رئيس التحرير: طلعت علوي

في ذكرى ميلاد المهاتما غاندي المائة والخمسون

السبت | 06/10/2018 - 08:49 صباحاً
في ذكرى ميلاد المهاتما غاندي المائة والخمسون


" نريد نفس الحرية التي يريد تشرشل من البريطانيين أن يموتوا في سبيلها "

 

بقلم : أنور الجيوسي

اليوم، وفي ذكرى الميلاد المائة والخمسون للزعيم الهندي الذي وهب حياته لنشر سياسة المقاومة السلمية واستمر على مدى اكثر من خمسين عاما يبشر بها، الزعيم الذي رفض فكرة التمييز العنصري وحارب من أجلها، الزعيم الذي رفض الاستعمار والعنف ودافع عن الحريات ابتداءاً بجنوب افريقيا في فترة شبابه وانتهاءاً باستقلال الهند من الاستعمار البريطاني، الزعيم الذي أدان الصهيونية ورؤيتها اللاأخلاقية وعبّر عن تعاطفه مع الفلسطينيين في إحدى الصحف عام 1938 بقوله " إن الدعوة الى إنشاء وطن لليهود لا تعني الكثير بالنسبة لي، اذ أن فلسطين تنتمي للعرب تماما كما تنتمي انجلترا للإنجليز أو فرنسا للفرنسيين، ومن الخطأ فرض اليهود على العرب، وما يجري الآن في فلسطين لا علاقة له بأي منظومة أخلاقية".



كان المُخَلّص الهندي المنتظر، الذي جعل الامبراطورية البريطانية تجثو على ركبتيها، الناشط الذي عَلّم العالم طريقة جديدة لصنع التاريخ، الشخص ذو الرؤية المستقبلية الذي طالب بعالم بدون تمييز عرقي أو ديني، الشهيد الذي سقط صريعاً في عام 1948 عن عمر يناهز التاسعة والسبعين إثر رصاصة قاتلة من أحد أبناء جلدته المتعصبين دينياً. 


نظن أننا نعرف صاحب الفكر المستنير في الزي التقليدي، النباتي الذي كان يشتهي اللحم، المسالم الذي كان يُؤمن بالجهاد، السياسي البارز والزعيم الروحي للهند موهنداس كرمشاند غاندي الذي كان رائدا " للساتياجراه" وهي مقاومة الإستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، أسس في عالم السياسة ما عُرف بالمقاومة السلمية أو فلسفة اللاعنف وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف الى إلحاق الهزيمة بالمُحتل عن طريق الوعي الكامل بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولاً، وإبلاغ السلطات كي لا تُتهم بعنصر المفاجأة، وإعطاء الحَدَث صدى كبيراً.    

                                                                           
ماذا كان سيكون رأي غاندي في رسالته الروحانية المسالمة غيرالمادية مع الفكر العالمي الإستهلاكي الفوضوي، ماذا سيكون رأي غاندي في المتناقضات التي نعيشها في عالمنا الحاضرحيث أصبح المستعمر يروج عن الحرية والعدالة واحترام حقوق الانسان، ماذا سيكون رأيه في النظام الاقتصادي العالمي المبني على الظلم الاجتماعي القائم على المحسوبية وغياب العدل والكفاءة، وماذا سيكون رأيه ايضا في الشعب الفلسطيني وقادته الذين غذاهم الإقتتال والانقسام الداخلي رغم وجود الاحتلال العسكري الاسرائيلي لمدة تزيد عن سبعين عاماً، وقد شّبه الزعيم غاندي إنفصال دولة باكستان عن الهند بأنه أشبه " بتشريح كائن حي".


هناك الكثير من النماذج التي اعتمدتها الشعوب للتخلص من الاحتلال والأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية، لكن نموذج مهاتما غاندي هو نموذج كامل متكامل إن صدق التعبير، فقد اتخذ عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها مقاطعة المنتجات البريطانية والإعتماد على المنتجات المحلية ذات الأقل جودة لتحقيق الإكتفاء الذاتي انطلاقا من مبدأ التحرر الاقتصادي هو مُقدمة للتحرر السياسي، عدم دفع الضرائب حيث قال في إحدى الصحف " ربما فكّر البريطانيون في ظلم كل هندي بفرض ضريبة على الماء، ثم وجدوا أن ذلك مستحيلاً، ولهذا فرضوا ضريبة على الملح" ، التسامح الديني والاحترام متبادل، رفض قاطع للنظام الطبقي، انشاء تجمعات تسمى " أشرام" لتعليم عقيدة غاندي، ولكي تنجح المقاومة السلمية والعصيان المدني يجب ان تكون صادقة في الطرح، غير متكلفة في التعبير، وقادرة على تحمل عواقب رد فعل المؤسسة الاستعمارية وهذا ما شهده القائد الهندي بقبول السجن والتضحية بالنفس.


هل يمكن ان نرى في مسيرات العودة والاحتجاج السلمي في منطقة الخان الأحمر بداية لتبني العمل السلمي ضد الاستعمار الصهيوني، وهل ستنجح في تحقيق أهدافها كما نجحت تجربة جنوب افريقيا في إسقاط نظام الأبرتهايد، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، أم هل يجب علينا مراجعة أوراقنا الداخلية لتحقيق أهداف الثورة السلمية.


في مثل هذا اليوم ولد ابرز قادة القرن العشرين، الزعيم الذي قاد الملايين من شعبه، رجل يتمتع بشجاعة عظيمة، كان رجلاً ثورياً بلا عنف، دافع عن قوة الفرد في إحداث التغيير، الرجل الذي سار مدة 24 يوما نحو البحر إحتجاجا على احتكار الحكومة البريطانية لتصنيع الملح وفرضها ضريبة على الملح الذي يستعمله الهنود، الرجل الذي جعل عوامل عبودية الهند عوامل تحرر، من خلال المقاومة السلمية والحياة البسيطة المتعففة والعمل اليومي والاعتماد الذاتي ومقاطعة المنتجات البريطانية والترويج لتصنيع وبيع المنتجات اليدوية المحلية، والتخلي عن اللباس الأجنبي واستبداله بالنسيج المحلي حين قال " اغزلوا كرامتكم بإيديكم" ، الرجل الذي دعا الى الإخاء بين المسلمين والهندوس، الشخص الذي تم اختياره " رجل القرن العشرين"،  والذي قال عنه اينشتاين في كتابه ( كيف أرى العالم )، أنه " أعظم عبقرية سياسية عرفتها حضارتنا" .

التعليـــقات