رئيس التحرير: طلعت علوي

مشاريع «الرؤية» السياحية والمخطط النموذجي

الثلاثاء | 25/09/2018 - 09:29 صباحاً
مشاريع «الرؤية» السياحية والمخطط النموذجي

التخطيط الاستراتيجي وفقا للنظرية النموذجية لن يكون استراتيجيا ما لم تكن له رؤية عظيمة، كالنجم العملاق تراه كل البشرية وتهتدي به. لا معنى لرؤية لا تلهب الحماس، ولا تشحذ الهمم، ولا تتحدى الواقع، ثم يجب أن تكون الرؤية واضحة، لا لبس فيها ولا غموض، لا يستطيع أحد أن يدعي عدم فهمها أو غموضها، مهما كان دوره في الرؤية صغيرا أو كبيرا، ذلك أن الرؤية الصحيحة تجعل كل الأدوار مهمة، وتجعل الجميع يشعرون بدورهم فيها وضرورته؛ لهذا تلهب حماس الجميع، وتضع الموارد في مسار واحد. هل رأيت قوافل الصحراء كيف تسير كلها جنبا إلى جنب، ماؤها وخيلها حتى رعاتها، كلهم بالأهمية والحماس نفسه في الوصول، هكذا هي الرؤية العملاقة الصحيحة المدروسة. وإذا وضعنا كل هذه الخصائص في ميزان "رؤية المملكة 2030"، وجدناها عملاقة بقدر ما تقود أمة عظيمة لها تاريخ مجيد مثل السعودية وشعبها المجيد. ولعل هذا كان أكبر تحد واجه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وهو يضع "الرؤية" ويرسم أدوارها، فالإنجازات التي سبق أن تحققت على يد المؤسس والملوك من بعده، كانت عملاقة بكل المقاييس، وحشدت جميع الموارد لتحقيق قفزات اقتصادية وتنموية عملاقة، والواقع يشهد.

وإذا كنا في حاجة إلى استمرار التطوير والتحسين والمحافظة على ما تم إنجازه، فإن مجرد هذا التطوير والتحسين لم يكن كافيا لصناعة رؤية تلهب حماس شعب تعود على الإنجازات والنجاح، ولعل التحدي الضخم كان في بناء رؤية يكون معها الجميع يعمل بشغف وحماس جديد نحو قمة ما بلغها أحد من قبل، بناء مثل هذه "الرؤية" الاستراتيجية الطموحة في هذا المكان وهذا الزمان كان - في حد ذاته - مشروعا عملاقا، وقد نجح فيه الأمير الشاب بكل اقتدار، وبنى لنا نجما عملاقا خاصا، سيكون حادي الركبان حتى تتحقق الإنجازات العملاقة كلما اقتربنا من طموحات هذا النجم. أن نكون شعبا طموحا - ونحن كذلك فعلا - فإن الطموح يأخذ معنى عملاقا هنا، وحديث الأمير محمد بن سلمان أن طموحنا هو عنان السماء يضع معنى الطموح العملاق في مكانه، لكن يدرك من فهم هذه العبارات جيدا أن عملا جبارا ودؤوبا وابتكاريا هو مقتضى حتمي لعبارة شعب طموح، إذا كنت تخاطب شعب السعودية. ولهذا، فإن مبادرات "رؤية 2030" تفتح آفاقا لم يطرقها أحد، لكن في الوقت نفسه تمثل طموحا عملاقا، وتحتاج إلى عمل وجهد جبار.

فبناء صندوق استثماري بحجم تريليوني دولار يعد مشروعا عملاقا بكل مقاييس الصناديق المعروفة حاليا، ثم أن تضع "الرؤية" هذا الصندوق في خدمة التنمية وإصلاح المالية العامة، وأن يقوم بدوره في تنمية الإيرادات العامة.. ومن يقرأ عن هذا المشروع الضخم عند إطلاقه يدرك حجم التحديات والعمل المطلوب، وقد قاد الأمير محمد بن سلمان بنفسه إطلاق هذا العمل، حيث نفذ جولات دولية عديدة، انتهت بكثير من الفرص والشراكات الضخمة، من بينها أكبر صندوق عالمي في التكنولوجيا الحديثة، وهو مشروع رؤية سوفت بنك، الذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار، واليوم تتجاوز أصول صندوق الاستثمارات العامة 250 مليار دولار؛ أي ما يقرب من تريليون ريال، والعوائد تتجاوز 5 في المائة. لأن "الرؤية" تطرق بابا لم يطرق من قبل، فقد لفتت انتباه العالم إلى ثروات المملكة الضخمة غير النفط، فالموقع الجغرافي، إضافة إلى السواحل الطويلة على البحر الأحمر، التي لم يكن أحد يتصور حجم الثراءين البيئي والسياحي فيها، مع ما تتمتع به من مناخ مستقر، هاتان الميزتان معا تكتشفهما "رؤية المملكة 2030" من جديد، وترفع بذلك أهمية المملكة في القطاع السياحي في العالم، وتقدم ميزة تنافسية قوية وقادرة على جذب الاستثمارات والسياح من جميع أرجاء المعمورة، فالبيئة المتنوعة، وسهولة الوصول، والمناخ الجميل - هدف لكل سائح، لكن التحدي عملاق، بحجم الطموح. فبناء أرض بكر ذات تضاريس متنوعة يجعل العمل كبيرا والاستثمارات ضخمة.

ولأن التحدي بهذا الشكل، فإن ظهور الأمير محمد بن سلمان في المشهد ضرورة قيادية لا بد منها، وهنا نتذكر - بكل فخر - تمتع خادم الحرمين الشريفين بإجازته السنوية في "نيوم"، ونتذكر حفل تدشين مشروع نيوم العملاق، عندما وضع الأمير محمد "جوالا" قديما بجوار جوال حديث متقدم؛ ليعلن للعالم أن "نيوم" يدفع إلى العمل الإبداعي والتطور التكنولوجي، ويلتقي فيه جيل الروبوتات الإنسانَ، في ثورات تقنية واقتصادية ومعرفية ستحقق للمملكة مكاسب اقتصادية كبيرة، ويقدم للعالم مدينة المستقبل والأحلام، مدينة صناعة متقدمة ووظائف متجددة، إضافة إلى فرص الحياة في بيئة خضراء لإنسان مسالم يعيش برخاء، مع سهولة الوصول إلى أجمل مناطق العالم سياحيا. "نيوم" من المشاريع العملاقة ولا شك، وستعمل على استقطاب المستثمرين العالميين، ومثله يأتي مشروع المدينة الترفيهية "القدية" أحد مشاريع "الرؤية" الضخمة، التي تسهم في توفير فرص العمل، ونسب عوائد على الاستثمار مرتفعة، وتعد عاملا مهما في تعزيز التجارة ونهضة مشاريع تطوير البنية التحتية، وإيجاد شراكات جديدة مع العالم، تبني متنفسا حضاريا وسط الجزيرة العربية، كواحة عملاقة، ستجذب العالم إليها، واحة بفنادق حديثة ومناطق ترفيه، ومدن ألعاب، بجانب واحدة من أسرع المدن نموا في العالم، ولأن مثل مدينة الرياض بكل زخمها تحتاج إلى حراك سريع من القطاع الخاص ليكون جاهزا مع استكمال مشاريع الرؤية، فإن برنامج التخصيص يأتي في موعده ليؤكد أننا أمام مخطط نموذجي عملاق.

©الاقتصادية

التعليـــقات