “الأسئلة غير جيدة. اعتقدت أن معنى الأمر هو أنه لن تتم المقابلة، ولكنه أجاب عليها جميعها. في الموضوع السياسي لم يكن لديه حسم في اتجاه الحمامة أو الصقر، ولكن في المجال الاجتماعي تحدث كزعيم جمهوري أمريكي بكل معنى الكلمة. أعرب عن رأي واضح للغاية ضد المس من الاتحاد المهني بالسوق الحرة، انتقد النفقات المالية على المخصصات الاجتماعية وما شابه من أمور.
​أراد السير في طريق بيغن

 


لم تسد المحبة بيننا. فأنا لم أحب استخفافه العلني بالأشخاص وبالجماعات، والألقاب التي أغدقها عليهم (والتي تعرضت أنا أيضًا لها)، وعارضت الكثير من مواقفه السياسية. معظم الخلافات بيننا كانت علنية. في 1987 وجدنا أنفسنا نتجادل في موضوع فرض العقوبات الأمنية والاقتصادية على نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا؛ بعد سنة من ذلك اصطدمنا في موضوع إقامة الحكومة الجديدة في أعقاب الانتخابات: فقد فضل، بشكل قاطع، حكومة مشتركة مع الليكود برئاسة شمير بدون تناوب، وانا طلبت تشكيل حكومة برئاسة بيرس، بمشاركة الحريديم. في 1994 كانت بيننا مواجهة على خلفية دعوتي لقيادة يهود أمريكا لوقف تحويل المبلغ الصغير نسبيا، لإسرائيل، مما يتم جمعه من أموال الجباية وتكريس المال لما سمي بعد ذلك مشروع “تجليت”. في 1995 اصطدمنا بسبب معارضته القاطعة لمطالبتي بإلغاء قانون الانتخاب المباشر لرئاسة الوزراء.
​وكان بيننا خلاف لم ينشر في حينه، يرتبط بمسألة هل نواصل قيادة مسيرة أوسلو نحو الاتفاق المرحلي أو التوجه مباشرة إلى الاتفاق الدائم. بعد ان وافق رابين على ان نواصل المفاوضات غير الرسمية التي جرت في أوسلو مع ممثلي م. ت. ف، أقام منتدى رباعيا أدار هذه المحادثات، وضم، إضافة إليه، وزير الخارجية في حينه شمعون بيرس، أنا والقانوني يوئيل زينغر. في مرحلة معينة اقترحت على رابين، على هامش اللقاء الأسبوعي، ان نترك جانبا الجهد الكبير للوصول إلى اتفاق مرحلي، وننتقل إلى محاولة الوصول، منذ الان، إلى تسوية دائمة، على خلفية النزعة البراغماتية التي تبينت لنا في الجانب الفلسطيني. أعربت أمامه عن التخوف من أنه خلال سنوات المرحلة الانتقالية الخمس، ستكون مساحة سيستغلها معارضو الاتفاق على جانبي المتراس.
​عارض رابين ذلك بشدة وقال انه يفضل السير في الطريق التي اتفق عليها في محادثات كامب ديفيد في 1978، انطلاقا من التقدير باننا إذا سرنا في الطريق الذي شقه مناحيم بيغن، فستكون شرعية أكبر للاتفاق الذي سنتوصل إليه. وأضاف إلى ذلك حجة ثانية وبموجبها – إذا بدأنا بالمفاوضات على اتفاق دائم، ولم ننجح في الوصول إلى التوافق، سيكون من الصعب جدا إعادة الطرف الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات والى التسوية المرحلية، لأنه سيخشى من أن المحادثات التي ستستأنف ستؤدي في نهاية المطاف إلى طريق مسدود. بينما إذا فشلنا الان في محادثات التسوية المرحلية، لن يكون من الصعب جدا العودة إليها حين تتيح الظروف ذلك.
​مهرجان في الميدان رغم انفه
​ولكن كانت أيضا توافقات غير قليلة بيننا، واهمها كان استعداده لاجراء محادثات مع م. ت. ف بعد سنوات طويلة رفض خلالها هذه الإمكانية رفضا باتا. راكمنا الكثير جدا من الساعات معا. في جلسات لمحافل مختلفة في حزب العمل. في جلسات الكابينت والحكومة، في جلسات الكنيست، في محادثات ثلاثية أو رباعية. في لقاءات سرية وعلنية مع زعماء المنطقة، في محادثات ثنائية. في تموز 1995 قرر ضمي أنا وإيهود براك إلى حكومته.
​عندما التقيته للحديث عن برامجي كوزير للاقتصاد والتخطيط قلت له إن برنامجي المركزي هو حل الوزارة لأصبح وزيرا بلا وزارة. فضحك وقال انه لم يسمع أبدًا عن برنامج كهذا. قلت له ان هذه وزارة مصطنعة، أقامها مناحيم بيغن، كي يجعل صديقه يعقوب مريدور وزيرا. تم اخذ دوائر مختلفة من وزارة المالية ومن ديوان رئيس الوزراء، وأقيمت وزارة زائدة، يمكن لمن يقف على رأسها فقط، التخلي عن وجودها.
​طلبت موافقته المبدئية على الخطوة كي ابدأ بإعادة الدوائر إلى الوزارات ذات الصلة والى ترتيب عمل 63 من الموظفين فيها. تلقيت منه ضوء اخضر، ولكنه قال، أعدك يا يوسي بانك بعد ثلاثة أشهر ستأتي إليّ بطلب زيادة في الميزانية كي توسع مجالات الوزارة الحيوية التي تلقيتها. وعندما حلت الوزارة، لم يعد هو بين الأحياء.
​رابين لم يحب فكرة مهرجان السلام في ميدان ملوك إسرائيل. لم يفهم لماذا تحتاج حكومة ما لهذا الحدث. في الأنظمة ذات الحكم المطلق تجري السلطات مظاهرات في الميادين. أما في أنظمة الحكم الديمقراطية فهذه مهمة المعارضة. أما مؤيدو المهرجان فقالوا له انه في ضوء المظاهرات الكبرى التي يجريها اليمين ضد مسيرة أوسلو، يتعين على معسكر السلام ان يقول كلمته وان يسمع صوت رئيس الوزراء. خشي رابين من أن يكون الميدان شبه خال، مما سيسيئ إلى الوضع فقط.
​النهاية كانت مختلفة، بالطبع. كان الميدان مليئا بالناس. وقد تأثر جدا واستصعب إخفاء ذلك. بمصطلحات رابين، خرج عن طوره: وافق على أن يغني بضعة أبيات من “نشيد السلام” رغم أنه كان يعرف جيدا ان قدرته على الغناء محدودة. بل انه عانق بيرس. بعد الاغتيال وجدوا في جيب سترته الصفحة وعليها كلمات “نشيد السلام” ملطخة بدمه.
​على هذا الرجل الخاص، المقاتل في المعركة والمقاتل للسلام، والذي لم تكن بيننا أبدًا محبة شخصية، وجدت نفسي ابكي مثلما لم ابكِ عندما ودعت اعز أقربائي.
الاغتيال ليس دليلا على ان رابين سعى للسلام
عميره هس/ هآرتس
حقيقة أن شخص من اليمين الاسرائيلي قتل رئيس الحكومة لا تثبت أن اسحق رابين انفصل عن التراث والمؤسسة الإسرائيلية وسعى إلى سلام حقيقي. بالعكس، في 5 تشرين الأول 1995، قبل شهر من قتله، عندما قدم للكنيست بكامل هيئتها تفاصيل الاتفاق المرحلي مع م. ت. ف، صاغ رابين أسس معينة لما سمي “الحل الدائم”. التشابه بين أسس الحل الدائم وبين واقع الجيوب الفلسطينية حاليًا والضم الفعلي لمعظم الضفة الغربية، ليس صدفة:
1- كيان فلسطيني يكون أقل من دولة.
2- عدم العودة إلى خطوط الرابع من حزيران.
3- القدس موحدة وتشمل معاليه ادوميم وجفعات زئيف كعاصمة لإسرائيل.
4- الحدود الأمنية ستكون في غور الأردن.
5- سيتم ضم غوش عصيون وافرات وبيتار ومستوطنات أخرى تقوم شرق الخط الأخضر.
6- إقامة كتل استيطانية في يهودا والسامرة، وليتها تكون مثل غوش قطيف.
7- الحل الدائم نراه في اطار اراضي دولة إسرائيل، الذي يشمل معظم اراضي ارض إسرائيل، كما كانت تحت حكم الانتداب البريطاني، والى جانبها كيان فلسطيني يشكل وطنا لمعظم السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة وفي اراضي مناطق الضفة الغربية.
8– نحن نفضل دولة يهودية حتى لو لم تكن على كل أجزاء أرض إسرائيل، بدلا من دولة ثنائية القومية ستنشأ اذا تم ضم 2.2 مليون فلسطيني يقيمون في غزة والضفة الغربية.
​اذا كان الأمر كذلك فلماذا آمن الإسرائيليون الذين أيدوا في نهاية الثمانينيات التفاوض مع م. ت. ف وإقامة دولة فلسطينية وطالبوا بتفكيك كل المستوطنات، أن هذه هي طريق السلام؟
رابين قال في جلسة الكنيست تلك: “لم نتعهد بحجم إعادة الانتشار في كل مرحلة”. أي أن إسرائيل ستهتم بأن تكون الأراضي التي سيتم نقلها لصلاحيات التخطيط الفلسطينية، مع سيطرة على الأرض، صغيرة قدر الإمكان”. وهذا ما حدث. وقال أيضًا: “لقد تعهدنا أمام الكنيست بعدم إزالة أي مستوطنة في إطار الاتفاق المرحلي. وكذلك عدم تجميد البناء والتكاثر الطبيعي”. من يستثمر الآن عشرات ملايين الدولارات في بناء الكتل الاستيطانية والبنى التحتية والشوارع ومبان ومؤسسات عامة، لا يفعل ذلك بهدف تفكيكها في الغد. إلا إذا قامت قوة سياسية – اقتصادية قوية تجبره على التوقف عن الاستهزاء بالقانون الدولي وخرقه.
​هل كان يمكن لقوة سياسية كهذه أن تتبلور في التسعينيات ضد التصميم الاسرائيلي على النهب والاستيطان؟ معظم المؤيدين الإسرائيليين للسلام ولحقوق الفلسطينيين لم يكلفوا أنفسهم عناء الدخول إلى التفاصيل. كان هناك من آمنوا بـ “الديناميكية الإيجابية” للحديث عن السلام، وكان آخرون تجاهلوا المطالب الأساسية والمنطقية لـ م. ت. ف، وكان من تعاملوا مع المستوطنات كمشروع خاص ومؤقت لجماعة محددة وليس باعتباره ألـ دي. ان. ايه لدولتهم.
​م. ت. ف قيدت نفسها. والاتحاد الأوروبي حسن العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل وكأنها امتثلت لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وانسحبت من المناطق المحتلة. وفي دول عربية مختلفة استعدت النخب لعلاقات اقتصادية جيدة مع إسرائيل. وهكذا شعر قطاع الأعمال الاسرائيلي بالرضى، الذي كان في حينه من بين الدافعين إلى اتفاق مع الفلسطينيين، من اجل تمهيد الطريق أمام المزيد من الأسواق والتكنولوجيا والصفقات الدولية. إذا كان بالإمكان تحقيق هذا فقط عن طريق مفاوضات خالدة تدوم إلى الأبد وبدون سلام فلم لا؟ وهكذا تم شق الطريق للعلاقات الدبلوماسية الكاملة مثلما هي الآن مع دول عربية.
​سواء آمن اليمين في حينه بأنه يمكن أن تقوم قوة كهذه أم لن تقوم، فانه استطاع أن يخلق قوة سياسية مضادة، كانت فاعلة في الشوارع وفي الدعاية وفي الترهيب، وفي خلق صلة مع اليمين الأمريكي وعرض العمليات الفلسطينية على أنها تهديد وجودي. رابين قال في تلك الجلسة بأنها ليست تهديدا وجوديا، بل عائقا أمام تحقيق عملية السلام. بهذا، ومثل معظم الإسرائيليين، ألقى المسؤولية على الجهة الواقعة تحت الاحتلال والسلب. عملية الاغتيال كانت ذروة التحريض، كما أنها سرعت وزادت ديناميكية الجيوب التي أرست المبادئ التي حددها رابين للحل الدائم.

التعليـــقات