رئيس التحرير: طلعت علوي

ماذا سيقول أبو مازن؟

الخميس | 27/09/2018 - 09:21 صباحاً
ماذا سيقول أبو مازن؟

عبد الغني سلامة

يكتسب الخطاب الذي سيلقيه الرئيس عباس غدا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية استثنائية، في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية؛ خاصة بعد تصاعد الضغوط الأميركية على السلطة الوطنية، للرضوخ لما يسمى صفقة العصر.

أتوقع أن يكون خطابا شاملا، مثل الخطابات السابقة التي اعتاد القاءها في كل أيلول من كل عام، منذ اعتماد القيادة الفلسطينية استراتيجية انتزاع اعتراف عالمي بالدولة الفلسطينية.

سيستعرض الرئيس بدايةً الممارسات الإسرائيلية التعسفية بحق الشعب الفلسطيني، محاولا إقناع العالم بأنها ممارسات عنصرية، وترقى إلى مستوى جرائم الحرب، خاصة جرائم الاغتيالات، وسياسات الاستيطان والضم ونهب الأراضي، وهدم البيوت، والتهجير القسري، خاصة لسكان الخان الأحمر.

وسيتطرق لقانون القومية الذي أقره الكنيست مؤخراً، موضحاً أنه تشريع لسياسات الأبارتهايد، مع التأكيد على رفض الاعتراف بيهودية الدولة.

وسيفرد مساحة من خطابه للتأكيد على أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وإدانة نقل السفارة الأميركية إليها، ورفض محاولات الإدارة الأميركية إخراجها من ملفات الحل النهائي.

وأيضا، سيؤكد على حق العودة وفق القرار 194، وعلى إدانة امتناع الإدارة الأميركية عن دفع مستحقاتها لوكالة الغوث، وشرح الآثار السلبية الخطيرة المترتبة على انهيار الوكالة، أو تقليص خدماتها، مع محاولة تجنيد الأموال لتعويض هذا النقص، للإبقاء على الوكالة، ليس لأهمية الخدمات الإغاثية التي تقدمها؛ بل لأن بقاءها تأكيد على ديمومة قضية اللاجئين.

وسيدعو المجتمع الدولي لإلزام الحكومة الإسرائيلية باحترام اتفاقيات جنيف، والتحقيق في ظروف اعتقال الأسرى، والتشديد على ضرورة الإفراج عنهم، بوصفهم جنودا من أجل الحرية والاستقلال.

باختصار، سيستغل الرئيس فرصة التحدث أمام الجمعية العامة، لشرح تطورات القضية الفلسطينية، وفضح الممارسات الإسرائيلية، وكسب التضامن الدولي، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته السياسية والقانونية، تحديدا إزاء ما اتخذه الرئيس ترامب من قرارات مخالفة للموقف الأميركي التقليدي، والمتعارضة مع القانون الدولي، سيما ما يتعلق بالقدس، واللاجئين، والأراضي المحتلة، والاستيطان، وحجب التمويل عن وكالة الغوث، ومحاولة شطب قضية اللاجئين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وغيرها من القرارات ضد الشعب الفلسطيني.

وبالتالي سيطلب الرئيس موقفا دوليا داعما للموقف الفلسطيني في رفض هذه القرارات، محاولا تشكيل جبهة دولية مضادة لسياسات ترامب، ولإنقاذ حل الدولتين. مع التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك حصارها الظالم على قطاع غزة، وذلك باتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل بصفتها قوة احتلال، وبصفتها نظام أبارتهايد، خاصة بعد إقرارها قانون القومية العنصري. وسيطالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وحصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، واعتراف الدول التي لم تعترف حتى الآن بدولة فلسطين.

سيؤكد الرئيس على الثوابت الوطنية الفلسطينية، لكنه سيؤكد أيضا أنه لا يرفض المفاوضات من حيث المبدأ، وأنه يريد ضمانات دولية حتى لا تكون مجرد مفاوضات عبثية، ما يعني إطلاق مؤتمر دولي للسلام، تنبثق عنه آلية دولية معينة، ضمن سقف زمني محدد ووفق مرجعيات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، مع التأكيد على رفض الرعاية الأميركية المنفردة لعملية السلام، بسبب القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب، والتي أظهرت انحيازها الأعمى والمطلق إلى جانب إسرائيل.

مضامين هذا الخطاب تعني بكل بساطة رفضا واضحا وصريحا لكل السياسة الأميركية، وهذا ليس بالأمر الهين، هذا يعني أن الرئيس عباس يقف (منفردا)، في وجه الإدارة الأميركية، بكل ما يعنيه ذلك من احتمالات لمحاولات عزله، أو تصفيته، أو فرض عقوبات على السلطة، ستصل إلى حد تجفيف مواردها المالية.

وهذا الخطاب يأتي تتويجا وترجمة لموقف القيادة الفلسطينية الرافض لسياسات ترامب؛ فقد سبق للرئيس أن رفض منذ نحو عام مقابلة أي مسؤول أميركي، إلى أن تتراجع اميركا عن موقفها بشأن القدس، وتعيدها إلى طاولة المفاوضات.

ربما يستهين البعض بهذا الموقف، أو يقول آخرون أنّ رؤساء كوبا وفنزويلا وغيرهم من دول أميركا اللاتينية سبق وأن تحدوا أميركا من على منصة الأمم المتحدة.. وهذا صحيح، ولكن هؤلاء مسنودون بدولهم "المستقلة"، وبقدراتهم الاقتصادية، وتحالفاتهم الدولية.. أما الفلسطينيون، فلا سند لهم ولا حليف.

ولم يتوقف الأمر عند الكلام، فقد أجبر الموقف الفلسطيني على الغاء الصفقة بشأن التهدئة، وتجاوز دور السلطة الوطنية، كما أن الملك السعودي والملك الأردني والرئيس المصري أعلنوا أنهم يرفضون ما يرفضه الرئيس عباس، وقد أبلغوا مبعوث الإدارة الاميركية أنهم لن يقبلوا بصفقة العصر، طالما أن عباس لم يقبلها. ما يعني أن بعض الزعامات العربية ربما أدركت أن عباس، الذي وقف بشجاعة ضد أميركا لن ينصاع لضغوطهم.

الخطاب سيكون مهمّاً دون شك، ولكن بمستوى أهميته من الضروري عقد دورة جديدة للمجلس المركزي بعد عودة الرئيس من نيويورك، واتخاذ قرارات شجاعة، لتكون مفتاح الحملة المقبلة لمواجهة كل المخططات الأميركية والإسرائيلية، وهذا يتطلب أيضا إسنادا شعبيا.

واقع الأمر يقول إن ترامب نفذ عملياً أهم وأخطر بنود صفقة القرن، دون الحاجة للإعلان عنها، وهي استبعاد القدس والمستوطنات واللاجئين من المفاوضات، وأن ترامب ينفذ أقصى أماني نتنياهو، ما يعني أن على القيادة الفلسطينية مغادرة نهج أوسلو، وتبني خط سياسي جديد ومختلف كلياً، حتى لو ترتب على ذلك عقوبات أميركية فوق قدرة السلطة على احتمالها، أو الاستمرار في ذات النهج، ضمن سقف سياسي يهبط باستمرار، وبالتالي لن يكون الخطاب سوى صوت احتجاجي.

وأخيرا، فان موقف حماس الذي أعلنت فيه رفضها مساندة الخطاب، مع حملتها المحمومة ضد الرئيس في هذا الوقت بالذات؛ موقف مستهجن، ويدل على ضيق أفق سياسي، وعقلية فئوية منغلقة، تضع المصالح الحزبية فوق المصالح الوطنية.. الرئيس عباس يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، ويطالب بحقوقه الوطنية، وأي إنجاز يحرزه سيعود نفعا على القضية الفلسطينية، وأي إخفاق، سيضر بها، ما يعني أن من يتمنون الفشل للرئيس إنما يتمنون بقاء الاحتلال، وبقاء مصالحهم الصغيرة.

©راية

التعليـــقات